عندما تصاب محاكمنا بالشلل!
اسماعيل الحلوتي
في خضم غلاء الأسعار واشتداد حرارة الصيف، عاد كتاب الضبط للتعبير عن سخطهم والكشف عما يعيشون على إيقاعه من احتقان شديد، جراء تباطؤ الحكومة في إخراج نظام أساسي عادل ومحفز، خاصة بعد أن تم التوافق بشأنه مع وزارة العدل، بعد جولات ماراتونية من حوار دام حوالي عامين. وذلك من خلال انخراطهم في سلسلة من الإضرابات بلغت أرقاما قياسية من حيث المشاركة خلال شهر يوليوز، مما أصاب محاكمنا بشلل مربك ومقلق، معربين عن استعدادهم لخوض مزيد من الخطوات التصعيدية بمختلف الأشكال النضالية، ما لم يتم التعاطي الجاد والمسؤول مع ملفهم المطلبي والتعجيل بإيجاد حل إيجابي.
ذلك أن عددا من الهيئات النقابية لم تستسغ استمرار الوزارة الوصية في التماطل وعدم التجاوب مع مطالبها التي تم التوافق حولها منذ ما يزيد عن سنة، وهو ما دفع بها إلى الدعوة إلى سلسلة من الإضرابات تدين عبرها سياسة التجاهل التي ينهجها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ومنطق العنف الممارس ضدا على الاحتجاجات المكفولة دستوريا، حيث ما انفك المحتجون بالقطاع يؤكدون على اصطفافهم خلف جميع المبادرات الهادفة إلى رص صفوف كتاب الضبط في معركة الدفاع عن مطالبهم العادلة والمشروعة، مشددين على تمسكهم بملفهم المطلبي في تعديل النظام الأساسي لهيئتهم وتعديل مرسوم الحساب الخاص وما إلى ذلك، معلنين عن رفضهم سياسة التسويف والهروب إلى الأمام.
فليس وحدهم المواطنون المغاربة بالداخل من وجدوا أنفسهم فجأة محرومين من الخدمات القضائية ومتابعة قضاياهم الرائجة أمام كافة المحاكم والمراكز القضائية بالمملكة، وما وقفوا عليه بامتعاض شديد من تأخير كبير في سير القضايا، إثر الإضرابات المتفرقة والمتوالية، التي يخوضها موظفو قطاع العدل. إذ هناك أيضا شريحة واسعة من الجالية المغربية بالخارج، خرجت بدورها للاستنكار والتنديد بحرمانها من حقوقها وصعوبة استخراج الوثائق ذات الطابع العدلي، ولاسيما أن أفرادها يعولون كثيرا على شهري يوليوز وغشت لقضاء أغراضهم الإدارية، ومحاولة تسوية ملفاتهم سواء تعلق الأمر باستثمارات اقتصادية، أو ملفات قضائية، أو سحب بعض الوثائق التي يحتاجونها في الخارج، لأن عطلتهم السنوية جد محدودة، وقد لا تتجاوز في أحسن الأحوال عشرين يوما.
ونظرا لما لوحظ على الحكومة من عدم الجدية في التعاطي مع ملفهم المطلبي، وتلكؤها في تنفيذ توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، التي لقيت استحسانا وموافقة من قبل عاهل البلاد محمد السادس، وخاصة في الشق المتعلق بالإدارة القضائية، أبى موظفو كتابة الضبط إلا أن يحملوا رئيس الحكومة عزيز أخنوش عبر هيئاتهم النقابية مسؤولية عدم الإفراج عن النظام الأساسي وفق التعديلات التي تم التوافق حولها مع وزارة العدل، ويرفضون بشدة ازدواجية الحكومة في التعامل مع الأنظمة الأساسية...
صحيح أن إضرابات كتاب الضبط خلال أيام 9/10/11 ثم 16/17/18 و23/24/25 من شهر يوليوز 2024 وما قبلها في مارس وأبريل من نفس السنة، لا ترقى من حيث الأثر إلى مستوى إضرابات الشغيلة التعليمية أو إضرابات قطاع الصحة، لكونها لا تنعكس سوى على مصالح فئة محدودة من الأشخاص السجناء والمتقاضين، ومن ينوب عنهم من محامين الذين يعانون كثيرا جراء تأخير الجلسات وكل المهن ذات الصلة بالقضاء. لكنها في المقابل تترك آثارا نفسية عميقة في نفوس عديد الأسر المغربية وخاصة تلك التي تنتظر الإفراج عن أحد أفرادها كالأبناء أو الأزواج. فأين نحن مما يدعيه رئيس الحكومة من جدية في التعاطي مع المشاكل المطروحة بحدة، في ظل تلاحق الأزمات والإضرابات التي باتت تهدد السلم الاجتماعي؟
فما من شك في أن موظفي قطاع العدل لا يتحملون المسؤولية فيما يقع من ارتباك في المحاكم وتعطيل مصالح المرتفقين وغيرهم، إذ أنهم لا يقومون سوى بممارسة حق يكفله لهم دستور البلاد، ويعتبر الكثيرون منهم أن ما يحدث هو نكوص من رئيس الحكومة عن تنفيذ الالتزامات، والتنكر لاتفاق مبدئي سابق على أساس تعديل النظام الأساسي، على غرار ما عرفه قطاع التعليم وقطاع الصحة، خصوصا في هذه الفترة التي تعرف توافدا كبيرا للجالية المغربية المقيمة بالخارج.
إننا نأمل بكل صدق أن تسود قيم المواطنة وروح المسؤولية بين الحكومة والنقابات، التوقف عن حوار الصم والبكم والعمل على تغليب المصلحة العليا للوطن والمواطنين، من خلال وضع منهجية واضحة لمناقشة مشروع قانون الإضراب بهدوء تام ونفس إيجابي، لطي هذا الملف الشائك الذي عمر طويلا. فاستمرار الإضراب هنا وهناك دون إقرار القانون التنظيمي 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، من شأنه الإسهام في مزيد من الخسارات على عدة مستويات، سواء تعلق الأمر بالمحاكم أو المستشفيات أو المؤسسات التعليمية وغيرها، مما يقتضي توافقا بين جميع الأطراف الحكومة والنقابات وأرباب العمل، حفاظا على مصالح المتقاضين ومستقبل أبنائنا وصحة وسلامة مرضانا.