توالي الفواجع والمواجع!
اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى وفي الوقت الذي ما انفك فيه عاهل البلاد محمد السادس ينادي بضرورة وضع المواطنين في صلب اهتمامات القائمين على الشأن الصحي، من خلال الحرص على تحصين المنجزات وتقويم الاختلالات وبحث السبل الكفيلة بتجاوز الإكراهات، تشاء الأقدار أن يهتز الرأي العام الوطني يوم الأربعاء 24 يوليوز 2024 على هول فاجعة كبرى بمدينة بني ملال، ذهب ضحيتها 21 شخصا مغربيا دفعة واحدة، بسبب موجة حرارة ضربت عددا من الأقاليم المغربية.
ففي بلاغ لها كشفت المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بجهة بني ملال خنيفرة عن تسجيل عدد من الوفيات المفاجئة والغامضة بالمنطقة، موضحة بأن المركز الاستشفائي الجهوي بالمدينة تأكد من حدوث 21 حالة وفاة يوم الأربعاء 24 يوليوز 2024، منها 4 حلالات وفاة خارج أسوار المستشفى و17 حالة وفاة استشفائية بالمستعجلات، وأن العامل المشترك بين هذه الوفيات غير المسبوقة، أنها تخص أشخاصا من كبار السن ويعانون من أمراض مزمنة، تأثروا جميعهم بالارتفاع المهول في درجات الحرارة التي ساهمت في التدهور السريع لحالتهم الصحية وأدى إلى الوفاة.
وهي الفاجعة التي خلفت سخطا عارما وردود فعل غاضبة ليس فقط في أوساط ساكنة إقليم بني ملال، وإنما في قلوب جميع المغاربة من كافة جهات المملكة، حيث تعالت أصوات الاستنكار من كل صوب وحدب، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات الحادة الموجهة لوزير الصحة والحناية الاجتماعية خالد آيت الطالب والتنديد باستخفاف الحكومة المستمر بسلامة وصحة المواطنين، ولاسيما بعدما دعت متأخرة مصالح المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بالإقليم المواطنات والمواطنين إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر، والابتعاد عن التعرض لأشعة الشمس، خاصة في أوقات الذروة، بينما كان يتحتم عليها القيام بذلك من قبل، تفاديا لوقوع هذه المأساة الإنسانية الفظيعة والمريعة.
فما حز في النفس كثيرا واستفز مشاعر المغاربة، هو أنه إضافة إلى حجم الفاجعة (موت 21 شخصا في يوم واحد) والتزام الحكومة الصمت المطبق، لم يكلف الوزير الوصي على قطاع الصحة نفسه عناء التنقل إلى عين المكان لتقديم التعازي إلى عائلات الضحايا المكلومة والوقوف شخصيا على الواقع الصحي المزري بالإقليم وما يعانيه المستشفى الجهوي من خصاص صارخ على مستوى الموارد البشرية والوسائل والإمكانات الضرورية لإنقاذ حياة المواطنين، إذ كيف يعقل والحالة هذه ألا يتوفر قسم المستعجلات مثلا سوى على 13 سريرا أمام 21 حالة حرجة فضلا عن انعدام الأدوية الأساسية للإسعافات الأولية، في وقت تنظم فيه السلطات المحلية هناك مهرجانا فنيا بقيمة "300" مليون سنتيم؟
ولم يقف الأمر عند حدود الشجب والاحتجاج بل تجاوزه إلى المطالبة بضرورة فتح تحقيق عاجل وشامل حول الظروف والملابسات التي أدت إلى هذا الحدث المأساوي الموجع والمفجع، ومواجهته بما يلزم من حزم من أجل تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات بحس وطني صادق وروح المسؤولية، لأنه لم يعد مقبولا في مغرب اليوم تواصل الاستهتار بحياة المواطنين وعجز المستشفيات العمومية عن إنقاذ أرواحهم، ولاسيما أننا مقبلون في غضون السنوات القليلة القادمة على احتضان تظاهرات رياضية كبرى، كأس إفريقيا للأمم سنة 2025 وبطولة كأس العالم عام 2030 في ملف ثلاثي مع كل من إسبانيا والبرتغال.
فالمثير للاستغراب أن موجة الحرارة ليست بالحدث الظرفي العابر، لكونها تحدث بشكل دوري خلال فصل الصيف بالمغرب وغيره من بلدان العالم، وتؤدي في معظم الأحيان إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، دون قيام مدبري الشأن العام باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة. والملاحظ أن مثل هذه "الكوارث" طالما تقع في بعض الأقاليم المغربية بعينها ويذهب ضحيتها أشخاص بسطاء ومهمشون. لذلك أقدمت بعض الفرق والمجموعات النيابية بمجلس النواب على مساءلة الوزير الوصي عن قطاع الصحة حول ما اتخذ من إجراءات عاجلة وملموسة من قبل وزارته قصد حماية المواطنين والتصدي لموجة الحر القياسية، التي عرفها عدد من المدن المغربية بنسب متفاوتة، وأدت إلى ذلك الكم الكبير من الوفيات بمدينة بني ملال...
من هنا وتأسيسا على ما سلف بات لزاما على وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة الداخلية، استخلاص الدروس والعبر من مثل هذه الفواجع، التي ما فتئ المغرب يتعرض لها في السنوات الأخيرة وخاصة خلال فترات ارتفاع الحرارة المفرطة، قصد العمل على اتخاذ ما يكفي من إجراءات عملية وناجعة للحد من تزايد الخسائر المادية والبشرية، من قبيل توفير الأطر الطبية والتجهيزات الكافية والأدوية اللازمة، القيام بعملية تشجير واسعة لتلطيف الجو بالمدن المستهدفة، إحداث منتزهات ومسابح عمومية، تزويد المناطق الجافة بالمياه الصالحة للشرب وغير ذلك كثير ويسير إذا ما توفرت الإرادة السياسية...
وأمام هذا الحدث المأساوي الموجع الذي يمكن أن يؤدي في البلدان الديمقراطية ليس فقط إلى استقالة وزير الصحة، بل الحكومة برمتها، لا يسعنا إلا أن نتقدم لأهل الضحايا بأصدق المواساة وأحر التعازي، رافعين أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يتغمد الفقداء بالمغفرة والرضوان، ويسكنهم فسيح الجنان، ويلهم ذويهم الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.