قضية عصيد، فضح وفخ

قضية عصيد، فضح وفخ

محمد الحساني

 

ليست غايتي أن أدخل في سجال مع السيد "عصيد"، وليس عندي وقت، ارتفعت أقلام وسال مداد وتنوعت المواقف والأحكام، وتنوع القاموس بين هذا وذاك، ويبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى وأجل وأعظم من كل ناعق أو ناقص أو دعي، أيا كان وتحت أي مسمى كان، يبقى الثرى ترابا وتبقى الثريا ثريا ورسول الله أسمى وأرقى من الثريا.

 

لن يكون "عصيد" آخر من يخرج هذه الخرجات الممجوجة، ولذلك فإن المدخل الحقيقي لمثل هذه القضايا لا ينبغي أن يكون إعادة إنتاج مناظرات مدارس علم الكلام، فما عمرو و زيد ومن على شاكلتهما إلا جزء من حلقة متكاملة، إنتاج من نتاج آلة طاحنة هي "المخزن"، يتقن المخزن اللعب على التناقضات والخلاف، هي له غذاء ومغنم، فهو تارة يلعب على الأمن الروحي وتارة أخرى تجده يلعب على ورقة الحريات، حرية التعبير وحقوق الإنسان، فإن استعمل الورقة الأولى كانت غايته المزيد من  "التضبيع"، وإن استعمل الثانية كانت وجهته الدعم الخارجي، خاصة عندما يكون مأزوما كما هو الآن على جميع المستويات؛ اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

 

بنظرة شمولية كلية لا تجزيئية ينبغي أن نقرأ هذه الفقاعات، قضية "عصيد" فضح لأنها بذلك تضع مسألة حرية التعبير وحرية الرأي على المحك.

 

خداع المصطلحات:

 

في الثالث عشر من أبريل منعت السلطات المخزنية "حزب الأمة" من عقد لقاء تواصلي بمراكش رغم أن هذا الأخير قام بكل الإجراءات القانونية، وفي الثالث والعشرين من فبراير منعت السلطات المخزنية الدكتور "عمر أحرشان" عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان من المشاركة في ندوة حول الحراك الشعبي لحركة العشرين من فبراير، نقدم هاذين المثالين - وأمثلة المنع والحظر والقمع كثيرة متنوعة -كشاهدي إثبات فقط على التلاعب البشع للمخزن بمصطلحات كثيرة لعل أبرزها "حرية الرأي والتعبير"، هكذا هو المخزن، يتقن فن الخداع والتمويه، فإن كان "عصيد" قد خرج هذه الخرجة فإن الأصل أن نفهم أن هذا يدخل في هذا السياق ليس إلا- وليست هذه دعوة لمنع أحد من ممارسة حقه في الرأي والتعبير-، وإلا لماذا منع كل من حزب الأمة والدكتور أحرشان؟ كل عمل جاد يعمل على تنوير الناس وإفهامهم عمق إشكال البلاد وهو هذا الاستبداد الذي ضيع البلاد والعباد يتم إقصاؤه ومنعه والتنكيل به. لكن كل صوت يرفع ليحقق جزءا من مآرب المخزن، فرق تسد، شعار قديم جديد تعمل ماكينة المخزن على تجديده، لا يضيع المخزن أي فرصة تحقق له هذه الغاية.

 

حرية الرأي والتعبير من أكثر المصطلحات التي يخدع بها المخزن الكثير ممن ينطلي عليهم سحر الكلمة وبريقها، هي فلسفة، فرق تسد، هذه هي الغاية وليست إفساح المجال لحرية الرأي والتعبير كما يظن الواهمون، وإن كنا نظن أن مثل هذه التصريحات لا علاقة لها البتة بمسألة الرأي والتعبير، من ظن أنه يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الترهات يكون قد أصابه العته ليس إلا، إنما مثل هذه الخرجات هي فقط تكشف اللثام عن خداع المصطلحات التي يتلاعب بها المخزن، ف "عصيد" ومن في فلكه هم أوراق اليانصيب التي يمارس من خلالها المخزن هذه اللعبة، بهم يزين وجهه، خاصة أمام العالم الخارجي، وخاصة الأم فرنسا العلمانية بامتياز. إن كان المخزن جيَّش جيشا ليقمع مؤتمرا طلابيا، حيت البحث العلمي وحيث نخبة المجتمع وحيث ينبغي أن تترسخ لغة الحوار والرأي و الرأي الآخر. ضاق صدر المخزن وأعلنها حربا، إن كان في ساحة العلم يكسر العظام ويشج الرؤوس، إن كان هذا حاله في هذا المقام، تكون الخدعة قد تبينت خيوطها وانكشف زيفها، كل رأي أو تعبير هو في مصلحتي هو حرية الرأي والتعبير، وكل رأي أو موقف غايته خير البلاد والعباد وتقليم أظافر الاستبداد، غير مصرح له، غير مرحب به، والعصا لمن عصى، عليه يصدق تعريف المدرسة الأنجلوسكسونية للخداع السياسي بالضبط، -  ( : the act of deliberately making someone believe something that is not true).

 

فخاخ المخزن:

 

المساس بالذات النبوية جرم وأي جرم، يدرك المخزن ما تحمله الأمة في قلوبها من تعظيم وتوقير للجناب الشريف وكيف تغضب تجاه أي كان، ويدرك المخزن أن هناك سذاجة عند كتلة من المسلمين تدغدغ مشاعرها الكلمات الرنانة والطنانة في مثل هذه المواقف بالضبط، يرى المخزن بعين المراقب كيف بدأ يتحرك جزء من التيار السلفي على الساحة وكيف أصبح ينخرط في الحراك السياسي والاجتماعي بأليات لم يكن يجيزها من ذي قبل، ليس من مصلحة المخزن - وهو الذي يدرك قوة الإسلاميين في الساحة وكيف أنهم يمثلون العمق الأصيل عند الشعب -.

 

يستغل المخزن هذه السذاجة ويشعل فتيل الحرب، فترتفع هنا عند هؤلاء عبارات التهديد والوعيد، وهنالك أصوات الحرية، على هذه المتناقضات يتغذى المخزن، فهي التفعيل الحقيقي لسياسة فرق تسد، لا يريد المخزن أن تتوطد الثقة بين الشعب وبين الإسلاميين، وليس هناك أفضل من مثل هذه المناسبات لتَّأكيد أن الإسلاميين إقصائيون لا ديمقراطيون شموليون وكل صنوف القادحات التي تعرف والتي لا تعرف.

 

فخاخ المخزن هي هذه المعارك وأشباهها، ولذلك فإن الحكمة المثلى هي عدم مجاراته، ولا يطنن ظان أننا بهذا نكون ممن يعطي الضوء الأخضر لكل ناعق ليمس الذات النبوية الشريفة، كلا وألف كلا، وإنما ندعو إلى التبصر حتى لا يقع من يمكن أن يقع في فخاخ المخزن. لا ينبغي أن يتيه بنا المخزن عن الموضوع المحوري، معركتنا مع الاستبداد أصل كل فساد.

 

قضية عصيد فضح لتناقضات المخزن وإسقاط لادعاء الأمن الروحي، أمننا الروحي يكمن في وحدة الصف وجمع الكلمة، أمننا الروحي أن يستيقظ الفضلاء وأن يدركوا أن هذه الفقاعات ومن يثيرها هم فقط معول من معاول المخزن و أُلهية لكي يترسخ الشتات وتزداد الفرقة، يكفي فضحا أن مؤسسة الإسلام الرسمي ومن في فلكها، المريضة بمرض الخرس الأبدي إلا في المدح والثناء، لم تنطق ببنت شفة، لا نقول هذا حرصا على أن تتحدث أو تنطق فنحن أزهد ما نكون في مثل هذه المؤسسات الصورية لأننا ندرك وهي تدرك أنها ليست لخدمة الشعب أحدثت وإنما هي آلة من آليات المخزن، مهمتها التدجين.

 

خاب وخسر من سولت نفسه سواء بلغة الحداثة أو بأي قاموس لغوي أن يجعل من الذات الشريفة للنبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مجالا للطعن أو اللمز أو الهمز، هذا أمر منتهٍ لا نقاش ولا جدال فيه، لكن لا نريد أن تصبح العاطفة الساذجة مدخلا يستغلها المخزن ليضرب هذا بذاك، إذ ليست مهمتنا أن نلهث وراء كل دَعِيٍّ ينسب نفسه للبحث العلمي.

 

فخاخ المخزن محذر ينبغي ألا ننساق إليه، وإنما زيد وعمرو من أمثال من صرح ولمح وأدخل نفسه في موضة العصر وهي سباب الإسلام والنيل من سيد ولدن عدنان صلى الله عليه وسلم بحثا عن الشهرة والمجد. لو كان من أهل المروءة لما قال ما قال، ولوكان من أهل الفطنة لما جعل نفسه ألية من أليات المخزن.

 

فنحن أعقل من أن نُخدع.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة