هل هي بداية انفراط عقد التحالف الحكومي ؟‏

هل هي بداية انفراط عقد التحالف الحكومي ؟‏

بوشتى بوزيان

 

لعل التصدع الحالي الذي تشهده الأغلبية المكونة لحكومة بنكيران  يبقى العنوان البارز الذي يحيلنا إلى غياب مقاربة تدبيرية مبنية على الانسجام و التخطيط المشترك بين مكوناتها المشكلة من أحزاب متباعدة في مرجعياتها الفكرية و في طريقة اشتغالها من أجل تنفيذ برنامجها الأغلبي  وفق الوعود الانتخابية التي تقدمت بها للكثلة الناخبة إبان استحقاقات 25 دجنبر 2011 . فهل ستكتفي الحكومة بنشر لوائح المستفيدين من مأذونيات النقل و مقالع الرمال و تهدد بنشر لوائح المستفيدين من الصيد في أعالي البحار و المستفيدين من الريع النقابي و ما شابه ؟ و هل هذا الفعل الإجرائي الذي يعد عملا عاديا ،من حكومة انبثقت عمليا من ثنايا الدستور الجديد بصلاحياته الواسعة لصالح رئيس الحكومة، يحتاج إلى كل هاته الهالة المصحوبة بالتضخيم الإعلامي ؟ و هلا امتلكت الحكومة الشجاعة الفعلية ،وليست الإعلامية ،للتعامل المؤسساتي مع ملف الفساد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي يجثم بثقله على أنفاس إرادة التغيير لدى الشعب ؟ بل و مادا استفاد هذا الشعب من كل هدا إلى حدود كتابة هذه السطور؟ و هل ستنتظر الحكومة إلى حين حدوث انفلات اجتماعي خطير - لا قدّر الله- لكي تعلن عن رزنانة من الإجراءات و التدابير المستعجلة لتطويق الأزمة بعد استفحالها و ملامسة تبعاتها لكل الشرائح الاجتماعية المعدومة ؟

إن الوضعية الاجتماعية الشاذة التي أصبحت تعيش على إيقاعها و تكتوي بنيران تبعاتها و ويلاتها الجماهير المغربية عموما و الطبقة العاملة بشكل خاص في ظل التصادم بين مكونات الأغلبية الحكومية و تبادل رسائل مشفرة بين أحزابها من جهة و أمام الغموض الذي يلفّ عملية إجراء الانتخابات المهنية و الجماعات الترابية و تجديد مجلس المستشارين من جهة أخرى ، لتدعو الجميع من أحزاب و نقابات و مجتمع مدني و رجال الفكر والاقتصاد إلى ارتداء بذلة المصلحة العامة و ما تقتضيه من جرأة أدبية و أخلاقية و سياسية لإعادة ترتيب الأولويات التي تتطلبها المرحلة الراهنة و تحديد برامج واضحة الأهداف و الإستهداف و محددة في الزمن لفائدة النهوض بأوضاع الشرائح الاجتماعية التي تشكل السواد الأعظم للساكنة ضمن مقاربة مؤسسية مؤطرة بحقوق و التزامات قانونية تروم إقامة توازن بين الفئات الاجتماعية و عدم التمييز و مقاربة النوع و حماية الطبقة العاملة و ضمان حقوقها المشروعة و تلبية انتظاراتها و الاستجابة لمطالبها العادلة .

لقد بات واضحا أن تعليق الفشل الحكومي في تحقيق الوعود الانتخابية على مشجب الأزمة الاقتصادية وعلى وجود التماسيح و العفاريت على غرار تيمة مطاردة الساحرات ، قد لا يجدي نفعا و لا يملأ ضرعا و أن سياسة رسم الأمل لدى الفئات المستضعفة دون تقديم الدلائل الملموسة على إصلاح أوضاعها و الإجابة عن أسئلتها الآنية و الملحة ليعتبر نوعا من الانتحار السياسي التلقائي و اجترارا لأزمة طال أمدها بل تشعبت مسالكها.

 و علاقة بما سبق ، و في تقييم شمولي للعمل الحكومي بشكل عام ، فإن الإصلاح العميق مازال يراوح مكانه انطلاقا من عدة زوايا حيث لا تكفي الأجوبة الشفوية للوزراء لتغيير الوقائع أو نفي الواقع المعاش للطبقات الشعبية التواقة إلى التحرر من الجهل و التخلف و الفقر المدقع الذي فرضته مقاربات و مناهج و  طرق تدبير الشأن العام الوطني منذ فجر الاستقلال لا سيما أمام استفحال آفة البطالة و اتساع رقعتها لتشمل الأطر العليا التي عطلتها السياسات الارتجالية للحكومات السابقة و تعمقت مع تنكر حكومة بنكيران لالتزامات حكومة سلفه بتشغيل مجموعة محضر 30 يوليوز إضافة إلى  ضرب مكتسبات الطبقة المتوسطة التي كانت دوما صمام أمان اجتماعي و ثقافي و رافعة لا محيد عنها في تطوير الديمقراطية و تنمية البلاد إضافة إلى نهج مقاربة أمنية معتمدة على الهاجس الأمني بدل لغة الحوار في التعاطي مع الحركات الاحتجاجية السلمية و المظاهرات ذات المطالب الاجتماعية الصرفة و كذا استمرار الاعتقالات في حق ناشطي حركة 20 فبراير التي كان لها الفضل في اتخاذ المغرب لإجراءات استباقية جنبته من الانزلاق إلى المجهول ...

و في نفس السياق، فإن قطاع التعليم الذي يشكل أحد أهم لبنات التقدم و إحدى دعامات التنمية البشرية بات يتطلب إصلاحا مستعجلا و مرتبطا بمحيطه السوسيو-اقتصادي من خلال  فك الارتباط مع المناهج المستلبة للإرث الثقافي المغربي و إشراك المهنيين و أصحاب الاختصاص في صياغة منظومته حتى يكون مفيدا و منتجا من جهة و مسايرا للتطور العلمي و للثورة التكنولوجية المتجددة باستمرار.

و إذ نؤكّد على أن حل الإشكالات الجوهرية للمالية العمومية لا تبنى على اتخاذ حلول تستهدف الطبقة العاملة أو الفئة المتقاعدة من خلال ما تعتزم الحكومة اتخاذه و تمريره من اختيارات بهذا الصدد بشان موضوع إصلاح أنظمة التقاعد و لا في الزيادات المتتابعة في أسعار بعض السلع أو الخدمات بل باعتماد مقاربة جديدة للتنمية الاقتصادية تكون مبنية على الحكامة الجيدة لا سيما على مستوى صندوق المقاصة و القطاع غير المهيكل و مراجعة أنظمة التعاون و التعاضد و التضامن و المساعدة  إضافة إلى تطوير المجال الصحي و الضمان الاجتماعي و سن سياسة سكنية تراعي المستوى الاجتماعي للساكنة  من خلال برامج حماية اجتماعية متوازنة و ملامسة لمصالح الفئات المستضعفة التي تشكل الأغلبية العددية من سكان المغرب للأسف ...

إن السياسات الترقيعية للحكومة في تعاطيها مع الملفات الكبرى و خصوصا الاجتماعية منها كالتشغيل و التعليم و الصحة و السكن و عدم اتخاذها للخطوات القمينة بإعادة التوازن بين مختلف شرائح المجتمع من خلال التوزيع العادل للثروات  و إحقاق عدالة اجتماعية منصفة حيت يتحكّم الرأس مال في المجال السياسي و يطغى الاقتصادي على الاجتماعي في ظل توافقات هشة و ذات طبيعة ظرفية بين مختلف الفرقاء ، سيعيد إنتاج نفس الأسباب التي عجلت بتشكّل التفاوتات الطبقية و كرست تحكم أقلية في خيرات البلاد .

و إن سجلنا مؤخرا بإيجابية إحالة 11 ملفا من ملفات الميداوي على التحقيق القضائي و التي تحوم حولها شبهات فساد و اختلالات مالية تقّدّر بالملايير ، فإنّ سلبيات عديدة ستلتصق بالحكومة كرفضها  فرض ضريبة على الأغنياء تحت مبررات مخالفة لمقتضيات القانون حيت المساواة في الحقوق و الواجبات بين جميع أفراد المجتمع إضافة إلى استمرارها في غضّ الطرف على ملفات الفساد داخل الجماعات الترابية  و عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لتنقيح الإدارات و المؤسسات من الموظفين الأشباح و عدم قدرتها على استرداد الأموال المنهوبة داخليا أو المهجّرة إلى البنوك الأجنبية رغم التقارير الدولية التي تصنف المغرب في الرتبة 45 ناهيك عن تجاهلها للمطالب المنادية بإعادة النظر في منظومة الأجور حيت يتجسّد الحيف الاجتماعي في أبشع صوره و يلبس الاستغلال الطبقي أبهى حلله في الوقت الذي تستهدف فيه الطبقة العاملة في قوتها اليومي و تنتهك كرامة المعطلين الدين ينتصبون أمام البرلمان صباح مساء للتذكير بحقهم الدستوري في شغل يصون آدميتهم و يدمجهم في الدورة السوسيو-اقتصادية ناهيك عن استفحال الجرائم التي وصلت حتى عتبات المؤسسات التعليمية ...

و أخيرا لا بد من التذكير بأنّ المغرب غنيّ بموارده البشرية و الطبيعية و متميّز بموقعه الجغرافي الإستراتيجي وبإرثه الحضاري التنوعي و  بتاريخه الحافل بالأمجاد و البطولات التي صنعها رجال هم أحياء عند ربهم يرزقون ،كما نذكّر بأنّ القوانين مهما بلغت قيمة سموّها فهي في نهاية المطاف مجرد حبر على ورق يحتاج تقعيدها وأجرءتها ، بالشكل الذي يكفل التوازن بين مختلف الفئات المشكلة للفسيفساء الاجتماعي ، إلى إرادة حقيقية تستنهض الضمائر الحية و ترد الاعتبار للأخلاق التي التهمتها المصالح الخاصة و تستحضر المصلحة العامة بعيدا عن الأنا الفئوية الضيقة و الحسابات الفانية : لذا على الحكومة أن تلجأ إلى صلاحياتها الدستورية لتدبير دواليب الشأن العام الوطني لما فيه خير العباد و استقرار البلاد كما على المواطن أن يخترق جدار الصمت من خلال تحمل مسؤوليته كاملة و استماتته في رفض كل أشكال الاستغلال و الفساد و الاستبداد ..

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات