لا شيء غير النضال

لا شيء غير النضال

جمال الأطرش

اللافتة البيضاء المربعة المكتوبة بخط اليد والمحمولة من طرف شاب من الأطر الصحية وهو يركض تحت زخات المياه التي أمطرت بها سماء القمع المخزني المسيرة الاحتجاجية الوطنية للتنسيق النقابي لقطاع الصحة بالرباط، ذات أربعاء من شهر يوليوز الحارق، والمعنونة بعبارة "لا شيء غير النضال" ذات العبارة كانت ولازالت الجواب التاريخي والواقعي لكل الحركات الاحتجاجية المطلبية هنا وهناك. فإذا كان النضال هو الجواب المركزي ضمن الخيارات الأخرى المتاحة أمام الحركات الاحتجاجية والاجتماعية وضمنها المنضمات النقابية بحسب توصيف السوسيولوجي الفرنسي ألان توران، في ظل الأنظمة الديمقراطية التي تؤمن بحقوق الإنسان وبفضيلة الحوار والمفاوضة الجماعية لحل المشاكل والجواب على المطالب المرفوعة من طرف مختلف الفئات الاجتماعية، سواء كانت ذات طبيعة اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية، فإنه في ظل الأنظمة الاستبدادية قد يكاد يكون النضال هو كل شيء ولا شيء غيره من أجل تحقيق المطالب المرفوعة من الفئات المتضررة من السياسات اللاشعبية التي يفرضها المركب المصالحي المسيطر، وقد يكون الجواب الوحيد على المطالب النقابية والشعبية في ظل واقع مغربي تسيطر فيه الباطرونا على القرار السياسي والاقتصادي عبر حكومة تعمل ليل نهار على تكريس خيارات الليبرالية المتوحشة المملاة من صندوق النقد والبنك الدولي، خيارات لا تعدو أن تكون الخطابات والبرامج ذات المضمون الاجتماعي التي تتضمنها سوى مجرد شعارات للاستهلاك المحلي في مواجهة الطلب المتزايد على كل ما هو اجتماعي من طرف مختلف الطبقات الفقيرة منها والمتوسطة التي تتدحرج يوما بعد آخر نحو القاع الاجتماعي.

 وما برامج الحماية الاجتماعية (التغطية الصحية، والدعم المباشر للأسر المعوزة...) ومخرجات الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية الذي أقر زيادة في الأجور في حدود 1000 درهم لموظفي القطاع العام وزيادة 10% في الحد الأدنى للأجور في القطاعين الصناعي والفلاحي SMIG و SMAG إلا تكريس لهذه الشعارات الزائفة في ظل إرتفاع نسب التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وما نتج عنه من زيادة في أسعار مختلف المواد الأساسية منها وغير الأساسية، زيادات وصلت إلى أكثر من 100% في بعض المواد الأساسية، بل هناك من المواد الاستهلاكية من تضاعف سعرها مرتين وثلاثة مرات. الأمر الذي يجعل من برنامج الدعم المباشر للأسر المعوزة والزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص على سنتين، مجرد ذر للرماد في العيون والتفاف ممنهج على التراكمات الإيجابية في السجل الاجتماعي والحقوقي التي حققتها الطبقة العاملة ومعها الشعب المغربي خلال سنوات طويلة من الكفاح.

الخيارات الاستراتيجية اللاشعبية لحكومة الباطرونا، تجعل من شعار "لا شيء غير النضال"، خيارا استراتيجيا لكل الفئات المتضررة من سياسات الحكومة، ولكل المكتوين بنيران خياراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. ولعلى الطبقة العاملة عبر أدوات دفاعها الذاتية "النقابات المهنية" تبقى المعنية بشكل خاص بهذا الخيار، خاصة وأنها قد جربت خيارات أخرى لعلى أهمها خيار الحوار والتفاوض، بل أنها أبرمت اتفاقات كان مصيرها التراجع والتنصل من تنفيذها من طرف الحكومة، وما الاتفاقات المبرمة بين القطاعات الحكومية والنقابات القطاعية الأكثر تمثيلية بقطاع الصحة وقطاع العدل لا أبرز مثال على عدم صوابية توجهات التيار المتحمس أكثر من اللازم لخيار الحوار والتفاوض وحسن النوايا داخل هذه التنظيمات النقابية.

إن الخط النقابي الذي تنازل عن خيار النضال في لحظات مفصلية من مسار إقرار المطالب المشروعة للفئات التي من المفروض أنه يمثلها، ووقع على سلم اجتماعي بدون شروط مع القطاعات الحكومية طيلة سنوات، قد يجد نفسه اليوم وأمام انسداد أفق الحوار والتفاوض كخيار استراتيجي راهن عليه في مرحلة معينة بمبرر "مكاسب أكثر...بمجهود أقل أو بصفر نضال" عاجزا عن اتخاذ قرار نضالي مفتوح على كل الاحتمالات (القمع، الاعتقال...) على شاكلة القرار النضالي الذي رفعت فيه لافتة: لاشيء غير النضال... لنظيف إليه "لا_شيء_غير_النضال_مع_حكومة_الباطرونا_والرأسمال".

لا خيار اليوم أمام الطبقة العاملة لاستعادة زمام المبادرة وتعديل موازين القوى لصالحها إلا النضال والمزيد من النضال لفرض مطالبها وكسب رهاناتها ومنح الأمل في العيش الكريم لها ولعموم فئات الشعب المغربي، ولن يتحقق لها ذلك إلا عبر تحييد التيارات الانتهازية والوصولية والقوى البيروقراطية من تنظيماتها النقابية، هذه القوى التي تقف متارس وحواجز حقيقية في طريق الطبقة العاملة نحو تحقيق مطالبها ورفع الظلم والحيف المسلط عليها من قبل التكتل الطبقي المسيطر على القرار السياسي والاقتصادي في البلد.

للنضال رجاله ونساؤه، وليس من ضمنهم البيروقراطيات النقابية ولا المستفيدين من الريع والامتيازات، وللنضال كلفته أيضا، وكلفة النضال على المنتفعين من العمل النقابي أكثر بكثير من كلفته على الطبقة العاملة وعلى الفئات المقهورة التي لن تخسر بنضالها أكثر مما خسرته بسكوتها.

 

 

 

 

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة