لماذا نجح ماك آرتر وفشل بول بريمر؟

لماذا نجح ماك آرتر وفشل بول بريمر؟

بقلم: عادل بن حمزة

مابين مرحلة إصلاحات ميجي سنة 1868 واستسلام اليابان في آب (أغسطس) سنة 1945 واسترجاع اليابان لاستقلالها سنة 1952، مرت مياه كثيرة تحت جسر الإمبراطورية اليابانية التي كانت تحمل شعار "العالم كله تحت سقف واحد" كناية على الهيمنة التي بلغت أوجها في جنوب شرق آسيا سنة 1942 في ظل حالة عداء مطلق للغرب وفي طليعته الولايات المتحدة الأمريكية. السؤال هو هل يمكن المقارنة بين التجربة اليابانية والتجربة العربية في العلاقة مع الغرب؟ وأساسا كيف نجحت اليابان في تجاوز حالة العداء مع الغرب وبالضبط مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف استطاعت أن تتجاوز الفاجعة الكبيرة التي تمثلت في تفجير القنبلة الذرية لأول مرة في التاريخ في هيروشيما ونكازاكي في ظل استمرار نفس النظام السياسي وأن تبني علاقات وطيدة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد. 

نجحت اليابان رغم إرثها الثقافي الحضاري الكبير والعريق، أن تندمج في الثقافة الغربية وفي الاقتصاد ونمط الاستهلاك الغربي، محافظة في نفس الوقت على التقاليد والخصوصية الثقافية وعلى نفس النظام السياسي الامبراطوري الذي كان وفقا لطبيعته، سببا من الأسباب المباشرة لتورط اليابان في الحرب العالمية الثانية وفي الصراع مع جيرانها سواء تعلق الأمر بكوريا أو الصين أو غيرها من دول جنوب شرق آسيا؟ هذا التحول كان بلاشك نتيجة تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية أوجدت بيئة حاضنة سهلت الأمر، يُطرح السؤال أيضا في إطار المقارنة حول الآليات والسياق الذي سمح مثلا بنجاح  الجنرال دوغلاس ماك آرثر الذي قاد القوات الأمريكية في احتلال اليابان، في مقابل فشل بول بريمير الذي كان ممثل الإدارة الأمريكية و حاكم العراق بعد الغزو الأمريكي سنة 2003،  إذ كيف نجح ماك آرثر فيما فشل فيه بول بريمر؟ للجواب عن هذا السؤال، تطرح الكثير من الفرضيات التي ترتبط بالواقع الذي كانت تعرفه اليابان، أولها أن اليابان نجحت لأنها كانت دولة إمبراطورية موحدة، تنام على إرث عريق للدولة بأسس ثقافية ودينية مؤثرة، وأنها لم تكن تعاني من تعددية طائفية أو عرقية أو دينية، كما أنها شهدت حراكا سياسيا إصلاحيا منذ بداية الثلاثينات مما جعلها قابلة لكي تحقق مراجعات هامة خاصة تلك ارتبطت بمراجعة الدستور الذي يؤطر النظام السياسي من خلال تعديلات راجعت دور الامبراطور السياسي والدستوري وعززت الطابع البرلماني للدولة مع تقليص كبير لدور الجيش وقدراته الهجومية وذلك منذ سنة 1947، يضاف إلى ذلك بكل تأكيد القيم الثقافية و الأخلاقية والروحية التي كان لها تأثير كبير على ثقافة العمل والجدية والالتزام في المجتمع الياباني. 

في المقابل كيف فشلت التجربة في العراق؟ بداية هناك عدة عوامل ساهمت سلبا في تحقيق تلك النتيجة، في صدارتها الوضع الداخلي الذي تمثل في إرث إدارة حزب البعث بزعامه صدام حسين والوضع الطائفي الخانق نتيجة تراكمات سلبية في علاقة النظام مع مختلف الطوائف سواء تحدثنا عن الشيعة أو السنة أو الأكراد، ذلك أن نظام البعث كان متورطا بمستويات مختلفة في العلاقة مع هذه الطوائف مما خلف جراحا كبيرة، أيضا كان هناك العامل الخارجي غير المساعد، خاصة على المستوى الاقليمي مما شكل بيئة حاضنة بالنسبة للوضع الجديد في العراق، فقد استثمرت إيران الحالة العراقية لتصفية الحساب مع النظام الذي كان يمثله صدام حسين، لهذا شاهدنا كيف تحول النفوذ الايراني في العراق، بفضل الغزو الأمريكي الذي مثل أكبر هدية تحصلت عليها طهران في مواجهتها مع العراق، وهكذا رغم وجود مرجعية كبرى في العراق من حجم السيستاني، فإن ذلك لم يمنع ولاية الفقيه كمرجعيه سياسية في ايران، أن تجد لنفسها موقع قدم في البيئة العراقية الجديدة المنهارة تماما، العامل الثالث وهو ما قام به بول بريمر من حل للجيش العراقي ولحزب البعث ومن تفكيك للبيروقراطية العراقية التي كانت تمثل الكوادر الكبرى في البلد، وهو ما  أدخل البلاد في حالة فراغ كبيرة جدا، وسهل استقطاب أفراد الجيش العراقي المنحل من قبل الجماعات المتطرفة فيما بعد، بينما تحولت مناطق الأكراد إلى محمية أمريكية مع كل الهواجس التركية والتي تتكرر اليوم فس سوريا. 

هذه العوامل لم تساهم في تحويل لحظة انهيار نظام صدام حسين، إلى مرحلة لبناء مسار جديد في العلاقة بين العراقيين وبين الإدارة الأمريكية والغرب بصفه عامة، وبالتالي بقي هناك كثير من الحذر وكثير من العداء الذي لبس لبوسا دينية وإيديولوجية في ظل خسارة العراق لوضعه الاعتباري في الإقليم بعد فقد قدرته العسكرية والاقتصادية، وتحوله إلى دولة شبه فاشلة بلا تأثير على المستوى الإقليمي، بل دولة ضعيفة مختطفة القرار الوطني من خلال تصاعد النفوذ الإيراني وسط النخب التي توجد في واجهة السلطة، وقد تابعنا كيف استطاعت داعش أن تسيطر على الموصل وعلى أجزاء كبيرة من العراق بل كانت على مسافة قريبة جدا من بغداد، مسيطرة على جزء كبير أيضا من سوريا في ظل حالات الفراغ التي عرفتها سوريا خاصه بعد 2011، هذا الأمر ساهم مرة أخرى في إضعاف مؤسسات الدولة المركزية بما فيها الجيش العراقي وفسح في المجال لمليشيات الحشد الشعبي التي تأتمر إلى اليوم بأوامر الحرس الثوري في إيران. 

نستنتج عند المقارنة بين مسار اليابان والعراق، إلى أن منطق العداء والخصومة في العلاقات الدولية، ليس قدرا وأنه يمكن البحث عن مسارات مختلفة لبناء الثقة وتجاوز لحظات القطيعه للبناء عليها من خلال تشييد علاقات جديدة والاندماج في المنظومة العالمية، التي شئنا أم أبينا، فإن الغرب من يمثل عنوانها الرئيسي والبارز.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات