زلزال الحوز : دروس مستقاة
سعيد صابر
فليرحم الله الشهداء و يشفي الجرحى الذين سقطوا ضحايا للزلزال الذي ضرب منطقة الحوز بالمغرب ، و رغم المصاب الجلل الذي لا زالت ندوبه غائرة في وجوه المغاربة ، لكن لا بد من بعد كل أمر أن نستخلص العبر و الدروس لعلنا نستفيد منها في المسقبل ، لذا سأركز على بعض الأمور التي استوقفتني في هذا الأمر و سأقسمها إلى أمور محمودة و أخرى سلبية نتمنى أن تختفي من مجتمعنا.
و سأستهل المقال بالأمور الإيجابية :
الدرس الأول: رغم حالة الهلع و الخوف التي انتابت الناس بعد حدوث الزلزال و خروجهم إلى الشوارع مرعوبين، إلا أنه بعد هدوء الأمر نسبيا ، شاهدنا كيف تواصل الناس مع بعضهم البعض في الهواتف ، و سؤالهم عن أحوال جيرانهم و أقاربهم خوفا من أن يكون قد أصابهم مكروه، بل إنه في تلك الليلة ، اختار الناس أن يناموا في الساحات مجتمعين و منهم من افترش الأرض و سهر الليل بطوله يتحدث مع أفراد حومته الذين لم يكن يعرف عنهم شيئا ، و كان الزلزال مناسبة للتعرف عليهم و بناء علاقات جديدة معهم و اكتشف الكثير أهمية الكلام مع الناس بدل مشاركتهم الإفتراضية في الفايسبوك أو الواتساب أو غيره من الوسائل ، لأنه لا شيء أهم من التواصل الجسدي. درس أتمنى أن نستفيد منهم من أجل تقوية أواصر القرابة بين الناس.
الدرس الثاني: كما حدث مع أزمة وباء كورونا، استحضر الجميع تفاهة هذه الدنيا و أننا مجرد عابرين ، و أننا أضعف مما نتصور ، لذا الكل شرع في التضرع إلى الله طالبا منه السلامة و داعيا إياه حفظ أحبته و أولاده و المسلمين من الموت الذي بدا قريبا أكثر مما قبل. صدمة ما بعد الزلزال هي فترة و ستنقضي كما انقضت فترة كورونا، و سيعود الإنسان إلى طبيعته التي جُبِل عليها و سيتناسى هذا الأمر و يصبح مجرد ذكرى، لكن المهم أنه تذكر في هذه اللحظات خالقا يجب أن يحمده و يشكره على النعم التي أعطاه.
الدرس الثالث: هذا التدين و هذه المشاعر التي ذكرت أعلاه سيكون تأثيرها واضحا في درجة الإنخراط و التضامن الذي عبر عنه الشعب المغربي بكل أطيافه -عفويا- مع إخوانهم المتضررين، حيث هبَّ الجميع من أجل مساعدة سكان المناطق المنكوبة بكل ما يملكون- سواء القليل أو الكثير- الأمر الذي جعل العالم كله يتغنى بالملحمة المغربية في التلاحم و التضامن بين أطياف المجتمع المغربي ككل ، بعيدا عن أي عصبية قبلية أو نعرات ضيقة , الكل اجتمع على أمر واحد: 'المغاربة كيان واحد" قد نختلف ، قد نتصارع فيما بيننا ، لكن عندما يكون التهديد يمسنا جميعا، فإننا نتناسى كل شيء و نهب لنصرة الوطن. " الإلترات الرياضية نموذجا"
الدرس الرابع: أظهر الزلزال ، رغم قساوته، قدرة المغرب على النهوض مجددا ، و أنه بمشاركة أبناءه قادر على تحدي كل الصعاب و أنه لا ينتظر منة من أي أحد كيفما كان ، باستثناء قبول مساعدة الدول الصديقة ، التي احترمت سيادته بعد الكارثة . حيث بسرعة كبيرة بدأ في تضميد الجراح و سيكون إن شاء الله قادرا على إعادة الحياة للمناطق المنكوبة في أقرب وقت، في إشارة قوية إلى الدول التي قللت من شأن المغرب بأن تحتاط منه ، فزمن الوصاية قد ولّى و لا يحق لأحد أن يعطينا دروسا، و لانقبل أن يعطينا أحد دروسا ، وتحية للدول التي ساندتنا بكل احترام.
هذه بعض من الأمور الإيجابية التي استفدنا منها في هذه الكارثة، لكن كما هو الحال في جميع الأمور في هذه الدنيا، هناك أمور سلبية لا يجب السكوت عنها أو على الأقل ذكرها لعل و عسى أن تختفي في المستقبل ،و سنبدأ بالأمر الذي أثار انتباه الجميع و هو :
1: التعامل الجاف للحكومة الحالية مع الوضع الإستئنائي الذي حصل، حيث إنه في الوقت الذي سارع الشعب و المجتمع المدني إلى تقديم يد العون إلى المناطق المتضررة، شاهدنا أن أعضاء الحكومة و البرلمان لم يصدر عنهم أو منهم أي إشارات إيجابية حتى و إن كانت فقط تغريدات أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تبين حرصهم عل سلامة هذا الشعب أو الوطن ، و لهذا كان الرد قاسيا في مواقع التواصل العالمية أيضا من الشعب حيث اجتاحت مقولة " المغرب بشعبه و ليس بحكومته" تعليقات الناس، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على بُعد هذه الحكومة عن قضايا الشعب ، و لكل هذا فإننا نتفهم عدم رغبة بعض الأفراد المساهمة في صندوق التضامن الذي وضعته الحكومة ، بل قرروا أن يجمعوا التبرعات و المعونات و يعطوها للأشخاص المتضررين مباشرة لانعدام ثقتهم في المسؤولين، و هذا الأمر خطير على أمن الوطن, و سنعود إلى هذا الأمر في أخر المقال,
الأمر الثاني الذي أثار الإستياء ،هو التسول الإلكتروني للإعجاب ، فكل من حمل هاتفا نقالا، صار صحفيا بقدرة قادر، أما ما يطلقون على أنفسهم مؤثرين، فأصبحنا نراهم أكثر من " الهم على القلب" ، لا ننكر أن بعضهم -و هم قليل- قاموا بأمور جيدة و أعطوا صورة عن الأوضاع في المناطق المتضررة ، لكن عددا منهم حمل مجموعة من المغالطات ، و زرع الرعب و الخوف في قلوب الناس، و شوَّش على المجهودات التي تقوم بها فرق الإنقاذ. إن البحث عن الترند و البوز لا يجب أن يكون على حساب مآسي الناس، و لا أريد أن أذكر عددا من المظاهر لأنكم تعرفونها جيدا، فالبحث عن غنيمة الأدسنس جعلت البعض يستغل أطفالا و نساء و شيوخا كبارا في السن للتسول بمعاناتهم ضاربا عرض الحائط كرامتهم الإنسانية ، و هذا الأمر ينطبق على بعض الجمعيات و المؤسسات و ليس فقط الأفراد.
ثالثا: إذا قلنا أن الزلزال رفع من منسوب التدين في صفوف الشعب المغربي و امتلاء المساجد بالمصلين تضرعا له تعالى ، فإنه بالمقابل لم يُثن سماسرة المآسي من استغلال الفرصة للإغتناء غير المشروع مستغلين طيبة الشعب و إسراعه في نجدة إخوانه، و شاهدنا كيف حوَّل البعض اتجاه المساعدات إلى مستودعاتهم و إعادة بيعها مستغلين حالة الإرتباك التي أصابت الجميع فلم بفكروا في الطريقة الصحيحة لتقديم المساعدة و التي كان يجب أن تمر عبر القنوات الرئيسية التي توفرها الحكومة, و هنا أعود إلى النقطة التي ذكرت أعلاه، و هي فقدان الثقة الخطير في مسؤولي الحكومة الذي ظهر في هذه الكارثة. إننا حتى و إن كنا على خلاف مع الحكومة ، لا يجب علينا أن نفقد الثقة، فالهدف في الأخير هو مصلحة الوطن. و قد تنبهت الحكومة لهذا الأمر ، ولو متأخرا- لذا شددت على أن المساعدات يجب أن تكون من خلال قنواتها الرسمية, فالأكيد أنه مرحبا بمساعدات الناس و الجمعيات و كل من يريد الخير للناس، لكن عند نقطة ما، يجب أن تعود أدراجك و تترك للجيش المغربي و رجال الداخلية و الدرك و المكلفين بالإنقاذ مهمة إيصال كل هذا إلى المتضررين.
الحديث يطول و الدروس كثيرة ومازال للحديث بقية ، فليرحم الله الشهداء و ليشفي الجرحى و عاش المغرب و لا عاش من خانه