تنبيه الغافلين من السائحين
مصطفى المسناوي
من الأمور غير المفهومة في عهد الحكومة الحالية تقاعس وزارة السياحة عن مواصلة المهمة النبيلة التي سنـّتها وزارات السياحة في الحكومات السابقة لنفسها حين
وضعت هدفا محددا أمامها هو الوصول إلى 10 ملايين سائح؛ حيث يتم التزام الصمت بخصوص هذا الأمر، إلى درجة لم يعد أحد يعرف معها هل وصلنا إلى العدد المذكور أم لا؟ وبالتالي لا يعرف أحد هل يتعين تطوير الهدف ليصبح 20 مليون سائح أم ينبغي إلغاؤه نهائيا والاكتفاء بما «جاب الله»؟
يضاف إلى ذلك ما سجله بعض الملاحظين من أن الوزارة المعنية لم تعد تقوم بمهامها المطلوبة تجاه السياح قبل أن يولوا وجوههم صوب بلادنا في رحلات جماعية أو عبر «الكارافانات» التي يبدو أنها صارت الوسيلة المفضلة لدى العجزة الأوربيين لإكمال تقاعد زهيد الكلفة في بلادنا. ومن ذلك أن الوزارة لا تزودهم بالنصائح الضرورية التي تساعدهم على التكيف مع طرق العيش في بلادنا، وهو أمر لا يمكنه إلا أن يؤثر سلبا على صورة «أجمل بلد في العالم».
على رأس النصائح التي يتعين تزويد السواح بها ألا يتحدثوا عبر هواتفهم المحمولة في الشارع العام، لكيلا «يطير» بها خرّيجو «مدرسة النجاح» الإعدادية على دراجاتهم فائقة السرعة (التي تربطها علاقة قرابة بالقطار فائق السرعة، دون شك) ويتركوا أيدي سواحنا المذهولين معلقة في الهواء؛ وألا يحملوا، وهم في الشارع، متعلقات شخصية أو غالية الثمن، يسهل الانقضاض عليها من قبل حفدة أبي جهل الذين يخرجون إلى الشوارع في واضحة النهار مدججين بالسيوف (بعد تعاطي ما تيسر من حبوب الهلوسة) لا يدركون هل يقفون على كوكب الأرض أم على سطح المريخ؛ كذلك يتعين توجيه النصيحة إلى السواح القادمين إلينا على متن السيارات أو «الكارافانات» بألا يتركوا أبواب عرباتهم مفتوحة لكيلا يصعد إليها «الشباب» عند الإشارات الضوئية دون استئذان، وألا يفتحوا نوافذها أثناء التوقف في شوارع المدن تحسبا لأن يمسك «أحد ما» أذنهم اليسرى بـ«بانس» ولا يطلقها إلا إذا أفرغ السيارة من كل ما «خفّ وزنه» وغلا ثمنه.
يتعين توجيه النصح إلى هؤلاء السياح بألا يتحركوا إلا جماعة، أن يتجنبوا، في الوقت الراهن، مدنا مثل فاس وطنجة وسلا والدار البيضاء، وأن ينتبهوا إلى سيرهم كيلا يقعوا في بالوعات استولى «حفدة حديدان» على أغطيتها؛ وألا يطمئنوا إلى الربط بالأنترنيت أو يثقوا في مواعيد قطاراتنا لأن كل ذلك صار عرضة لـ«اختفاء» «كابلات النحاس» (المعروفة لدى عموم الشعب بـ«الكويحة») في كل وقت وحين، ودون سابق إنذار. ويستحسن، بعد هذا وذاك، أن ندرج الأمر برمته ضمن نوع من التشويق الغرائبي الذي تحبل به أدغال أفريقيا، سواء أكانت هذه الأدغال من أشجار خضراء أم من غابات إسفلت.
طبعا، ليس من الضروري هنا الخوض في أسباب كل ذلك ومسبباته، وهل هي ترتبط بالأمية والجهل، مع تفاحش الفوارق الاجتماعية وانعدام آفاق «التسلق الاجتماعي»، أم بـ«اتساع الخرق على الراتق»، أم بمجرد «غض طرف» يمارس أصحابه حربا انتقامية خفية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان «كما هي معترف بها دوليا»؛ ولكن المهم هو أن يستمتع سواحنا (في هذا الظرف المالي الدولي العصيب وما يصاحبه من «جفاف» في العملة الصعبة) بشمس بلادنا، وأن يسيحوا فيها (مثل الزبدة تحت شمس مراكش) دون أن يكدر صفوهم أحد.
أما بالنسبة إلينا، نحن «الأهالي» المكتوين بنار انعدام الأمن في معظم الفضاءات القابلة لأن يتحرك المرء فيها، من شوارع وساحات ومحلات تجارية وسواها، فليس من الضروري أن يهتم أحد بنا ويطمئننا أو يوجه إلينا نصائحه ما دامت أيدينا «في العصيدة» تماما وما دام بإمكاننا أن «نسيح» بدورنا، لكن داخل بيوتنا (أو «دواخلنا»، كما قد يقول الشعراء)، بعد إحكام إغلاق النوافذ والأبواب، ونجلس على أمل زمن أفضل.