العدل والإحسان وتعصب الداخل2
سعيد المودني
تابع..
أما الملاحظة الثانية فهي تتعلق بالالتزام والتزكية الفرديتين، ذلك أني لا أستسيغ "انفتاح" أفراد الجماعة(على مستوى المظهر والزي والتعامل بين الجنسين) المخل بالمقارنة مع ما قامت عليه الجماعة في بداياتها!!!.. فإذا ما أثار الموضوعَ أحدُهم لأحدهم، برر الناس ممارساتهم بداعي أنهم يعملون على الأهم، بما يتصدون للاستبداد!!!..
ولست أدري هل يستحيل أن تجمع بين الحسنييْن: حسنى ما تقوم به من مقارعة الاستبداد، ويتخلف عنه القاعدون. وحسنى الالتزام بما بدأتْ به(أصرّ: بدأتْ) من السعي لتَمثل الدين كاملا مكتملا، في كل أبعاده ومستوياته الفردية والجماعية، بما فيه تحقيق وفرض الهوية في الجوهر والمظهر؟؟ بل ما هو المانع "الموضوعي" من ذلك؟؟!!!.. وإلا فما عساه أن يميزها في سعيها هذا عن الحركات النضالية العلمانية؟؟!!!..
إن الأمر لا يتعلق بأفراد من المجتمع يُنتظر أن يتواجد فيه كل الأطياف وتتجسد فيه كل الحالات.. إنه يتعلق بتنظيم المفترض فيه الاجتهاد في الحرص على تفادي كل نقيصة، لأنه(التنظيم) جاء رديفا للواقع، بما يتغيى به من تربية وإصلاح وتميّز وتمييز بين "الحركي" و"المقلِّد"..
لكن الأنكى، وهو موضوع المقال، ليست مثل هذه المؤاخذات وما زاد عنها أو نقص.. فهذه ملاحظات موضوعاتية يمكن أن يوجد لها إطار تعالج فيه.. الطامة هي تلك "العصبية المتمكنة" التي تكاد تصبح منهجا. ذلك أنك كلما ذكرت ملاحظة أو نقيصة(مثل هاته أو أهم أو أتفه) تهم التنظيم إلا وانبرى إليك بعض القواعد يستنكرون عليك قولك، استياء من أي نقد يوجه إلى الجماعة، وهذا في أي نقاش، وعبر أية وسيطة، حتى أن الإنسان لا يمكنه أن يتفهم تصدي القوم لكل من انتقد حركة أو سكونا مما يفعله التنظيم أو يحجم عنه، مرة بحجة عدم أهلية الناقد. وأخرى بقعود هذا، وأن من يريد أن ينتقد يجب أن ينتمي ويعمل ويكابد. وثالثة بتعرض الناقد لجزئيات وسطحيات وشكليات لا تلامس ما يجب، مقابل شموخ مشروع الجماعة وضخامته. ورابعة بذريعة ما يتعرض له التنظيم من مضايقات وتهديدات...
وإنّا لنقرّ أن للتنظيمات إكراهات تكبلها، وتتكبد مسؤولياتِها وتبعاتها، وتستلزم الكثير من التفهم والصبر والحلم... لكن هذا لا يعطي أية مؤسسة الحق في مصادرة حق أي فرد في إبداء رأيه وممارسة واجبه في التوجيه والتوعية بما يراه، ما دام يقوم بذلك في حدود اللياقة واللباقة. لا تجوز المصادرة ولا الحجر على الناقد بحجة أن الشخص غير مؤهل، أو أنه هو نفسه لا يقوم بشيء غير التنظير والنقد..
إن التحفظ على تصدر الناس للتوجيه والنقد والنصح والتقييم وما شابه شيء مزعج، وإن الناس لتستغرب وتستنكر وتستهجن أي حجر عليها، ذلك أن تقييم أي شيء أو فعل ينطلق من مضمونه، وليس شرطا أن نقوم بمسح و"تنقيط" مكونات شخصية وحياة وتاريخ وموقع كل من انبرى لتقييم، بحيث لا نقبل منه شيئا إلا إذا كانت هذه المحددات المقيس حضورُها حاصلة على المعدل المرغوب، وفق السلم الذي حددناه ذاتيا لأنفسنا!!!.. بل الانتقاد يجب أن يُفحص ويمحص في ذاته، فإن كان في محله قُبل وعُمل على إصلاح الخطأ، وإن كان تحاملا رُفض، بغض النظر عمن قدمه..
إن المؤسسات تؤسس وحدات لافتحاصها داخليا، حتى تضمن الرقابة الداخلية الذاتية، والدول تكوّن تكتلات لمعارضتها، حتى تضمن التوازن اللازم،، وبعض الإخوان ينكرون المعارضة،،، وكأن الخطأ غير محتمل،،، وكأن الكل يجب أن يقول "العام زين"،، وهو ما ننكره -جميعا- على المخزن!!!..
إن المعركة، كما هو معلوم، هي معركة وعي، وأساسها عزل الظلّام المستبدين وأعوانهم، وتجريدهم من واقيتهم البعيدة، حاشية "العياشة" المشوشة.. ولا يتم هذا إلا من خلال التدافع في الساحة، واستغلال المتاح من وسائل نشر الوعي، على شراسة المعركة وحدة الاستقطاب.. والحال هذه، فإنه يمكن أن يقوم بهذا، ويتنافس فيه، كل من يمتلك الغيرة والجرأة والإمكانية، أينما كان موقعه.. بل قد يقوم بذلك -وهو واقع- غير المنتمي، المتحرر من قيود التنظيم وإكراهاته واستحقاقاته، المكمل لإخوانه في التنظيمات، والذين لا يمكن أن تقوم حركة تغييرية معتبرة إلا بتواجدهم طلائع ورؤوس حربة، وقيّمين على التنظيم والنظام،، كما ورد في جل الحركات التغييرية.. وتصرفات المنتمين والمتعاطفين وغيرهم من الفضلاء الذين لا يؤيدون الجماعة في كل رؤاها، هذه التصرفات ليست ضدية ينفي بعضها بعضا بالضرورة.. بل يمكن أن تكون متكاملة، بل هي كذلك،، ويجب أن تكون..
حري بنا ألا نمارس على بعضنا ما يمارس علينا من التخوين والتشكيك واحتكار الانتماء العام لروح المشروع، على الأقل في شق "العدل".. بل أولى بنا أن نبحث عن المشترك، ولا "نأملك" أنفسنا، ولا نشيطن من يتقاسم معنا جل ما نتبنى، فقط لأنه "عارضنا"،، والكل خطاء، والكمال لله وحده..
يجب تملّك قسط من الرحابة، واعتبار باقي الأحرار أيضا غيورين على المشروع، ومن أجل ذلك هم يلاحظون وينتقدون ويوجهون وينبهون إلى خصاص يعتري جانبا من عمل العاملين، أملا في تداركه.. ولا يتم التصويب إلا بالتوجيه، ولا يسلم كائن(طبيعي أو معنوي) من الهفوات والأخطاء والزلات..
إنه لا يضر ولا يضير التوجيه ولو في ما اعتُبر "جزئيات"، ما دامت صدقا وواقعا، وتصبو إلى "الكمال"، ومقدورا عليها بلا تكلف..
إن هذا الدين هو ديننا، وهذه الجماعة -وإن لم نلتزم بجلساتها- هي جماعتنا، وهذا المشروع -وإن لم نقم باللازم- هو مشروعنا، ونحن نؤمن به ونعمل عليه أقل من الكثير،، وأكثر من الكثير،، وكل من عارض الظلم والاستبداد -من منطلق شرعي- نؤيده لأنا نعتبر أن الإسلام الشامل هو الحل، وأن التكالب حاصل عليه، وأن الاستضعاف قائم بسببه،، فلا، وألف لا، للاحتكار..
انتهى..