ملاحظات حول نزيف العمل الجمعوي في المغرب
يوسف أريدال
من المعلوم أن الأدوار التي يقوم بها العمل الجمـعـوي في تأطير الشباب وتوعية وتطوير مداركه ومعارفه، لا يمكن أن ينكره إلا جاحد، والذي يعتبر قاطرة مهمة إلى جانب المؤسسات الشبابية الحزبية التي تعني كذلك بهموم الشباب وتفتح له أوراش للتعلم وتبادل الخبرات.
وانخراط الشباب سواء في العمل الحزبي السياسي أو العمل الجمعوي ـ يجعل الشاب ينفتح على مؤسسات وهيئات يستفيد منها ويمتلك آليات وأدوات تنفعه كفرد وتنفع مجتمعه وتعود عليه بالنفع، وتجنبه من الانحراف والسقوط في براثن عدة ظواهر وآفات يتعرض لها الشباب في مقتبل عمرهم .
لكن الجسم الجمعوي في العقود الأخيرة، عرف انكماش وضبابية أصبح تخيم على الواقع الجمعوي، مما خلق أنماط جديدة و دخيلة عن الميدان، وفتح المجال أمام انتهازيين، جعلوا من الجمعيات مقاولات استثمارية تعود عليهم بأموال وثكنات بشرية يستخدمونها في أغراض سياسوية وانتخابية، ضاربين عرض الحائط، قيم نبيلة في العمل الجمعوي كانت تجعل منه مؤسسة مهمة في التنشئة الاجتماعية .
وتكوين الناشئة على القيم النبيلة والمبادئ، وترسيخ فكرة التطوع منذ النشأ والبدل بدون مقابل، والعمل على اكتساب خبرات واكتشاف المواهب من خلال الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات والتعرف على ثقافات وإبداعات بفضل الجو الذي يوفره الفضاء الجمعوي، والذي يساعد الشباب على الثبات على القيم والمبادئ ويوفر لهم فرص في إيجاد بيئة تحفظهم من الوقوع في شباك الانحراف والانسياق وراء شبكات الجنس وتعاطي المخدرات وكل الموبقات، التي تعود على المجتمع بظواهر اجتماعية مشينة ، وجرائم وحوادث يندى لها الجبين، وما ينشر على صفحات الجرائد الورقية والالكترونية من جرائم قتل الأصول واغتصاب الأطفال الصغار وارتماء الشباب في سنوات مبكرة في حضن المخدرات و شبكات الدعارة، سوى مؤشرات على وجود خلل في مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والتي يعتبر العمل الجمعوي مؤسسة مهمة إلى جانب باقي المؤسسات .
تفشي هذه الجرائم والحوادث الغريبة عن المجتمع المغربي الإسلامي تجعلنا ندق ناقوس الخطر حول الهجمات الموجهة لمؤسسات التنشئة الاجتماعية، وما الأوضاع التي يعيشها العمل الجمعوي والمآل الذي وصل إليه، بعد سنوات من التهميش المتعمد والممنهج، وتخريب هذه القاطرة المهمة في التنمية البشرية، من خلال حجم الميزانيات المرصودة للوزارة الوصية والذي في الغالب ما توجه في مصاريف الموظفين ومستلزمات المؤسسات والإدارة المركزية، في غياب تجديد وإصلاح مقرات دور الشباب المهترئة أو بناء دور أخرى أمام النمو الديموغرافي الكبير الذي يشهده المغرب ، فحوالي 500 دار الشباب بالمغرب يبقى رقم قليل جدا، في ظل ارتكاز تلثين منها بالمجال الحضاري ، غير كافي لقيام الجمعيات بالرسالة المنوطة بهم على أحسن وجه ، فقلة دور الشباب وانعدام المستلزمات المتطلبة للعمل الجمعوي وقلة القاعات، وغياب الكهرباء عن بعض الدور وإغلاق بعض المرافق لعدم وجود ميزانية لإصلاحها .تجعل من العمل الجمعوي، وتبليغ رسالته النبيلة وقيم التطوع في مهب الريح.
فبعدما أصبحت دور الشباب في قاموس المسؤول المغربي هي عبارة عن أربع جدران ومدير يتحكم في الجمعيات وأنشطتها، ويتدخل في برامجها ،وإن عارضت مقترحاته وأفكاره فما لها إلا الإقصاء والمنع من القاعات والمستلزمات إن وجدت، والريع الجمعوي الذي ترزح تحت وطأته الجمعيات، لم يقتصر عند هذا الحد، وإنما أفرز لنا فاعلين جمعويين وجمعيات أصبحت أذرع وقطاعات موازية لأحزاب لتصريف الخطابات السياسوية، وجعلها قناة للاستقطاب السياسي واستغلال المشتغلين في هذا المجال إلى كتلة مهمة في الحملات الانتخابية ( مما أفرغ الرسالة الجمعوية من حمولتها التربوية و التوعوية ـ وجعلها لقمة صائغة في أيدي سياسيين فاسدين وفاعلين جمعويين انتهازيين ) وظهور جمعيات وهمية تشتغل موسميا، وفي مناسبات معينة ( مهرجانات / دوريات /معارض ....) من أجل الظهور في الساحة الإعلامية ، ليفتح لها المجال للبحث عن مصادر التمويل وشَركات مع مؤسسات لتنويع مداخليهم المالية والتي يستغلوها لمآربهم الشخصية، في ظل غياب مؤسسات للمراقبة والمحاسبة وآليات الحكامة في المجال الجمعوي.
واقع الجمعيات في ظل هذا الوضع المزري الذي ينخر أركانه منذ سنوات، أفرغ الرسالة الجمعوية من حمولتها التربوية والتوعوية وأفقدنا بالتالي قاطرة مهمة للتنشئة الاجتماعية، ونتائجها بادية في عديد من الظواهر الاجتماعية التي يتخبط فيها المجتمع المغربي.
بعث وإحياء المجال الجمعوي أصبح مطلب ملحا، أمام تزايد النكبات التي يتعرض لها، والهجمات الشرسة من طرف سماسرة الجمعيات، يتطلب منا إصلاحا مجتمعيا متكامل يلامس جميع المجالات والقطاعات ويضع استراتيجيات شاملة تنطلق من إعادة التعليم لصلب أولوياتنا وإعطاء مؤسسة الأسرة مكانتها الريادية في تربية الأبناء وتكوينهم، فالإصلاحات الجزئية والقطاعية أثبتت فشلها الذريع مع توالي الحكومات .