الصراع بين التنمية و البيئة في بلاد المغرب
محمد بونوار
موضوع البيئة في المغرب موضوع كبير جدا ، وله معطيات متشابكة ومتعددة ، وموضوع التنمية يبقى هو الموضوع الأكثر تداولا على مدار السنة وبدون منازع ، ولا تخلو مساحة اٍعلامية ، أو تقرير حكومي ، أو برنامج حزبي ، أو سياسة وطنية ، أو خطاب رسمي من كلمة التنمية .
وعلاقة التنمية بالبيئة ، علاقة جدلية ، وعلاقة متزامنة ، وصراع أزلي لا محيد عنه .
الماء يأتي في مقدمة المكونات للبيئة الطبيعية وحينما نقول الماء فهو يشمل ماء البحر، يعني – المحيط الاطلسي ، والبحر الابيض المتوسط ، وماء السدود والتي يصل عددها الى 140 سد ، والانهاروالتي يفوق عددها 40 نهر، وهناك مياه البحيرات والمروج ، والمياه الجوفية ومياه الابار، ومياه العيون ، وأخيرا هناك الماء الصالح للشرب ، ومياه الصرف الصحي .
انطلاقا من هذه المعطيات والتي تصنف المغرب من أغنى الدول العربية في مادة الماء والتي تعطي نتائج مهمة سواء في مجال الانتاج الفلاحي ، أو في مجال توليد الكهرباء . قامت الحكومة المغربية بوضع سياسة الماء في برنامج المخطط الاخضر والذي أعطى أكله نسبيا ، حيث بلغ المغرب الاكتفاء الذاتي في الخضر واللحوم البيضاء والحمراء بجميع أنواعها . وهكذا ساهم المخطط الأخضر في تحويل الفلاحة الى محرك رئيسي في التنمية الاقتصادية .
هذه السياسة جعلت المغرب يتصدر موقعا متقدما حسب تقرير منظمة – جيرمان واتش الالمانية سنة 2017 – بخصوص الحفاظ على البيئة ، واٍدماج البعد البيئي في البرامج التنموية والمساهمة في حماية البيئة بشكل عام من خلال محطة نور للطاقة الشمسية جنوب المغرب ، والتي يمكن لها أن تؤمن نسبة 52 في المئة من حاجيات المغرب الكهربائية في حدود سنة 2030.
يحتل المغرب مكانة مرموقة في التصنيف العالمي حول البيئة العالمية وهكذا حسب مؤشر الاداء المناخي لسنة 2021 ، جاء المغرب في الرتبة الخامسة عالميا .
هذا التصنيف العالمي خول للمغرب المكانة الاولى افريقيا ، وذالك بفضل المساهمة على المستوى الدولي والتي تتماشى مع أهداف اتفاق باريس حول المناخ ، خاصة في الشق المتعلق بخفض الاحترار المناخي تحت أقل من 2 درجة مئوية ، بالاضافة الى الاستراتيجية الوطنية للطاقة خاصة الطاقة المتجددة والنظيفة .
الاكراهات البيئية في المغرب
الان جاء دور الاكراهات والتي هي كثيرة ومتعددة : حيث تقوم مثلا بعض الجماعات القروية والحضرية بعملية طمر النفايات تحت الارض خاصة في بعض البوادي والقرى ، حيث يتم كب النفايات في مقالع تحت الارض بدون دراسة وبدون وعي بيئي ، وهو الامر الذي يمكن ان يتسبب في تلوث بيئي على مستوى الارض ، وتسمم على مستوى المياه الجوفية في الاراضي المجاورة .
النقطة الثانية في الاكراهات وهي عملية حرق النفايات مع العلم أن عدد الجماعات القروية يصل الى 1500 جماعة قروية ، وغالبيتة هذه الجماعات لا تتوفر على ميزانية قارة لانشاء مطارح للنفايات بمواصفات تحترم البئية ، وهو الامر الذي يدفع جل الجماعات القروية الى التخلص من النفايات بحرقها في مكان ما ، وهناك في بعض الحالات تتقاسم جماعات قروية عدة نفس المكان ، وهذه العملية تمر أمام السلطات في واضحة النهار ، هنا وجب التذكير أن الجماعت القروية تابعة لوزارة الداخلية ، نفس النهج تتخذه كبريات المدن الصناعية وغير الصناعية أيضا ، والمفارقة الكبيرة التي يجب التفكير فيها بجدية هو ان بعض المواطنين يقطنون غير بعيد عن هذه المطارح العشوائية ، والتي لا تحترم قانون البيئة ، ولا تراعي صحة التجمعات السكنية والتي تعاني من الامراض الجلدية والتنفسية وتعكر حياتهم اليومية من خلال الروائح الكريهة المنبعثة من الازبال ومن تواجد الناموس والذباب ، وغيره من الحشرات والقوارض ، علاوة على طعم الماء والذي يتغير تلقائيا جراء عصارة الازبال التي تلتقي مع المياه الجوفية تحت الارض . للتذكيروالتأمل ، جميع الشركات التي تقوم بجمع النفايات في المغرب هي أجنبية تقريبا ، ولا تحترم بنود دفتر التحملات .
النقطة الثالثة في الاكراهات ، والتي تجسد الصراع المباشر بين التنمية والبيئة ، والتي تتجلى في صب مادة المرجان المستخرجة من عصير الزينون في الأودية والانهار وهو ما يسبب خسائر فادحة للأسماك النهرية والحيوانات التي تشرب من مياه الانهار ، علاوة على بعض الشركات الصناعية التي ترمي بالزيوت والمواد السامة في مجرى الانهار ، أمام أعين الشرطة المائية ، وهنا نسجل دور وزارة الصناعة والتي تبتغي التنمية من جهة ، وتساهم في التلوث من جهة أخرى .
هذه الخروقات تكبد الدولة المغربية خسائر كبيرة على مستوى علاج الاضرار التي يسببها الثلوث على مستوى الارض والهواء و الماء والانسان والحيوان أيضا ، وقبل الاضرار لابد من تخصيص تحفيزات مادية كبيرة تتحملها الدولة على مستوى الدراسات والابحاث للخروج من الثلوث الذي يقلق كثير من سكان الاحياء المتضررة والتي تحارب الناموس وما يدور في فلكه ، وتقاوم الامراض التي تصيب اطفالهم وتحرمهم من حياة كريمة .
بين التنمية و البيئة يوجد الانسان
منذ أن خلق الله الارض ومن عليها ، والانسان يبحث عن الرفاهية والعيش الكريم ، فهل يعقل مثلا أمام هذه الثرواث المائية الهائلة ، وأمام هذا العدد الهائل من السدود أن نجد اليوم سكان مناطق عديدة لازالت تعاني من نقص في مادة المياه الصالحة للشرب ، لا داعيا للدخول في التفاصيل ، لأنه تارة يكون الاستنزاف الناجم عن فلاحة – تنموية – تستهدف المياه الجوفية ، وتارة تكون من شح التساقطات المطرية : منطقة زاكورة مثلا ، وتارة أخرى من سوء التسيير والتدبير : وهنا بالحجج والدلاءل ، أعطي أمثلة بالتجمعات السكنية الواقعة قرب سد الوحدة ، وأخرى قرب سد سيدي محمد بن عبد الله ، وغير بعيدة عن الرباط العاصمة تعاني هذه التجمعات السكنية مجتمعة الأمرين مع مشكل الماء الصالح للشرب .
خلاصة نهائية
جميع البرامج لا تستبعد التنمية من سياستها ، لكن هذه التنمية تجعلنا نصطدم بمشكلة الماء والكهرباء ، كما تجرنا الى مشكل كبير اسمه النفايات وكيفية التخلص منها .
ادارة النفايات بكل انواعها بما فيها نفايات مخلفات البناء وزيوت المعامل تعتبر من أكبر مشاكل الساعة بالمغرب وذالك لاسباب كثيرة حيث يعرف المغرب حركة سوسيو اجتماعية في ارتفاع مستمر ، وهناك تمويل مادي لا يتناسب مع الضروريات الاولية سواء في العالم القروي أو الحضري ، ثم تداخل المسؤوليات بين الوزارت والوكالات والهيئات ، ثم تدفق الاهتمام بالتنمية دون مراعاة للبيئة ، ولا الابحاث العلمية ، وأخيرا انعدام الوعي الوطني الخاص بالبيئة ومدى الفائدة من تواجد بيئة سليمة على الانسان والحيوان والارض .
النقطة الاخيرة في هذا المقال هو أن المغرب يزخر بالمحميات الحيوانية والبحيرات المائية و الشلالات والعيون والمنتزهات الجولوجية والحدائق الوطنية والمواقع الاثرية والعيون المعدنية و... لكن لا توجد سياسة واضحة بخصوص مد المناطق المتضررة بالماء الصالح للشرب على طول السنة ، ولا توجد أيضا تهيئة هذه المجالات بالكراسي وألعاب الاطفال وموقف السيارات وحاويات الازبال والمرافق الصحية الضرورية كالمراحيض وأماكن الاستراحة والاستجمام .
الحلول المرتقبة
في بحر الاسبوع الماضي تقدم الرئيس الالماني السيد فرانك شناين مايير بدعوة الى العاهل المغربي محمد السادس لزيارة دولة ألمانيا لفتح صفحة جديدة من خلال تبادل الاراء حول قضايا الساعة مع امكانية عقد اتفاقيات ثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين ، وهنا أريد أن أرفع الى علم الجميع أن ألمانيا تعتبردولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة ، وحينما نقول المتجددة فهي الطاقة التي تتجدد كل يوم مثل – الشمس والماء والرياح – علاوة على التقدم الذي وصلت اليه ألمانيا في تدوير النفايات العضوية حيث تحتل الرتبة الاولى عالميا بدون منازع . وهي فرصة كبيرة وذهبية أن يستعين المغرب بتجربة ألمانيا في هذا المجال .
بالنسبة للماء الصالح للشرب لابد من وضع برنامج وطني عاجل لتوصيل الماء الصالح للشرب الى جميع المواطنين أينما كانوا سواء في الجبال ، أو في السهول مهما كان الثمن .