الفساد الإداري، الذي قاد زعماء السياسة إلى الخطيئة السوداء

الفساد الإداري، الذي قاد زعماء السياسة إلى الخطيئة السوداء

محمد أديب السلاوي

 

لربما لا تختلف نظرة الإنسان في العالم السائر في طريق النمو، إلى "مسائل" التنمية والسياسة والديمقراطية وحقوق الإنسان، بقدرما تختلف نظرة المسؤولين في هذا العالم إلى الوسائل الكفيلة لتحقيق التطور الاجتماعي/ الاقتصادي، الذي يؤمن شروط هذه "المسائل".

إن مشاكل وهموم وقضايا المواطن بهذا العالم، تكاد تكون متشابهة من حيث الحدة والحجم والقيم مع مشاكل وهموم المواطنين في الدول المتقدمة، لكن معالجتها، هي وحدها التي تختلف كل الاختلاف بين العالمين المتفاوتين.

في العالم السائر في طريق النمو/ المتخلف، تنحصر برامج التنمية وقوانين الديمقراطية وحقوق الإنسان، أما بسبب "الفساد الذي يضرب الإدارة والسياسة" أو بسبب احتياجات هذه الإدارة إلى التحديث والهيكلة والتقويم... لذلك وبالنظر إلى تجربة الدول التي نجحت في تحريك آليات التنمية سنجد أنها عالجت قبل كل شيء، المشكل الإداري المتحكم في دواليبها، فاتجهت إلى اصلاحه وتطهيره من الفساد وتحدياته، ليكون في مستوى المسؤوليات المنوطة به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

فالعديد من هذه الدول، رسمت في البداية، خريطة حقيقية للفساد لمحاصرته في مواقعه قبل رسمها لأي سياسية إصلاحية، ذلك لأن الإدارة هي الأداة الأساسية والطبيعية لكل إصلاح ولكل تغيير وانتقال، كما هي –في ذات الوقت- أداة أساسية طبيعية لكل سقوط... ولكل انهيار.

هكذا تستمد الإدارة أهميتها وقوتها في الزمن الراهن، كما في الأزمنة الغابرة، من كونها الوسيط الضروري والفاعل بين السلطة السياسية، وكافة المواطنين المستهدفين بقراراتها وسياساتها العمومية، فهي بهذه الصفة، الأداة الفاعلة والمؤثرة في كل قرار، سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، من حيث أنها تنهض بأعباء ومهام تدبير الشأن العام والمال العام، وتقديم الخدمات العمومية المطلوبة.

2

في نظر فقهاء علم الإدارة، أن بعث القرار السياسي وإعطاء مفهوم حقيقي لحقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة واللامركزية، في الدولة الحديثة، أصبح يتطلب –قبل كل شيء- إدارة على مستوى كبير من النقاء والبناء، ذلك لأنها (أي الإدارة) أصبحت عصب الحياة في الدولة، تحتل مكانة وازنة ومتميزة ضمن عناصرها السياسية والاقتصادية، (مفهوم علم الاقتصاد السياسي) فهي تبلور مهام وأدوار قطاع ما يسمى بالاقتصاد الإداري، كقطاع فاعل ومؤثر في الحياة العامة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضا بتأثير هذا الاقتصاد، على مستوى الآداء والجدوى والنجاعة الاقتصادية والعائد الاجتماعي للبلاد([1]).

يعني ذلك أن الإدارة، أصبحت في الدولة الحديثة، جوهر كل بناء ونماء، فهي وأجهزتها وهياكلها، على صلة بكافة واجهات الحياة العامة. وبكافة قطاعات التنمية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي بهذا المعنى أيضا، أصبحت تشكل عنصرا أساسيا في توازن الدولة، ليس فقط باعتبارها الوعاء الذي يحتضن آلاف الموظفين والعاملين الذين يؤدون الخدمات العمومية، لكن أيضا لأنها العنصر الأساسي في كل انتقال وتنمية وتغيير.

من حيث بنائها التنظيمي/ المؤسساتي، تعتبر الإدارة المغربية الراهنة نتاج طبيعي للبناء السياسي، الذي يتبلور عبر تطور كمية وتحولات نوعية تتشكل من الإرث التاريخي لعهد الحماية، ومن تراكمات الأخطاء وإفرازاتها في عهد الاستقلال.

وعلى المستوى التنظيمي، تعاظم دور هذه الإدارة في الحياة العامة، واتسع مجال تدخلاتها وتأثيرها في القطاعات المختلفة، بسبب ارتباطها بالمؤسسات السياسية إذ جعلت من نفسها جهازا لا غنى عنه ولا مندوحة عن آرائه وتدخلاته ووجهات نظره وقراراته، وجعلت من قوانينها ومساطرها "البيروقراطية" أمرا قريبا من التقديس، فهي متفردة بصلاحيات مطلقة في العديد من المجالات والقطاعات والميادين.

3

وفي نظر العديد من الباحثين المتتبعين، أن هذه الإدارة بفعل تعاظم دورها في الدولة أصابها ما يشبه التقهقر، الذي لا يعود فقط إلى مستواها التنظيمي المتخلف، ولكن أيضا إلى أمراضها وعاهاتها وثقافتها التقليدية التي عملت/ تعمل بقوة، في تعثر التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكل ما يتعلق بالعصرنة والتحديث والانتقال الحضاري للبلاد.

ويرى العديد من الباحثين في القضايا الإدارية المغربية، أن المعادلة القائمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي والتخلف، تحمل دلالة واحدة وهي أن "الفساد الإداري" أصل ومرجع لكل فساد في القطاعات الأخرى، في حين ترى العديد من المكونات المغربية، أن للإدارة المغربية، القسط الأوفر من المسؤولية، في التقهقر والتراجع الذي عرفته/ تعرفه التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي يطبع المؤسسات السياسية وأجهزتها وعملها على أرض الواقع، وترى أن إشكالية الفساد في الإدارة المغربية، لا تتعلق فقط بالتشريعات والقوانين واللوائح التنظيمية المتجاوزة، ولكنها أساسا تتعلق بمظاهر الفساد الأخرى التي تطبع عملها: سوء استخدام المنصب الإداري/ الرشوة/ استغلال النفوذ/ الابتزاز/ المحسوبية/ التسيب/ الجنوح للمصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة/ معاكسة التحفيز الاقتصادي وإعاقة الاستثمار الوطني والخارجي/ اضافة إلى السلوكات البيروقراطية الهجينة والمعاكسة لأي تطور، ولأي انتقال ديمقراطي/ حضاري، ولأي تنمية وطنية تنهجها في تعاملها مع الشأن العام.

4

وفي قراءة متأنية لهذه المعطيات/ العلمية والقانونية، يتبادر إلى الذهن، أن الفساد الإداري المالي في المغرب، هو الذي قاد/يقود كل مخططات الفساد، بما في ذلك الفساد السياسي. إن السياسة هي الشريك الأكبر للإدارة في منظومة الفساد، ولربما كانت هي من ركز/ يركز هذه المنظومة على أرض الواقع، لتبقى البلاد والعباد تحت رحمتها خارج أي مساءلة أو حساب.

من المفترض أن تعمل الطبقة السياسية من مواقعها الإيديولوجية والعقائدية/ الحزبية والبرلمانية والحكومية، على مناهضة الفساد الإداري والمالي/ على فضح أساليبه/ على محاكمة أهله من المفسدين/ وبالتالي على حماية ثروات البلاد وأموالها وأراضيها وهويتها/ وعلى تنمية هذه الثروات والحرص على أن يستفيد المواطن، أي مواطن من خيرات وطنه، لكن عندما تسقط السياسة في فخ منظومة الفساد، تتغير قيمها إلى حد الفزع.

في اللائحة التالية، (ويمكن لأي قارئ مهتم الإطلاع عليها في الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية لحماية المال العام)، تبدو الصورة واضحة، للفساد الإداري/ السياسي المتداخل والمتشابك، إذ نجد زعماء وقادة الأحزاب السياسية العتيقة/ التقدمية/ الشعبية/ والتي لا لون لها، منغمسة في بحر هذا الفساد، تضع يدها في يده بلا خجل، مستفيدة من آلاف الهكتارات من الأراضي، التي تحرم كل الإيديولوجيات والعقائد السياسية تفويتها بدون وجه حق، وهو ما يفسر للرأي العام مفهوم الفساد الذي تتستر عنه الزعامات السياسية.

جاء في هذه اللائحة إن

 - علي بلحاج (حزب رابطة الحريات) يستفيد من 450 هكتار

 - المحجوبي أحرضان (حزب الحركة الشعبية) يستفيد من 328 هكتار

 -   رحو الهيلع (حزب التقدم والاشتراكية) يستفيد من 609 هكتار

 -   بودلال بوهدود (حزب التجمع الوطني للأحرار) يستفيد من 380 هكتار

 -   عبد الرزاق مويسات (حزب الاتحاد الاشتراكي) يستفيد من 200 هكتار

 -   محمد تلموست (حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية) يستفيد من 123 هكتار

 -   ميلود العلج (حزب الاستقلال) يستفيد من 138 هكتار

-   عبد السلام البياري (الاتحاد الدستوري) يستفيد من 165 هكتار

-   مولاي البشير بدلة (التجمع الوطني للأحرار) يستفيد من 77 هكتار

-   عياد بنعلي (حزب الحركة الشعبية) يستفيد من 302 هكتار

-   خالد برقية (حزب الحركة الشعبية) يستفيد من 1082 هكتار

-   محمد برقية (حزب المؤتمر الوطني الاتحادي) يستفيد من 88 هكتار

-   لحسن بوعود (حزب الحركة الشعبية) يستفيد من 816 هكتار

-   طارق القباج (حزب الاتحاد الاشتراكي) يستفيد من 339 هكتار

-   بوعمر تغوان (حزب الاستقلال) يستفيد من 153 هكتار

 -   مولاي إسماعيل العلوي (حزب التقدم والاشتراكية) ضيعة بالغرب من حوالي 300 هكتار.

هذه لائحة أولى بالأسماء السياسية (القيادية) بالإضافة إلى الأسماء التي لم تحصل عليها الهيئات والمنظمات المختصة في محاربة الفساد حتى الآن والتي تطرح ألف سؤال وسؤال على الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها، وهو ما يعطي هذه القضية بعدا آخر.        يعلم الله متى سيتم اكتشافه.

5

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذه الحالة: ماهي مبررات الإدارة التي فوتت لهؤلاء الزعماء هذه الأراضي..؟ ماذا قدم هؤلاء الزعماء للمغرب مقابل هذه الأراضي. وماذا استفادت البلاد والعباد من هذا التفويت الخارق للعادة؟ ومن يستطيع إعادة هذه الكمية المهولة من الأموال والأراضي المنهوبة إلى الدولة المغربية التي تعاني في الزمن الراهن من كل أنواع الخصاص. هل تستطيع حكومة السيد عبد الإله بنكيران التي جاءت إلى السلطة من أجل محاربة والفساد والإصلاح، إعادة هذه الأراضي إلى أصحابها الشرعيين..؟ هل تستطيع محاسبة زعماء الأحزاب على ما بذمتهم من أموال وأراضي؟ لا أحد يدري لماذا فوتت لهم 5200 هكتار من أجود وأحسن الأراضي وماذا يفعلون بها في زمن يتضخم فيه الفساد ويتغول ويزداد الفاسدون تألقا وبريقا أمام الفقراء والمعوزين والمرضى والعاطلين والضعفاء...

نعم إن حجم الأموال والأراضي والعقارات التي سرقت ونهبت وبددت في عهد استقلال المغرب، يعصب تخيل ما يمكن أن يصنع بها المغرب من أجل تنمية الإنسان.

فهل تدرك حكومة عبد الإله بنكيران هذه الفاجعة؟

 

 



[1]  - مصطفة الكثيري/ الإدارة المغربية في مواجهة العلل وترقب الفعل الإصلاحي. جريدة الاتحاد الاشتراكي 24 نوفمبر 2000 ص:1.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات