اتفاق 14 يناير : أسئلة لا بد منها
سعيد صابر
بعد هدوء موجة التعليقات و الغضب على اتفاق 14 يناير الذي وقعته الحكومة في شخص وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة و فوزي لقجع ممثل وزارة المالية و النقابات الأكثر تمثيلية بحضور رئيس الحكومة و الذي قيل عنه- و العهدة على من قالها- بأنه اتفاق تاريخي سيغير من حال موظفي التعليم خاصة أولئك المحرومين من خارج السلم في الإبتدائي و الإعدادي و توحيد جميع الأساتذة في مسار مهني موحد و القطع مع ما يسمى بالأساتذة المتعاقدين أو أطر الأكاديمية.
تناسلت الأخبار من هنا و هناك ، منها ما يثمن هذا الاتفاق و منها من ينتقده و يعتبره رجوعا إلى الوراء و ضرب لمكتسبات رجال و نساء التعليم.
لن أدخل في جدال من هو الأحق في قوله، و لكن دائما أقول إن الأسئلة المباشرة و البسيطة البعيدة عن لغة الخشب هي الأصعب إجابة و الأكثر إحراجا. لذا سيكون هذا المقال عبارة عن تساؤلات بسيطة تحتاج إلى أجوبة واضحة لا تحتمل التأويلات المتعددة ، لأن في التفاصيل يكمن الشيطان كما يقول المثل. و الاتفاق هو عبارة عن خارطة طريق فقط ،و الخطوط العريضة فيه لا زالت قيد التمحيص كما جاء على لسان بعض المتدخلين . و لنبدأ على بركة الله .
يقال أن الإتفاق هو شيك على بياض من طرف النقابات للحكومة ، و الدليل أن النظام الأساسي- بعيدا عن النقط العامة التي قرأها الجميع و تم تداولها- و التي تبدو من ظاهرها أنها قد حملت معها مكاسب عديدة لرجال و نساء التعليم ، إلا أن البعض قال أن المرسوم الذي سيوجد الجميع داخل نظام وحيد لا يزال بعيدا عن الاتفاق التام ، و أن خطوطه العريضة سيتم تداولها و المصاقة عليها في الشهور القادمة, و إذا كان هذا الأمر حقيقة و هو كذلك على مايبدو فإن الأتفاق فعلا شيك على بياض إذ كيف يعقل أن يوقع شخص على أمرما و هو لم يحسم بعد في الطريقة التي سيحل بها النقاط الخلافية ، و هي عديدة ,و لنفترض مثلا أن الحكومة و النقابات - في خضم النقاش- لم يتفقوا على بعض من هذه النقط ، هل سنعود إلى نقطة الصفر مثلا؟ و لنعط مثالا حيا على هذا الأمر: معضلة مديري التعليم بالإسناد و مشكلة ترقيهم إلى متصرف تربوي التي ليست ببعيدة عنا، و هاهو شهر فبراير قد حلً علينا بإطلالته البهية و لاشيء يلوح في الأفق أن ترقيتهم قريبة خصوصا أن لوائحهم لم يتم الحسم فيها لحد الآن، و الأمر الذي يثير الشك و الريبة أيضا هو كيف ستتمكن الحكومة من توفير السيولة المالية اللازمة لتفعيل هذا الإتفاق , و أبواب الميزانية السنوية للدولة معروفة لدى الجميع إلا إذا تغافلنا عن هذا الأمر و قلنا: لنتفاءل خيرا.
السؤال الثاني هو : ماصحة التسريبات حول النظام الأساسي الجديد الموحد؟ الجميع يدلو بدلوه و يشرح مضامين الإتفاق و الإيجابيات التي ستهل على الموظفين بعد أن اعطتهم الحكومة الدرجة الممتازة و خارح السلم ، لكن التفكير التآمري لا يتركنا نلحظ فقط الجانب الممتلئ من الكأس ،بل الكأس الفارغ أيضا، لأن ليس المهم النية و التهليل لهذا الأتفاق التاريخي ، بل المهم ان نتساءل السؤال البسيط:
" بأي طريقة سيتم ذلك و ماهو الثمن الذي سندفعه مقابل كل هذا الكرم الحكومي؟"
الأمر ليس بريئا البتة و الحكومة لابد أن لها توازناتها الميكرو و الماكرو اقتصادية، و لا يمكن أن تعطي شيئا دون مقابل , هذا الأمر ليس حكرا على الحكومة المغربية ، بل كل حكومات العالم إذا أعطت شيئا لا بد أن تاخد مقابلا له, و ما تعطيه من اليمين تسترده من اليسار، و لعل ما تسرب من اقتراحات حول إصلاح صناديق التقاعد مؤخرا ما يغنينا عن الذهاب بعيدا ، و سوف يبدد بعض من الشكوك و الضبابية التي تحوم حول الاتفاق التاريخي, و الذي إذا كان صحيحا فإن هذه الزيادات لن تفيد الأساتذة في شيء بعد التقاعد لأن لا أحد سيستفيد منها إلا الذين سيتقاعدون في السنتين القادمتين أو الذين اقتربوا من سن التقاعد ، وللزيادة في سوء النية " الله يعفو علينا منها" هم قيادات النقابات الذين غالبيتهم اقتربوا من الستين، و لأن نظرية المؤامرة هي ما تجد آذانا صاغية ، فإننا أيضا فعلنا هذه الخاصية "سوء النية" لأننا لسنا الركراكي ،خصوصا أن غالبية الموظفين لدغوا من قبل من طرف النقابات و تملصات الحكومة. و من لدغ من الحية يخاف من الحبل. و يصدق هنا المثل المصري القائل " حرص و ماتخونش".
العجيب في هذا الأمر و الذي أستغربه دائما، وأعني به إصلاح التقاعد، الذي لايمكن ان يكون حكرا على قطاع التعليم وحده ، لأنه إصلاح يشمل جميع القطاعات ، هو سكوت بقية القطاعات عن هذا الأمر وكأنه لا يعنيهم ، لماذا موظفو القطاعات الأخرى لا يقولون شيئا رغم أنه سيشملهم أيضا؟ هل لأن الحكومة قد وافقت على الزيادات في أجورهم ؟ "الصحة ، الشرطة و الأساتذة الجامعيين كمثال" هل لاعتقادهم ان لاشيء سيمسهم او سيمس امتيازاتهم الحالية في المستقبل؟....
الأمر الأكيد أن الحكومة كما هو الأمر بالنسبة للحكومة السابقة التي بدأت إصلاح صناديق التقاعد تعلم علم اليقين أن قطاع التعليم هو القطاع الذي يضم غالبية الموظفين، و إذا سكت العاملون فيه على هذا الإصلاح و تركوه يمر دون مقاومة ، فإن البقية ستصمت أيضا و سيمرر القانون كما مرر في عهد حكومة العدالة و التنمية.
الأمر الثالث ، أو السؤال الثالث الذي يجعل الناس مرتابين من هذا الاتفاق ، هو التكتم الشديد الذي يحيط بمضامينه، لماذا النقابات لا ترجع إلى قواعدها لتشرح لهم مضامين النظام الجديد، و تزيل عنهم اللبس الذي هم ساقطين فيه؟ هذا إذا سلمنا أنه لا زالت هناك قواعد للنقابات في ظل التنامي الكبير للتنسيقيات .
هل لأنهم هم أنفسهم لا زالوا لم بقفوا على التصور العام لهذا النظام؟ ثم من هم الضحايا الجدد له؟ و لا شك أن أحد هذه الفئات هم المتصرفون التربويون في مراكز التكوين لهده السنة , و الدليل هو وقفاتهم الحالية و مقاطعتهم للتكوين إلى حين وضوح الصورة لهم ، و الأكيد أنه إذا لم يتم حل معضلتهم ، فإن مسلك الإدارة التربوية ل يُغري أحدا العام المقبل.
الأمر الرابع: مشكل " أطر الأكاديمية " أو من يطلقون على أنفسهم " الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" ، لم يعد هناك فئة تسمى أطر الأكاديمية , ولكن في نفس الوقت ما الإسم الذي سيطلق عليها الآن؟ هل هو أطر الوزارة أيضا أم أن أطر الوزارة سيلحقون بالأكاديمية ما دمنا نتحدث عن الجهوية المسعة التي هي خيار استراتيجي؟، و هل المسار الموحد سيكون وطنيا أم جهويا؟ هذه بعض من الأسئلة التي يطرحها العاملون بالقطاع بكل فئاتهم، فهل هناك إطار يشرح لنا كل هذه الإشكالات أم أن لغة الخشب هي السائدة في هذا النطاق؟
النقطة الخامسة هي: لماذا التخلي عن مطلب الزيادة العامة في الأجور و الإكتفاء بمنحة التميز؟ و التي تجد في عبارة" ما لا يؤخذ كله لا يترك كله" مبررا للقبول بها, هذه المنحة التي اعتبرتها النقابات مكسبا بينما يراها العاملون في القطاع ستكون سببا في التفرقة بين العاملين في المؤسسات التعليمية، لأن الذي سيستفيد منها في الغالب المؤسسات الحضرية أو النموذجية التي تتوفر على الظروف الملائمة بينما ستحرم منها المدارس التي توجد في مناطق هشة. و الأكيد هو أيضا ستكون سببا في التقليص من حركية الأساتذة في الحركة الإنتقالية. فكيف سيسمح الأساتذة الذين اكتسبوا المنحة في مؤسسة ما لأنفسهم بالانتقال إلى مناطق أخرى و هم لا يعرفون إن كانت المؤسسات الجديدة سيكون فيها نفس الأمتيازات و نفس الطاقم؟ و يتركون مؤسساتهم الفائزة لأخرين قد ينتقلون إليها و يأخذوا المنحة و هم لم يشاركوا فيها بأي مجهود؟ هل سيسمحون للأخرين بالإستفادة من مجهوداتهم أم سيحصلون على المنحة وهم منتقلون إلى مؤسسات أخرى؟ من عنده الجواب فليخبرنا و جزاه الله خيرا.
+ الأسئلة الأخرى التي لابد منها كثيرة لكن سنذكر بعضها باقتضاب :
ماهو نصيب المتصرفين التربويين و المفتشين في هذا الإصلاح؟
ما مدى صحة التسريبات التي تقول أنها ستحدد مهام المتصرفين التربويين و المفتشين في ميدان التعليم"
هل الكوطا المخصصة للترقية إلى خارج السلم ستكون عامة تشمل جميع الأساتذة ما دمنا نتحدث عن نظام موحد ، أم كل فئة ستكون لها نسبة على حدة؟ الإبتدائي ، الإعدادي، الثانوي؟
ماذا ستفعل الوزارة لجعل الأساتذة ينجذبون إلى مسلك الإدارة التربوية في ظل ما تم تسريبه من إصلاح؟ ما مصير أطر الإدارة التربوية لهذا العام في ظل تلويحهم بالعودة إلى الأقسام إذا لم يتم الإستماع إلى مطالبهم؟....
هذه أسئلة قليلة من أخرى كثيرة نتمنى أن نجد لها تفسيرا واضحا بعيدا عن كل التأويلات الشخصية ، و لا بد أننا سنشهد شدا و جذبا في قطاع التعليم هذا الموسم ، فمن سيكون له الكلمة الفصل؟ لنترك الأيام تشرح لنا كل شيء.