مثال لإسقاط قيم الغرب على اللعب
سعيد المودني
نختم هذا الملف الذي قُدمت فيه بعض القرائن على إفلاس المنهج الغربي وتخبطه حتى على مستوى التنظير، وسقوطه، من باب أولى، على مستوى التنفيذ، على اعتبار أن قيم الغالب هي ما يتبعه الناس ويستلبهم، للاقتداء والتقفي، وأيضا امتلاك القوي لمقومات الفرض، وقد تمّ، وعبر مؤسسات هو من أنشأها،، لكن بشكل انتقائي نفاقي مريع..
في هذا المقال الأخير إذن نعرض لقطات لذلك الإفلاس والتخبط والانتقائية.. ذلك أنه مما يبدع فيه هذا الغرب المسيطر هو التلبيس الذي يحيل الجاني ناصحا أمينا، وكذلك قلب الأولويات والقيم وتقديم النموذج في التفاهات، كالمبالغة في تسويق وتضخيم لعبة كرة القدم حتى شاع فيها الفساد والإفساد والاستغلال، بسبب ما أصبح يعتريها من مضاربة، وما نتج عن ذلك من غش وتدليس وارتزاق وصفقات وتلاعب وكوارث أخلاقية(التلاعب في النتائج والتحكم فيها، شيوع الإرشاء من أجل التنظيم والاحتضان...)، اغتنى منه بعض السماسرة في مختلف مستويات التدبير والتدريب والانتقالات... وطبعا يؤدي فاتورة كل ذلك الجمهور(المباشر في الملعب، أو غير المباشر عبر الوسائط أو في المقاهي).. وللأداء وجه مادي، ووجه زمني،، وآخر وجداني... مع أن إبعاد اللعبة عن الاستثمار والمضاربات، وإبقائها في إطارها الأصلي والطبيعي كرياضة شعبية ممتعة للممارس والمشاهد على السواء، تؤدي أدوارها التربوية(جسديا وأخلاقيا)، والفنية، والترفيهية... ممكن، سواء عبر زجر المضاربين باعتماد الوسائل المتاحة التقنية منها والقانونية، أو باعتماد وسائل "وقائية" جذرية تنفيرية، كتزهيد أجور اللاعبين والمدربين وكافة المتدخلين، وتخفيض أثمنة التذاكر والتعريفات ورسومات النقل، وعدم حصر حقوق البث... وبذلك يندثر الفساد المستشري بزوال الحافز، لأنه لن يكون هناك هامش للربح للمضاربين يسيل لعابهم ويشرئبون للظفر به.. غير أن القوم لا يريدون هذا،، لأنهم يقتاتون منه!!!..
من جهة أخرى، يُعرف عن الغرب هوسه بـ"الغفلة" في "تحقيق العدالة الناجزة"، في "الجد"،، كما في اللعب.. وهكذا مثلا، وفقط مثلا، تُلعب مباراة قيمة نتيجتها ملايين الدولارات، تُعطى للحكم الرئيسي فيها مطلق السلطة والحرية في اتخاذ أيّ قرار، ولو كان خاطئا مقصودا دون أية شبهة، وبإجماع الحاضرين، ولو حكم كل الحكام الآخرين بعكس ما حكم به هذا الرئيس، بل ولو اعترف الخصم بالخطأ... لا تعتبر إلا القرارات التي يتخذها هو، والتي تحسم النتيجة في الوقت الحي للمباراة وجوبا، إذ تعتبر نتيجة صافرة النهاية نهائية، غير قابلة للتغيير بالطعن أو الاستئناف أو النقض.. بل تبقى النتيجة معتمدة معتبرة حتى لو أظهرت التسجيلات البعدية تدخلات عمدية عنيفة أو ممنوعة أو تمويهية خارجة عن إطار اللعبة،، بحجة أن الحكم لم يرها، ولا اطلع عليها أثناء اللعب، لتبقى غاية مطمح تحقيق العدالة هو "عقاب" الحكم أو اللاعب الذي قام بـ"الممنوع".. ولا يُعلم ماذا سيستفيد من ارتُكب في حقه الخطأ أو الغش أو التحايل أو الشطط أو التدليس أو الصفقة، من عقاب الحكم،، وقد خسر الجائزة،، وباء بوزر الخسران كله؟؟!!!.. فمن خسر الملايين فقد خسر، ولا مجال لإحقاق الحق بتمكين ذوي الحقوق،، ولو حرموا منها مع سبق قصد ونية وإصرار وترصد، ثابت بالأدلة القطعية!!!..
ولا يهم اللعب(وإن كان "اللعب" بالملايير ليس لعبا)، لكن الأهم هو إسقاط الواقع على "الجد" حيث رُسخت قاعدة "العدالة اللحظية" المحمية بالغفلة!!!.. فحصيلة "الحضارة" الغربية، إضافة إلى ذلك، وإلى عبقرية وفذوذ ونبوغ "الفيتو"، يظهر شرف "جِدها" من نبل "لعبها"،، هما صورتان لبعضهما، أو وجهان لنفس العملة..
ومروق الغرب لا يحيط بصلفه مجال، ومن أوجهه سيطرة الانتهازية والانتقائية على أغلب تعاملاته مع الشعوب المستضعفة، كما هو الحال مع المهاجرين مثلا، حيث أن المهاجرين إلى دياره منبوذون، ما لم يكن يجني من ورائهم الملايين في الرياضة أو البحث العلمي أو أي ميدان إنتاجي آخر... وتعتبر انتصاراته الرياضية من أوضح المؤشرات، لأن الفوز يحسب رسميا للدولة المعنية، مع أنه، واقعيا، حققه من يمكن أن يوصفون بـ"المرتزقة العابرين للقارات"، أو "القبعات الزرق".. أي أن الفوز يُهدى لمن لا يملك،، ولا يستحق..