مفهوم العبادة إلى أين ؟

مفهوم العبادة إلى أين ؟

ابراهيم الناية

ان التصور الاسلامي قدم العقيدة وكل جوانب الحياة وفق رؤية شمولية متماسكة ومنسجمة ومترابطة ولا يمكن فصلها عن بعضها، ولكن مع عصور الانحطاط التي عاشها المسلمون في ظروف تاريخية معينة وقع التباس في فهم العقيدة والعبادة والمعاملة. وقد كان للطرقية والصوفية والفكر الارجائي والاستبداد اليد الطولى في ذلك. الامر الذي جعل المفكرين يُرجعون الامور الى نصابها والى المبادئ الأصيلة التي انطلقت منها منذ البداية ،فالاسلام عقيدة وشريعة ، دين ودنيا، روح ومادة، وعبادة متجلية في المعاملة. واذا كان الامر هكذا فقد يتساءل البعض : لماذا لا تؤثر هذه الحشود التي ترتاد المساجد في رمضان واثناء صلاة العيد والجمعة في الواقع الاجتماعي وفي الصناعة الرأي العام؟. هل الامر يتعلق بفهم الاسلام؟ ام بمعنى العبادة التي طغت عليها عبادة العادة دون غيرها؟ ام ان الامر يعود الى العقلية السائدة في المجتمعات حيث يسود الجهل والامية الفكرية.؟.

 صحيح ان هناك عوامل تظافرت وشكلت هذا المستوى من الوعي الاجتماعي. الذي لا يمكن تفسيره بعامل واحد ،ومن بين هذه العوامل تقصير الداعين الى الاسلام في بلورة مشروع واحد وتقديمه في ممارسة سلوكية واضحة كما انه لا ينبغي غض الطرف عن الاوضاع المعرفية للمجتمع المتمثلة في الجهل بحقيقة الاسلام وعدم تقديم حقائقه من قبل مختلف المؤسسات. واستنادا على هذا فإن كلمة العبادة قد اسيء فهمها. واعطيت لها معاني لم تكن واردة في المنظومة الاسلامية اصلا، فقد نجد بعض دارسي العلوم الانسانية عندما يسمع كلمة العبادة تنصرف الاذهان الى عبودية الانسان للانسان، ولم يعلم هؤلاء ان الانسان جبل اصلا على العبادة اما ان يكون عابدا لله واما ان يكون عابدا لشيء اخر. وكم من شخص يتنكر لعبادة الله ولكنه غارق في العبودية لغيره. ومن ثم، ان كلمة العبودية في الاسلام لا تحمل تلك الدلالة التي تعارف عليها الناس اثناء جدلية العبد والسيد ،وانما تعني الحرية، فالانسان حر عندما يعلن عبوديته لله وليس لشيء اخر. ولهذا يتعين ان نفهم معنى العبادة اولا : فالعبادة في الاسلام هي الطاعة والانقياد لله وفق ما امر به ونهى عنهم اي التوجه اليه سبحانه وتعالى والاخلاص له واليقين فيه اي استحضار رقابة الخالق على ذاتية الانسان في كل شيء، في الحركات والسكنات ،وفي الحل والترحال ،ولذلك الاصل في العبادة الخوف من الله والطمع في مغفرته ورحمته ولكنه خوف قائم على المحبة، فلا عبادة بدون محبة ولا محبة بدون طاعة، فمن احب الله اطاعه، وعلى هذا الاساس ان مفهوم العبادة في الاسلام مفهوم شامل لكل جوانب الحياة، فكل شيء فيه مرضاة الله فهو عبادة ، والعبادة لا تبقى سرا وان لم يتم الجهر بها ، فهي تظهر في سلوك المرء واخلاقه ومعاملاته وصدقه وفي الوفاء بعهده ،كما تتجسد في الاستقامة في العمل واداء الواجب بكل صدق وامانة. مما يدل على اخلاص العبادة لله. ولذلك كيف يمكن ان يكون الانسان مؤتمنا على اموال الناس وهو لا يخاف الله؟. فقد قال الغزالي رحمه الله " لا يخاف الله من يأكل الحرام." ومن ثم ان التجاوزات التي تسود مختلف مناحي الحياة ناشئة عن عدم حضور رقابة الخالق في حياة الناس، ولم يعلم هؤلاء العابثون "ان الله يرانا " ولذلك فالصلاة، والنوافل، والذكر والصدقة ، ومسك اللسان عن الغير هي من منطلقات العبادة، شريطة ان تكون قائمة على الاخلاص لله. وقد ورد في الحديث الصحيح "إن الله عز وجل لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. " ومجمل القول عندما تتجلى العبادة في ممارسات وفي حركات ميتة لا علاقة لها بالسلوك والاخلاق والمعاملات. اصبحت امورا فاقدة للطعم والروح. وكأنهم يقولون لا علاقة للعبادة بالسلوك والمعاملة كما يقول العلمانيون لا علاقة للدين بالسياسة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات