معيقات التحفيظ العقاري بالمغرب

معيقات التحفيظ العقاري بالمغرب

حاميد اعرور

 

     أصبح التحفيظ العقاري بالمغرب لازمة أساسية لتحصين الملكية العقارية والحقوق العينية للأشخاص الذاتيين و المعنويين، ،ويقصد بالعقارات عقارات بطبيعتها وعقارات بالتخصيص.  ويعرف بعض  الفقهاء العقارات بطبيعتها:الأراضي والبنايات والأشجار و كل شيء مستقر وثابت في مكانه ولا يمكن نقله أبدا أو  نقله من مكان إلى أخر دون حدوث تغيير في هيأته وإلحاق تلف به. واستنادا الى المادة السابعة من ظهير 02 غشت 1913 المتمم والمعدل بالقانون رقم:14-07، تعتبر عقارات بالتخصيص كل منقول وضعه مالكه في عقار يملكه من أجل خدمة ذلك العقار واستغلاله، وكذلك الشأن في جميع الأشياء المنقولة التي ألحقها مالكها بعقاره بصفة دائمة. و تعرّف المادة الثامنة من نفس القانون الحقوق العينية العقارية كل سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين وهذه السلطة تمكنه من استخلاص حقه من ذلك العقار مباشرة ودون وساطة أحد، كما يمكن له أن يحتج بذلك الحق ضد الكل.

   فإذا كان التحفيظ العقاري  بمثابة ولادة جديدة للعقار يعطيه اسما ورقما وعنوانا  وإحداثيات  "لونبير" بسجل التحفيظ العقاري، ولادة تقطع علاقاته  بالماضي وتعطيه نقطة بداية انطلاق حقوق عينية وتحملات التحفيظ المتواجدة بالعقار، وتجعله نهائيا غير قابل للإلغاء، باستثناء حالة معينة سنها المشرع المغربي حماية للملك العام للدولة،إلا أن المسطرة المتبعة حاليا بالمغرب تكتنفها معيقات يمكن إيجازها في معيقات تقنية وإدارية (1)            و معيقات سوسيو- ثقافية (2):

1-   المعيقات التقنية والإدارية:

إن  الرقي بإدارة التحفيظ العقاري  إلى وكالة وطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، ساهم نسبيا في تسريع وثيرة تقبل طلبات التسجيل والإشهار بالمحافظة العقارية، وفي تنمية مداخيل هذه الوكالة إضافة إلى تغيير الإطار القانوني والمؤسساتي للجسم الإداري والتقني ورفع أجور وتعويضات العاملين به، كما ساهم ادخال  النظام المعلوماتي والرقمي في تيسير الولوج إلى الملفات وتحيينها بسرعة نالت استحسان الوافدين على هذه المصلحة العمومية. إلا أن العائق  الذي يكتنف العملية ويحول دون تسريع وثيرة تلبية الطلبات يكمن في الجانب التقني أساسا والمتجلي  في عدم التزام الوكالة بمواعيد التحديد. ويعزى هذا التأخير إلى شساعة النفوذ الترابي التابع للوكالة خاصة بالعالم القروي وتعدد الحالات المعقدة لبعض الملفات الموروثة، وقلة الموارد البشرية والمعدات اللوجستيكية الكفيلة بتلبية الضغط المتزايد على الوكالة.

     بخصوص النفوذ الترابي لوكالة التحفيظ، فقد بقي سجين  مقاربة ترابية لصيقة بالتقسيم الترابي ومجال نفوذ المحاكم الابتدائية، فحيث يتواجد مقر محكمة ابتدائية ويمتد نفوذها، يوازيه مقر ونفوذ وكالة يديرها تحت مسؤوليته "الشخصية"[i] محافظ للأملاك العقارية والمسح العقاري والخرائطية، هذا التمركز العمودي يقتضي إعادة النظر لتقريب الإدارة من المواطنين، وخلق ملحقات على صعيد كل جماعة ترابية محلية على الأقل، لتخفيف الضغط على العاملين بالوكالة، وتشجيع المواطنين محليا على الانخراط في عملية تعميم تسجيل أملاكهم وحقوقهم وإعفائهم من صوائر التنقل، وتمكينهم من ربح الوقت الذي غالبا ما يكون على حساب انشغالاتهم اليومية، خصوصا المقيمين والمواطنين الذين يزاولون أنشطة تنموية تدر الدخل وتخلق الثروة ومناصب الشغل.  

  إن إجراء عمليات التحديد غالبا ما تتم في إطار عدم احترام المواعيد، إذ يلزم  ظهير 02 غشت 1913 المتمم والمعدل بالقانون رقم14:-07 الوكالة بضرورة التقيد بالفصل 19 منه، والذي ينص بصريح العبارة على ان يتم التحديد  من طرف مهندس محلف مختص في المسح الطبوغرافي مقيد في الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين. ونظرا لقلة عدد المهندسين المختصين في هذا المجال ،  واستمرار رفض التقنيين العمل بالمذكرة الداخلية للمحافظة العقارية التي تحث المحافظ على توقيع تفويض مكتوب للتقنيين للقيام بالمتعين[ii]، يتعثر  التحديد ويبقى حبيس  برنامج زمني طويل الأمد ويصبح رهينا ومعلقا  باللوائح المحصورة باسم المهندس الذي يتم تعيينه من طرف الوكالة  للخروج ميدانيا، علما أن هذه العملية كانت تتم في السابق من طرف تقنيين  مختصين تزخر بهم الإدارة المعنية. فلعل اعتماد الخروج الميداني للمهندس المختص "في تقدير الإدارة" يعزى إلى تحديد المسؤولية الشخصية، إلا أن هذه المقاربة القانونية الصرفة لها انعكاسات سلبية وتؤخر تلبية  حاجيات الوافدين والتي أصبحت  لا تقبل الانتظار قياسا بالتحولات العميقة التي يشهدها النسيج الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب.

   فبالإضافة إلى المعيقات الإدارية والتقنية السالف ذكرها  لازالت رواسب توجس المواطن من الإدارة تكبح رغبة الانخراط الكامل في عملية تسجيل بالأملاك العقارية رغم المجهودات التعبوية والتحفيزية المبذولة التي اعتمدتها الدولة لتشجيع المواطنين،والتي تصطدم بمعيقات سوسيو- ثقافية موروثة تساهم في مناعتها الأنماط التقليدية والإنتاجية المحافظة  السائدة بالمجتمع المغربي.

  

2-   المعيقات سيوسيو- ثقافية: إن تاريخ ارتباط الفرد بالأرض ونزعة التملك تعود مما لا ريب فيه إلى تاريخ ظهور الإنسان وتطور البشرية عبر المراحل التاريخية التي تعاقبت على المغرب. فالمجتمع المغربي الراسخة جذوره إلى عهود ما قبل التاريخ، شهد توافد أجناس بشرية متنوعة تصارعت حول ملكية الأمكنة والثروة والسلطة وتعايشت فيما بعد بالامتثال إلى أعراف اجتماعية لضبط الاختلافات الاثنية والقبلية والدينية، رغم بروز انفلاتات بين الفينة والأخرى بين الأفراد والجماعات، التي  غذتها وتغذيها النزعة الجارفة إلى توسيع الملكية وبسط السيطرة على ملكيات أخرى ذات حدود جغرافية معرضة في أية ولحظة أو حين إلى تبديد آثارها. هذه النزعة الطبيعية ولدت لدى  الفرد عموما تعصبا سواء في علاقته مع باقي الأفراد أو الجماعات أو في علاقته بمؤسسات الدولة.

     فمما لا شك فيه، فإن  البوادي المغربية شمالا وجنوبا شرقا وغربا تعرف امتدادا ترابيا يصعب ضبطه دون الاعتماد على حدود متعارف عليها بين القبائل المغربية، هذه القبائل الوفية إلى هذه الأعراف  ساهمت ولازالت تساهم في ضبط حدود الأراضي وفض النزاعات بين الأفراد وبين الجماعات بأشكال تنظيمية  أملتها الحاجة الملحة إلى الاستقرار. وقد تخصص في هذا المجال أشخاص من ذوي الحكمة والدراية لانجاز مهام ترسيم الحدود بشكل تطوعي أو بمقابل رمزي ،يشترط فيه التوفر على  ثقة المحيط الاجتماعي كشرط أساسي إضافة إلى الحكمة والدراية والتجربة.

   هذه الأعراف المتبعة في تدبير وضبط الملكية العقارية بالبوادي قد تغلغلت في الوعي الجماعي  والوجدان الاجتماعي: وترسخت كسلوك  معتمد يصعب معه فرض بديل علمي أو تشريعي، وتبقى خاضعة مقتضيات الفقه الإسلامي و لاسيما المذهب المالكي والقواعد العامة، جعل منها عمليا سلوك منفلتا لمسطرة ظهير:02 غشت 1913 ،مادام تحفيظ هذه العقارات والحقوق اختيارا شخصيا وليس إلزاميا إلا في حالات محددة ورد ذكرها بقانون التحفيظ.

   ويعتبر سن ظهير 1913 المطبق والوارد مع الحماية الفرنسية دخيلا في مخيلة النسيج الاجتماعي المغربي، إذ ورثت القبائل المغربية المكونة لهذا النسيج توجسا من الادارة حال ويحول دون الإقبال التلقائي على مسطرة التحفيظ، رغم دقتها وضماناتها القانونية وآثارها  الاقتصادية والتنموية،هذا التوجس مازال حاضرا في غياب وسائل تحفيز جديدة رغم الحملات الظرفية التي اعتمدت، ورغم سن إعفاءات مالية  للتشجيع على تحفيظ العقارات.

 

لذا وبناءا على ما سبق، يتعين على القائمين تشخيص هذه الوضعية واللجوء إلى مشاورات واستشارات عميقة لتعبئة الجميع قصد إيجاد حلول ناجعة لتجاوز معيقات التحفيظ، وتحيين الوعاء العقاري لضمان الحقوق كركيزة من الركائز الأساسية لتشجيع الاستثمار والاستقرار مادامت الأنماط والأشكال التقليدية المحافظة تشكل عائقا  للتنمية المستديمة المنشودة.

 

 



[i] الفصل 80 ، مدونة  الالتزامات والعقود

[ii]سليم قلة،استاذ خبير في العقار والتعمير،المرحلة الادارية في مسطرة التحفيظ العقاري  http://www.marocdroit.com

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة