عندما يتحول الوزير إلى مسخرة!

عندما يتحول الوزير إلى مسخرة!

اسماعيل الحلوتي

مرة أخرى يتأكد لنا جميعا أننا أبعد ما نكون عن الديمقراطية والمساواة، وأن ما يتم اعتماده من معايير في انتقاء من يتولى مسؤولية تدبير الشأن العام، لا تخضع لمنطق الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في أجواء من النزاهة والشفافية، بقدر ما تخضع في الغالب للترضية والوساطة، كما حدث مؤخرا في التعديل الوزاري الموسع الذي عرفته حكومة عزيز أخنوش يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024، من حيث اختيار وزراء دون مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، ومن بينهم محمد سعد برادة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلفا لشكيب بنموسى الذي تم تعيينه مندوبا ساميا للمندوبية السامية للتخطيط.

      وبعيدا عن طبيعة باقي الوزراء الذين جاءت بهم رياح التعديل الحكومي الهوجاء، فإن ما يحز في النفس كثيرا أن نكتشف فجأة أن إصلاح منظومة التعليم هو آخر هموم حكومة أخنوش، كما يتضح من خلال اقتراح محمد سعد برادة وصيا على القطاع، الذي دشن ولايته بموجة من السخط والسخرية بين المواطنين وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ليس فقط إبان الدورة الوطنية لبرلمان الطفل 2023/2025 التي عقدت في إطار جلسة عمومية بمجلس النواب، عندما بدا في مشهد مخجل عاجزا عن تركيب جملة مفيدة خلال الرد على سؤال شفوي لطفلة حول ما تعتزم وزارته القيام به من خطط لمواجهة التداعيات السلبية لتوظيف الذكاء الاصطناعي من لدن المتعلمين على جودة أدائهم المعرفي وتحصيلهم الدراسي، مكتفيا بتقديم وعد بالرد كتابة وإرساله إليها، بل أيضا على مستوى ارتباكه أمام نواب الأمة رغم استعانته بورقة مكتوبة بالعامية أثناء رده على الأسئلة الشفوية في الجلسة العامة ليوم الإثنين 25 نونبر 2024.

      حيث أن ما أثار تذمر البرلمانيين وجعلهم يستشيطون غضبا هو ما أظهره الوزير القادم من عالم المال والأعمال من ضعف صارخ خلال تعقيبه على مداخلاتهم، وتعهده مرة أخرى بلا خجل ولا وجل بموافاتهم بالرد على أسئلتهم كتابة، علما أن جلسة الأسئلة الشفوية لا تحتمل التأجيل والانتظار في حضور الوزراء، وينبغي أن تكون أجوبتهم مباشرة وفورية حتى يطلع عليها المواطنون أيضا عبر الإذاعة والتلفزة، وإلا فإن حضورهم وغيابهم سيان وبلا فائدة.

      فكيف لمن هو بهذا القدر من الضعف المثير للشفقة أن يكون باستطاعته مواجهة ملفات ومشاكل قطاع استراتيجي بحجم قطاع التعليم، في وقت تحولت فيه المدرسة العمومية إلى مجرد حقل للتجارب، رغم كل ما بذل من جهود مضنية ورصد من ميزانيات ضخمة في محاولة إصلاحها والنهوض بأوضاعها المتردية، دون بلوغ الأهداف المنشودة وإحداث التغيير الإيجابي الذي طالما انتظره المغاربة؟ وهل يستطيع إيقاف نزيف الهدر المدرسي الذي يتجاوز 300 ألف حالة سنويا، وأن يقود المغرب إلى التقدم في المراتب بخصوص مؤشرات التعليم، عوض أن يظل قابعا في أسفل الترتيب على مدى عقود من الزمان؟

      ومن غريب الصدف أن يتناوب على حمل حقيبة وزارة التربية الوطنية أشخاص بنفس المواصفات، ونستحضر هنا ذلك الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع حول تلعثم الوزير الأسبق سعيد أمزازي وعدم قدرته على النطق السليم بعبارة "المتوجين والمتوجات" في كلمة له باللغة العربية أمام الحاضرين من كبار الشخصيات في المدرسة المحمدية للمهندسين. وكذلك تلك الزوبعة من السخرية التي أثارها الوزير السابق شكيب بنموسى خلال مناقشة النظام الأساسي الجديد لموظفي التعليم، عندما قال في معرض رده على المستشارين البرلمانيين في إحدى جلسات الأسئلة الشفوية، بأنه يمكن للأستاذ تحسين دخله الشهري من خلال إعطاء ساعات إضافية مؤدى عنها، وقيامه كذلك بأنشطة أخرى مثل تصحيح أوراق الامتحانات.

      ففي تعليقاتهم على تفاعل وزير التعليم الجديد مع أسئلة البرلمانيين الصغار والكبار على حد سواء، استنكر بشدة بعض الفاعلين السياسيين ومعهم المهتمين بالشأن التربوي تعيين أشخاص بمثل هذا المستوى الهزيل على رأس قطاعات حساسة وحيوية، دون امتلاكهم الخبرة الكافية أو أدنى دراية بخبايا القطاعات المسندة إليهم، ولاسيما أن قطاعي الصحة والتعليم يعرفان الكثير من المشاكل والتحديات الكبرى، مما يطرح السؤال حول مدى قدرتهم على الإصلاح في ظل ضغوطات المؤسسات الدولية المقرضة لتشجيع التعليم والصحة في القطاع الخاص، مما يمكن أن يساهم في تخريب المدرسة والمستشفى العموميين...

      إن ما أثار حنق المغاربة ليس فقط الارتباك الذي ظهر على وزير التربية الوطنية أمام البرلمانيين، ما داموا قد تعودوا على رؤية مثل هذه الصور المسيئة للعمل التشريعي في الجلسات العامة بمجلسي النواب والمستشارين، وإنما هي تلك الرسالة السلبية التي بعث بها الوزير محمد سعد برادة لأولئك البراعم في برلمان الطفل، من حيث عدم الاهتمام بمثل هذه الجلسات العمومية، والحال أنها تستدعي التحضير الجيد والظهور بشكل مشرف ومقنع، إن على مستوى مضمون الأجوبة أو على مستوى الأسلوب وكيفية تقديمها. ترى هل أصيبت الأحزاب السياسية بالعقم، ولم تعد قادرة على إنجاب تلك النخب من ذوي الخبرة والكفاءة، الجديرين بتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام باقتدار؟

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة