حاكمنا الذي ينطق عن الهوى

حاكمنا الذي ينطق عن الهوى

رشيد أخريبيش

 

أيها الشعب الطيب ، أنا حاكمك الأبدي فلا تبتئس بما أفعل ، ولا تيأس من شخصي ولا تشمئز ، ولا تحاول أن تثور ضدي فما ثورتك إلا منبع للفتن ، أيها الشعب أنا القائد الذي لا يقهر ، والصنم الذي لا يهزم ، والديكتاتور الذي لا يمكن إزاحته ، أنا من بنيت الأوطان ومستعد لتدميرها حين تطالب بالحرية ، أيها الشعب الكريم  أنا الذي علمتك الديمقراطية عبر الوراثة ، أنا حاكمك بلا نهاية ، أنا العقل الذي تفكر به وأنا الضوء الذي ينير طريقك للحق كما أراه أنا لا كما تراه أنت ، كما لا أنسى أن أخبرك أيها الشعب الطيب الذي دأبت على استعباده على أنني أنا الانتقام كلما حاولت أن تطالب بحقوقك المشروعة ،مشروعيتي لن تنتهي إلا بالموت المحقق انتهى كلام حاكمنا المبجل  الذي ينطق عن الهوى.

من يتمعن في حكامنا العظام أصحاب الأوسمة والنياشين ، سيعتقد وبلا شك أنهم أشد حرصا على السلطة أكثر من غيرهم ، بل إن هؤلاء مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجل البقاء حكاما على الشعوب ، يستمدون الشرعية من أبنائها كرها  هذا هو حال جل الزعامات في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير فلا شرعية إلا شرعيته ، ولا ديمقراطية إلا ديمقراطيته ، والحديث عن التغيير هو في نظرهم جرم ما بعده جرم يستحق صاحبه الموت أو الزج به في غياهب السجون فذلك أضعف الإيمان. 

لا شك أن ثورات الربيع الديمقراطي التي انطلقت في العديد من الدول العربية وفي دول المغرب الكبير ، والتي أدت إلى إسقاط ثلة من الجبابرة الذين حكموا الشعوب بالقوة سيعتقد أن هؤلاء بالفعل تستهويهم السلطة ولا يستطيعون التنحي عنها ولا يمكن لهم التخلي عن عرشهم إلا بإحدى الحسنيين إما موت محقق من عند الله ، أو بسبب ثورات شعبية حين تستيقظ الشعوب من سباتها العميق ، وتقرر القطع مع زمن الاستعباد والديكتاتورية ، أما دون ذلك فلا مجال لهذا الزعيم للتنحي عن هذه السلطة التي اكتسبها ظلما وعدوانا .

بعد أن قرر الشعب الليبي أن ينتفض ضد الزعيم الذي تفنن في اختيار أسماء تليق بعظمته وسلطانه ، كانت ردة فعل هذا الأخير هي مواجهة هذه الثورة أن خرج على الشعب واتهمه بالعمالة للغرب واعتبر الخروج عنه كفر ، ودعا للقتال ضد من أسماهم بالجرذان ، ووعد بأن لا يغادر ليبيا إلا بالموت وإحراق البلد ، وكان وعدا مفعولا ، حيث فضل الزعيم والقائد المغوار أن يشن الحرب على الشعب على أن يرضخ لإرادة من استعبدهم على مر عقود من الزمن.

حب السلطة لدى الديكتاتور شيء طبيعي بل أكثر من ذلك فالسلطة تشكل شريان حياة بالنسبة إليه ، ولا يمكن التخلي عنها ، بل يفضل هذا الزعيم المحبوب عند الجماهير كرها ، أن تشيع جنازة شعبه على أن تشيع جنازته ، ويأبى التنحي حتى لو كلفه ذلك التضحية بشخصه وأبنائه وأسرته وأمواله التي جمعها من عرق جبين الشعب المظلوم وقد قالها صدام حسين يوم قيل له " إنه مهما طال عمر الزعيم فإنه صائر إلى الموت لا محالة فلم لا يفتدي الشعب بنفسه فأجاب الزعيم الذي لا يقهر من طرف شعبه فقط بالحرف الواحد وقال " إن أي شخص يتخيل أنني قد أترك حكم العراق قبل أن أجعله أرضا يبابا لا حياة فيها فإنه واهم ، فلو قدر لهم تسلم العراق بعدي فلن يتسلموه إلا خرابا " انتهى كلام الديكتاتور.

