مغزى الحدث ورسالة ريان

مغزى الحدث ورسالة ريان

مولاي علي الإدريسي

لاشيء أدل على نزوع البشر إلى قيمهم الروحية الفاضلة والطبيعية، كالإنسانية والتراحم والأخوة والتآزر وغيرها، إلا ملايين مشاهد التضامن مع الطفل ريان، وتواصلهم المستمر بكل الطرق وعلى حساب عملهم ووقتهم وشؤونهم الخاصة والعامة. هبّ الصغار والكبار، والنساء والرجال، والشيوخ والشباب، هبّوا بكل ما يملكون لنصرة طفل يقبع في بئر عميق مدة خمسة أيام. وما كان لهم إلا ذرف دموع الحزن والحسرة على عدم قدرتهم إنقاذه، اللهم فرق النجاة المترابطة حوله. الكل يعبر عن مدى استعداده للتضحية رغبة في إخراج ريان من قعر البئر العميق. ولاستحالة ذلك، فغر الجميع أفواههم التي لا تنقطع عن دعاء رب العباد لحفظه واللطف به واسترسلت عيونهم النظر إزاء مكان قبوع الطفل، رقراقة وفياضة بالدموع؛ وهو الطفل البريء الذي رفع عنه القلم، والطاهر من الخطايا والذنوب، والبريء من الصغائر والكبائر..
إن ريان سبب في بعث الإنسانية الحقة في قلوب وأفعال الناس مهما اختلفت لغاتهم وأجناسهم، وعقائدهم ومللهم، وأقطارهم. ربط بين الداني والقصي، وجمع بين الإخوة الأشقاء وبين الأشقاء الأعداء، وبين مختلف الأجناس وشرائح المجتمع الدولي. كل عيون العالم منصبة حول قعر البئر الذي يجثم فيه ريان فاقد قواه، ينتظر أيادي الرحمة والغوث. هذه الأخيرة مافتئت تسابق الزمن للوصول إليه. سخّرت كل ما عندها من آلات ووسائل تقنية وعلمية بسيطة ومتطورة. عملت على إنقاذ ريان مستحضرة الحفاظ على حياته  وحياة المنقذين، فاحتاطت واحترزت، وطال معها الزمن إلى حين استنفاذ الطفل كل جهده في مقاومة الموت التام إلا أن أعضاءه تموت واحدة واحدة إلى أن حلت المنية بجزئه العلوي،  قاوم كل الوهن والموت فأرسل للعالم نظرته الأخيرة البريئة، ورفع يده ملوحا لكل الناس بتحية شكر وتقدير وامتنان على كل المجهودات المبذولة لأجله. رفع يده للأعلى ورف طرفه ورمش بعينيه كرسالة وداع وفراق حقيقي. قال بلغة الإشارات: أحبكم جميعا، وأشكركم على إنسانيتكم، وتآزركم، ورغم عدم قدرتكم على إنقاذي من الموت فأنا بين يدي الله الطيبتين، والملائكة تحف بي ضاحكة مستبشرة، تنتظر مرافقتي إلى الجنة حيث سألعب وأعيش مع كل الأطفال الذين قضوا نحبهم مثلي أو بأية طريقة. نعم ها أنا أراهم وينادونني باسمي كما لو كانوا يعرفونني منذ زمان: أسمعهم: "ها هو ريان أتى فيا مرحبا!"  عندهم كل الألعاب مما لم أتصوره في مخيلتي، وليس هناك أي خطر للسقوط في بئر أو برد قارس أو صوت المدافع أو اغتصاب أو إهمال للأطفال أو، شيء من هذا القبيل... هناك أطفال مغاربة وجزائريين وليبيين وسوريين وعراقيين ويمنيين وفلسطينيين ونصارى ويهود...، الكل هناك سواسية يلعبون وينعمون ولا يقنطون..
إلى اللقاء والدي وإخوتي، لا تكترثون  بمصيري؛ فأنا مع الله وفي جنته الفيحاء الجميلة جدا، وفي أحسن الأحوال، إلى اللقاء كل أطفال العالم فمن توفي منكم طفلا فقد أسعده الله في جنته هذه التي أستعجلها الآن. ومن كبر منكم فليكن إنسانا قبل كل شيء طول حياته. إلى اللقاء كل العالم الذي تضامن معي لا تدعوا إنسانيتكم تموت بموتي فهناك آلاف الأطفال يموتون يوميا في كل مكان وفي أشد وأقسى الظروف. فلتتحلوا في كل لحظة وحين بإنسانيتكم، واجعلوها بينكم، وأوقفوا العداوة والبغضاء والحروب وحافظوا على أطفالكم. لا تميّزوا بينهم فكروا في أطفال الفقراء والمساكين في كل لحظة تلعبون مع أطفالكم وتنعمون معهم بما لذ وطاب. لا تنتظروا مصائبهم لتتأسوا بهم وتمتحنوا إنسانيتكم.
إلى اللقاء لمن انبعث ضميره وشعر بالحزن أو الأسى اتجاهي، فأنتم رحماء بعطفكم وتآخيكم كما الله رحمان رحيم.لقاؤنا الجنة.

 

محبتي لكم جميعا دون استثناء، وأعذروني على ما لم أقله لكم فأنا طفل صغير. واسمحوا لي سأترككم فأصدقائي وإخواني ينادونني كي ألعب معهم في مكان فيه "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات