الدعاة الجدد للرق و العبودية
ابراهيم الناية
إن مسالة تنظيم المجتمع و ضبط حركته تكتسب أهمية كبرى لأنها تعكس مدى الانتماء الحضاري للعقلية التي تساهم في صياغة القوانين، فكلما كانت تلك القوانين صادرة عن هوية المجتمع و عقيدته و مبادئه و قيمه نستطيع الاقرار أنها تمثل الأصالة و العمق التاريخي لذلك المجتمع، أما اذا كانت ترديدا لعقليات أخرى تختلف عن السياق الثقافي لذلك المجتمع فيمكن القول أنها استنستاخ و تبعية تمثل امتدادا لعقلية الأجنبي، لان الانسان ينتمي إلى العقيدة و المبادئ و القيم و ليس إلى أي شيء آخر كالعرق و غيره و من هنا تطرح الأسس و الإطار المرجعي الذي يمكن الاستناد عليه في وضع القوانين المنظمة لحياة المجتمع.لكن.
هل يمكن للإنسان أن يشرع قوانين تضمن له السعادة و تجنبه الشقاء؟
وهل الإنسان خالق لنفسه حتى يحق له أن يشرع قوانين تنسجم و طبيعة خلفه؟
قد يتم الاستغناء عن طرح هذه الأسئلة بالنسبة للمجتمعات التي عرفت طريقها و حددت مسارها لكن المجتمعات الفاقدة للهوية و العنوان والتي ظلت أبد الدهر تبحث عن القوانين التي يمكن أن تنظم حياتها، يبقى طرحها ضروريا فقد يحصل أن تشرع قوانين و لكن عندما تمر عليها فترة من الزمن يتبين النقص و القصور ثم يتنادى القوم بعد ذلك مطالبين بإحداث تغيرات جذرية تتلاءم و طبيعة المرحلة التي يمر منها المجتمع و كأن الناس يدورون في الحلقة المفرغة أو يطحنون الهواء.
والواقع أن هناك تقابلا يسود مجتمعاتنا و صراعا محتدما بين رؤيتين مختلفتين:
الأولى تنطلق من الإسلام و ضوابطه و رؤيته للكون والحياة والإنسان.
و الثانية تعود إلى القول البشري و تتخذ من المرجعية الغربية و منظومتها الفكرية و من آلية تحليلها مكونا أساسيا لرؤيتها.
لكن أين القانون الذي يضمن للإنسان إنسانيته وكرامته؟
وهل يمكن تحقيق النهضة في ظل تخريب الذات و انهيار القيم؟
وهل كانت هناك ثورة اجتماعية أو حركة تاريخية تدعو إلى التحرر من الظلم و العبودية يقودها السفلة المنحرفون و دعاة الرذيلة و السقوط الأخلاقي؟
لقد قامت ثقافة الغرب على مبدأ الصراع و التناقض و رفض القيم الثابتة، و اعتبار كل شيء في تغير مستمر، ولذلك من أراد أن يتصدى لدراسة الفكر الغربي و يتعاطى مع ثقافته عليه أن يجعل مسالة التغير و التناقض في الاعتبار، فمنذ بداية عصر النهضة و الغرب في صراع مع مبادئ الغيب، لكن هل استطاع أن يتخلص من تلك الخلفية الغيبية التي سادت المجتمعات الغربية قبل قيام النهضة؟ لقد نادى الغرب بالحداثة و التنوير و أسس مشاريعه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية على هذين المبدأين رغم اختلاف النظرة إليهما من زوايا مختلفة، فالطرح الليبرالي لقضايا المجتمع ليس هو الرؤيا التي تتبناها الأنظمة الاشتراكية في مرحلة تاريخية معينة.
ولكن هناك أمرين لابد من توضيحهما:
الأول أن العقل الغربي عقل عبودي و ليس بالعقل التحرري لأنه مبني على عبادة الفرد و الجسد و الأشياء. واستنادا على هذا المبدأ فالغرب يريد فرض وصايته و رؤيته على الآخرين لأن هذا هو منطق ثقافته و لا يؤمن بالحوار العلمي القائم على الأخذ و العطاء و إنما يقدم تصورات جاهزة و يطلب من الآخر التسليم بها بدون حجة ولا دليل لأن عقلية الهيمنة هي التي تؤطر رؤيته. وثاني الأمرين: أن التنوير والحداثة يقتضيان استقلال العقل و الذات والإرادة، علما أنه ليس هناك مفهوم واحد للحداثة و التنوير، لأن الواقع الاجتماعي لكل مجتمع يراعي بعض الشروط الموضوعية لكي يستمر المجتمع و لكن تبقى صياغة بنيات المجتمع على أساس العلم و الايمان و التركيز على انتشاله من الجهل و المرض و الفقر و بقية العاهات المجتمعية هي الدليل على تحديث المجتمع.
ولكن الذين يدعون للتنوير و الحداثة في مجتمعاتنا لا يركزون على بناء العقل و تأسيس نهضة علمية أخلاقية تقوم بالاساس على محاربة الحيف و الظلم الاجتماعي و التفاوت و إنما يلتجئون إلى محاربة المعتقدات الاسلامية و رؤية الاسلام الشمولية للكون و الحياة و الانسان كما قال أحد مفكريهم يوما ينبغي إعلام حرب ايديولوجية على الاسلام من اجل اجتثاثه من الجذور. ولكن الهجوم على الاسلام لم يحصل عن قناعة علمية و دراسة مستفيضة وإنما جاء نتيجة جهلهم بالاسلام و مبادئه و قيمه أولا، و ثانيا إن العقلية التي يفكرون بها تأسست على التبعية و لم يعلموا أن التنوير و الحداثة يتناقضان مع التبعية لأن الذي يريد أن يبني و يغير لابد له من استقلال العقل و الثقافة و الإرادة و رفض الوصاية، فهم بذلك فاقدون للذات و الهوية، و إلا كيف يمكن الترويج لكثير من النفايات و الأمراض الاجتماعية التي عافتها نفوس كثير من أفراد المجتمع الغربي داخل مجتمعاتنا و الدفاع عنها و اعتبارها من حقوق الانسان كالزنا و اللواط و غيرهما من الأفعال المشينة التي كانت السبب في نهاية الدولة الرومانية و قد بدأت بوادر نهاية الغرب تظهر في الأفق عندما سادت هذه العاهات الاجتماعية التي ينادي بها بعض الأفراد في مجتمعاتنا، ويوظفون كلمات الخصوصية و الحريات الشخصية توظيفا دبلوماسيا كجواز مرور نحو ممارسة الدعارة. ولم يعلموا أن الرجل الذي يتسكع بين أجساد النساء أصبح إمعة فاقدا للانسانية و للذات و القرار لأنه لا يستطيع أن يجيب عن سؤال من أنا؟
والمرأة عندما تصبح مشاعة فقد فقدت كرامتها و أضحت تعيش في حالة من الذل و الرق و العبودية. ولذلك يريد أتباع الفكر الغربي وضع قوانين تنسجم و السياق الثقافي الذي يؤمنون به و يفرضون رؤيتهم على الآخرين لانهم يعتبرون أنفسهم المالكين للحقيقة و أن تصورهم هو الصحيح، ولذلك لا داعي أن يعترفوا لغيرهم بالحق في الاختلاف و من ثم يقدمون أنفسهم كبديل أوحد في حركة التاريخ. و قد يلاحظ المرء أن سلوكاتهم يسودها نوع من الكبرياء و التعالي و ينظرون إلى الاخر نظرة النقص و الدونية، وقد يطرحون آراء خاطئة لا مكان لها في ميزان المنطق العلمي و عندما لا تنال الاهتمام يعتبرون ذلك نشوة و انتصارا. وقد يوظف أحدهم إمكاناته الفكرية طيلة حياته في التشكيك في الاسلام و عقائده والتهجم على علماء الحديث كالبخاري وغيره علما أنه لا يعرف من علم الحديث غير الإسم، بل يستنجد بما قاله المذهب الشيعي في البخاري لعله يجد ضالته. و محصلة القول أن ما يريد أتباع الفكر الغربي تحقيقه هو تخريب المجتمع من الداخل و تفكيك نسيجه لكي لا تقوم لهذا المجتمع قومة و ذلك بنشر الرذيلة و التسفخ و العبودية و عبادة الشهوات و السقوط و الضحالة و تجارة الرقيق الأبيض و تلك هي البداية الأولية لنهاية المجتمع، ورغم أنهم قلة و الناس يعرفون حقيقة حجمهم إلا أنهم يجدون الدعم و المساندة من وسائل الإعلام المأجورة و من جهات معلومة، ولذلك فهؤلاء يهدفون إلى أن يعيش المجتمع في ظل النكد و الانفصام و الشقاء لتكريسهم عقلية الانقياد و الطاعة للأجنبي، و في الحديث الصحيح" لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه" لكن الاسلام العظيم حرص أن يعيش الانسان في ظل السعادة بتحرير الانسان المسلم من التبعية و الذوبان في الآخر و سعى إلى أن يكون المسلم متميزا في فكره و سلوكه و في نظام حياته، فقد شرع الله سبحانه له القوانين و الضوابط التي تتلاءم و طبيعة خلقه و من ثم إن الله سبحانه يعلم يقينا ما هو الطريق الذي إذا سلكه الانسان يكون سعيدا في حياته؟