كل ديكتاتور مهما كان وبأي طريقة جاء إلى السلطة فإن بدايته ونهايتة معروفة ، فالبداية التي تأتي غالبا عبر انقلاب عسكري أو عبر الوراثة يحاول من خلالها البحث عما يمكنه من إضفاء الشرعية على حكمه الديكتاتوري عبر حاشية تعودت الدجل والعبودية والولاء لهؤلاء الحكام ، لتجعل منهم طغاة مستكبرين على الشعوب ، يحتقرونهم ويدوسونهم ، ويدوسون مصالحهم لتكون بذلك البداية الناجحة للاستبداد ، أما النهاية فلا شك أنها أيضا معروفة التشبث بالسلطة والموت من أجل الكرسي حتى وأن كلفه ذلك إحراق البلاد والعباد.

لا شك أن الكل يرفض الاستبداد والديكتاتورية ويكن كرها شديدا لهؤلاء الذين يستعبدون البشر والحجر، ويسخرون كل ما يملكون من أجل مدحهم والتغني بأشخاصهم ، بل والتسبيح بحمدهم كما نرى الآن في سورية سجود وتسبيح باسم بشار الأسد الذي يقول للشعب السوري كما قال فرعون لبني إسرائيل " أنا ربكم الأعلى " ما علمت لكم من إله غيري " لكن السؤال المطروح هو إذا كنا نرفض الديكتاتورية ، ونرفض أن يتم استعبادنا من طرف شخص مريض بمرض السلطة مستعد أن يبيدنا جميعا من أجل الكرسي فلماذا نحاول أن نساهم بقسط معين في استمرار هؤلاء في السلطة ونعطي لهم ذريعة للبقاء إلى مالا نهاية؟

بالرغم من اتهامنا للأنظمة الديكتاتورية بأنها هي من أوصلت شعوبنا إلى الحضيض ، وبالرغم من أننا نحملها حصة الأسد في كل ما وصلت إليه دولنا من أزمات فإننا يجب علينا أن نلوم أنفسنا ، ونوجه سهام النقد اللاذع للشعوب التي طالما صفقت لهذا الحاكم ، وجعلت منه إله يعبد من دون الله ، فخسرت بذلك حريتها وكرامتها ، سمحت لنفسها أن تعيش تحت الظلم والاستبداد والقهر ، في سبيل أن يحيا الحاكم الديكتاتور ويستمر في السلطة إلى أجل غير مسمى.

لذلك لكي لا يتكرر ما نحن بصدد الحديث عنه ، ولكي لا نعيد نفس التجارب التي عانت منها الشعوب العربية والإسلامية ، بل ولكي لا نعيد أمثال الطغاة من صدام وبن علي وحسني مبارك وعبد الله صالح وبشار الأسد وآخرون لا زالوا في السلطة ينتظرون دورهم  ويحاولون إبعاد خطر الثورة على بلدانهم ، يجب علينا أن نغير عقليتنا أولا ونظرتنا إلى الحكام وأن نسقط عليهم طابع القدسية والعبادة ، أما دون ذلك فقد يتكرر الطغاة بأسماء جديدة وبأشكال جديدة وبالتالي لن تستطيع الديمقراطية أن  تقدم من  الضمانات للشعوب ما يحول بينها وبين سيطرة هؤلاء ، فتغيير الإنسان هو السبيل الذي يمكن لشعوبنا أن تتحرر به وتتذوق طعم الكرامة الذي غاب عنها لقرون ، أما الحديث عن الإطاحة بالديكتاتور أو قتله أو حتى إرغامه على الهروب ، فأعتقد أنها من قبيل العمليات الجراحية التي لا تستطيع أن تستأصل المرض من أصله ، لأن عدم قيام الشعوب بدورها عبر رفض الديكتاتورية كيفما كان نوعها قادر على أن يمهد الطريق لديكتاتور ربما يكون أشد تسلطا ممن سبقه ، بل قد يكون الاستبداد شموليا يلغي الإرادة ويدمرها عن بكرة أبيها وبالتالي ضياع الشعوب والأوطان للأسف.

 

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة