أحداث مصر...الاستنتاجات الكبرى
عبد الرحيم بندغة
ما حدث ويحدث في بلاد مصر يستدعي الكثير من التحليل ، ويحتاج الى الوقوف عنده بشكل مطول ، والى التأمل في كل حيثياته لاعتبارات اهمها:
- دور و مكانة مصر في العالم الاسلامي والعربي. فكل ما يقع في مصر من تغيّرات وتطورات تنعكس بشكل ضمني وآلي على محيطها العربي و الإسلامي، بل تؤثر بشكل او بأخر في صنع الخرائط السياسية لدول المشرق والمغرب سواء بشكلي جزئي او كلي .
- انها اول تجربة ديمقراطية حقيقية داخل البلاد العربية، اكثر من دلك تعد هده أول تجربة يقودها اكبر و اقدم تنظيم اسلامي ، بل هو -حسب رأي بعض المتتبعين - التنظيم الذي يحمل المشروع الاسلامي بشكل جدي وعملي، قابل للتلاؤم ومقومات الدولة المدنية المنشودة بعد الثورات العربية ، عكس دولة المرشد في إيران و دولة الملالي في باكستان، و الدولة الوهابية المغلوقة في السعودية .
- ان ما حدث هو انقلاب عسكري غير تقليدي –ساهمت فيه اخطاء الرئيس مرسي - رغم التبريرات التي قدمت على انه ليس كذلك، ولعل ما ترتب عليه من سلوكيات من طرف الحكام الجدد يفضح كل تلك التبريرات –وضع الرئيس تحت الاقامة الجبرية ،اعتقالات عشوائية للمعارضة،اغلاق وسائل الاعلام...- بل أكثر من دلك يمكننا اعتباره انقلابا عسكريا "متطورا" على اعتبار ان النموذج الكلاسيكي يتم من قبل اشخاص في المؤسسة العسكرية فقط، دون اي تدخل اخر سواء من الداخل او الخارج ، اما ما حدث في مصر فهو انقلاب عسكري على رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية ، بمساعدة وتحت غطاء قوى للمعارضة(الليبرالية ، الديمقراطية والعلمانية ..)، ومؤسسات مفروض فيها الحياد التام (الازهر الشريف ، الكنيسة )،وشباب الثورة(الدين تم استغباءهم من طرف العسكر.
اما خارجيا فقد بدا واضحا مساهمة انظمة البترودولار في دلك ،ولعل في تبرعاتها المالية المفاجئة على مصر بعد الانقلاب نيتها الخبيثة لكل ما هو اصلاحي و ديمقراطي وحر . وهي التي اعتادت على الاستبداد و الديكتاتورية و الفساد و منطق العشيرة و القبيلة، كما تم هدا الفعل بمباركة القوى الدولية العظمى ودليل دلك انها لم تشأ تسمية ما وقع بمصطلح الانقلاب رغم انها نددت باقل من دلك و سمته انقلابا .
مما حدث ويحدث نستخلص الاستنتاجات التالية :
منطق التوافق اساس نجاح اي ثورة في المرحلة الانتقالية : الاطاحة بالأنظمة الاستبدادية و الديكتاتورية من خلال الثورات، فعل يتم عادة من طرف عدة اطراف كما حدث في مصر ، ولعل ابرز فعل لإنجاح المرحلة الانتقالية هو العمل بمنطق التوافق، و ليس بمبدأ الية الانتخاب الذي يفرز اغلبية و اقلية – على اعتبار ان المرحلة هي لحظة لبناء النظام السياسي ككل ،ومؤسساته و منظومة الحكم كاملة ، و ليست فقط لحظة لتطبيق برنامج انتخابي حزبي مرحلي - وهدا بالضبط ما لم يفعله الاخوان و الرئيس مرسي، ودلك عكس ما فعلته حركة النهضة و الغنوشي في تونس، عندما تخلوا لحلفائهم العلمانيين عن مؤسسة الرئاسة والمجلس التأسيسي رغم الاغلبية الساحقة التي فازوا بها . والتوافق المطلوب و المستحب هو الذي يتم مع من يمتلك رصيدا من المصداقية عند الشعب كحزب الوفد ،والحزب الناصري ، والتيار الشعبي وشباب الثورة المصري .و لا يجب ان يتم مع الفلول "كعمرو موسى" و الفاسدين او المشبوهين كحال البرادعي صاحب تقارير تدمير العراق.ودلك لحصر الفلول والخونة .
الاخوان المسلمون تنظيم حديدي:ككل التنظيمات الاسلامية في العالم يتميز الاخوان المسلمون بخاصيتي التنظيم و الانضباط الحديدين ، فمباشرة بعد اعلان الانقلاب نزلت حشود كبيرة الى الشوارع .ففي القاهرة لوحدها امتلأت ثلاث مراكز دفعة واحدة : رابعة العدوية، محيط جامعة القاهرة، مقر نادي الحرس الجمهوري و بأعداد كبيرة،وكذلك كان الحال في مدن اخرى كالإسكندرية و المنوفية ومدن الصعيد... في ظرف قياسي ،على عكس مظاهرات ميدان التحرير يوم 30 يونيو و التي تطلبت التعبئة اليها اياما طويلة، وبتسهيل أجهزة من الدولة (شرطة، مخابرات، أمن الدولة، أطراف من الجيش....)
بالإضافة الى العدد الكبير وسرعة النزول ،هناك خاصية الانضباط الكبير وسط الأنصار -الطاعة - فمباشرة بعد تقرير النزول الى الشارع كان الكل في الموعد وبدون تردد ،ومن كل افراد الجماعة و المتعاطفين ، وهي خاصية للحركات الاسلامية قاطبة (ماحدث مع قرار جماعة العدل والإحسان في المغرب بعدما قررت وقف مشاركتها في حركة 20 فبراير المغربية اسبوعا بعد دلك وكأن الحركة لم تكن ).
مؤسسة الجيش الحياد منهجها: استقرار اي بلد يتمثل في حياد المؤسسة العسكرية عن اي صراع بين مكونات الحقل السياسي ، ولا اقول بين الشعب و النظام المستبد ففي هده الحالة واجب على الجيش ان ينحاز الى الشعب لا الى النظام –كما فعل الجيش المصري في ثورة 25 يناير – اما ما فعله في 30 يونيو فهو انحياز تام لطرف على حساب آخر، و الادهى من دلك انه ورط نفسه في تدخل ضد متظاهرين عزل -مذبحة الحرس الجمهوري- حسب تقارير الصحافة الدولية ،والمنظمات الحقوقية :العفو الدولية ، المنظمة العربية لحقوق الانسان...لدلك ضيّع هدا الجيش كلما جمعه سنين طويلة من احترام وتقدير في لحظة غير محسوبة بشكل دقيق.
التيار السلفي متواضع في امور السياسة :لا يمتلك السلفيون خبرة طويلة في الشأن السياسي ، فكل علاقتهم بالسياسة حتى محطة الربيع العربي هو طاعة اولي الأمر كيفما كان(طاغية ،عادل، مستبد ..)حسب فتاوى مشايخهم و علمائهم، وفجأة وجدوا انفسهم داخل المعترك بعد سقوط نظام مبارك مع قوى سياسية لها تجربة وباع طويل في الساحة كالإخوان المسلمون ...لدلك كان طبيعيا سقطوهم بسرعة في اول امتحان، وتخليهم عن حلفائهم في اول عقبة، عندما باركوا انقلاب العسكر دون تريّث ومراعاة لشرعية الصندوق ،بل شاركوا في صنع قرار الانقلاب ،و هم بدلك يحتاجون لسنوات طويلة من الممارسة السياسية حتى يستطيعوا السير بدون حوادث.
المعارضة "الديمقراطية" تعاني الفراغ التنظيمي و الخواء الفكري : لم تستطيع المعارضة المصرية مجتمعة وبمختلف تلاوينها (الليبرالية، الديمقراطية، العلمانية...) من اقناع الناخبين المصرين في انتخابات الرئاسة،وعوض ان تشتغل على تدارك نواقصها وتحديت آليات خطابها استعدادا للرئاسيات المقبلة استندت الى العسكر لانقلاب على الرئيس المنتخب بعدما فشلت كل محاولتها السابقة للإطاحة به ،بل اكثر من دلك تحالفت مع رموز النظام السابق و كل رموز الفساد داخله، وهي بدلك تبرهن عن ترهل فكري وتنظيمي - خاصة احزاب اليسار وهو حالها في كل الدول العربية- تعاني منه ، بل خسرت وستخسر ما بقي في رصيدها من احترام شعبي نتيجة لدلك.
المؤسسات الرمزية و واجبها الحياد:سقط شيخ الازهر ،في فخ العسكر وورط مؤسسته في الصراع الدائر بين طرفين مصريين ، وهي المؤسسة التي عرفت باحترام وتقدير كل المصريين لها على مر التاريخ ، وكذلك كان حال رمز الكنيسة. وكان الاصوب لهما البقاء على مسافة متساوية من الجميع لكونهما رموزا وطنية لا عناصر فاعلة في النزاع.
انظمة الخليج اوكار للفساد والاستبداد :افزعت ظاهرة الربيع العربي كل الانظمة حتى تلك التي لم تصلها حركيا –نعتقد ان دورها ات لامحالة- ولعل انظمة الخليج العربي ابرز الخائفين من كل ما يقع من تغيير في المنطقة ،حيث سارعت الى احتواء اي حركة تغيرية – كما فعلو في البحرين – واستعداء كل الدول التي شهدت تغييرا بفعل الاحتجاج الشعبي كمصر وتونس. وبرز هدا السلوك من السعودية التي حرم علمائها الاحتجاج على اولي الامر رغم استبداده، و كدا الامارات صاحبة العداء التاريخي لتنظيم الاخوان المسلمين،ولعل ما يفضح هده الدول حجم المساعدات التي اغدقوها على مصر مباشرة بعد الانقلاب .
الاعلام سلاح من لا سلاح له: لعب الاعلام دورا بارزا في توجيه الصراع داخل مصر حيث كل القنوات العامة والخاصة ظلت تهيّج الشارع ضد مرسي، و نجحت في تأليب العديد من الناس ضده مما سهل على خصومه الحشد في 30 يونيو.
الغرب لايطبل الا للديمقراطية التي تخدم أجندته القوى الغربية لا تعترف بالديمقراطية ادا اوصلت من لايخدم مصالحها ومصالح إسرائيل، لدلك قالت امريكا انها تحتاج لوقت طويل كي تميّز ما حدث في مصر هل هو انقلاب عسكري ام ثورة شعبية ؟و اوربا صامتة وكأنها مصابة بداء الخرس.
حفظ الله ارض مصر بما حفظ الذكر الحكيم.