حجاب رمضان: من تجليات الرحمة أم مظهر نفاق...
جواد فهمي
مما لا شك فيه أن شهر رمضان هو شهر الخيرات والبركات، هو شهر القرب من الرحمان، ومرد ذاك كله يرجع لكونه شهر القرآن، فلا عجب والحال هذه، أن تظهر فيه من سمات وعلامات التدين ما يختفي أو يقل في غيره من الشهور والأيام، فالازدحام في المساجد، وأداء الصلوات في أوقاتها في بيوت الرحمان مع حرص على الذكر والقيام، وحضور للمرأة في الشارع بلباس يوافق ما حكاه الله في القرآن إلى غير ذلك من مظاهر تومئ إلى إقبال الناس على شرع رب العالمين في بعض جوانبه وجزئياته، أمر لا يمكن إنكاره بحال .
إلا أن هذا كله ليس مصوغا للسكوت عن قضايا أو قبولها بدون بحث فيها ومعرفة أسبابها وآثارها، وإن كانت قضية من اللواتي قد يقال فيها أنها شأن له تعلق بالأفراد واختياراتهم، وأن النقاش حولها تضييق عن حريات الناس وتدخل في الخصوصيات، واهتمام بما لا ينبغي أن يهتم به فهو من قبيل سوء فهم للأولويات...
كلا، إن زرع بذور النفاق، وجعل الناشئة تتلقى مفاهيما معكوسة عن مدلولات الأشياء فيشتد عودها وقد حصل لها التطبيع التام مع فعل الأمر ونقيضه، وتعتبر ذاك من قبيل ما ينبغي أن تتقبله العقول والقلوب بالقبول، وكأنه يستمد قوته من أمر أيده العقل أو أثبته الشرع، لهذا هو الخراب ولهو الفساد وهو عين الاستبداد وذروة سنامه، وكيف لا يكون الشأن كذلك ومن ''أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النّفس على العقل''[1] .
كيف نريد أن نصنع جيلا من قيمه: الوضوح مع الذات وأن يكون هو كما هو، فيكون صادقا مع نفسه صادقا مع الناس صادقا مع ربه، وهو تشبع بمظاهر الخداع والنفاق منذ الصغر، إنها جريمة ترتكب في حق صغار لا إثم لهم إلا أنهم نشأوا في بيئة كثر فيها الجهل وقل فيها العلم فكثر فيها كل ما يجعل حضور للضباب في المشهد ويغيبب عنه الصفاء والوضوح والاعتدال في الميزان...
كم كان المشهد مؤلما لما نزع صبي لا يتجاوز العشر سنين لأخته قطعة قماش كانت تضعها على رأسها في محاكاة للمحجبات سترا لشعرها، ولما أبت لذلك استجابة لفطرتها وبعد تدخل رجل كان بصحبتهما يبدو أنه أب لهما، ما كان جواب الصبي إلا عبارة هي بسيطة في كلماتها وصياغتها لكنها عميقة في مدلولها ومعناها: ''ياك ماما غي تتخرج من الجامع تتزولها''...حينها فقط ازداد ألمي لما تذكرت من حسبتهم أهل خير وفضل وممن ينتمون لقطاع التربية والتعليم وإنما هي لحظات قليلة فإذا بهم نزعوا عنهم لباس التقوى ليستبدلوه بما هو أدنى وينشروا صورهم هنا وهناك وكأنهم يريدون أن يعلنون للعام والخاص ما أنجزوه، وقلت ما جواب هؤلاء غدا لما يقفن بين يدي رب السموات وتأتي أجيال ممن اعتبروهن قدوتهن فيشهدن فيهن بما خلفوا في أنفسهن من سوء فهم وبيان، وهن يرون معلماتهن يحتقرن أمرا من أوامر القرآن وفي أقل الأحوال نبذوه وطرحوه بعدما اختاروه
إن الحاجة ماسة أيها السادة لوقفة مع الذات واستنطاقها ومعرفة الهوية، إنما هي أيام قليلة مهما طال الزمن ويعود كل منا لداره ومستقره ومأواه، حينها لن ينفع جاه ولا جمال ولا مال، ولن ينفع عري وإظهار وتصريح بالممتلكات، وما هو بنافع هنا حتى ينفع هناك، وبئس النفع الذي لا يتأتى إلا بإظهار ما حقه الإخفاء، فقيمة المرء في أفكاره وقيمه لا في غيرهما من الأشياء.
إنها كلمات أردت أن أهمس لكم بها لعل ربي يجعل فيها ما يعيد كفة الميزان للاعتدال، وإن كنت قد خضت في هذا الأمر بشدة وما قد يظهر فيه قسوة وغلظة إنما هو من قبيل الحرص على أمر أراه أنه لا يليق بمخلوق كرمه الرحمان وخلقه في أحسن صورة وزينه بالإسلام أن يحيد عنه بعدما اختاره الله لذاك واصطفاه، وما قلته هو يصدق على بعض الناس دون غيرهم وإلا سيكون ما قلته تعميم يجعل القول يفقد صدقه ورجحانه، وإني لي يقين أن كثير ممن أقبلوا على ربهم في رمضان إنما طاعة وطمعا في الغفران . أسأل ربي أن يزيدهم خيرا وأمنا وأن يعيد غيرهم للحق دون خسران. وأختم مقالي هذا بجواب أحد الأصدقاء لما سألته بما جعلته لهذا المقال عنوان فكان جوابه ''المهم لا تختار من تكون زوجة لك في هذا الشهر خلي حتى يخرج هاذ الشهر وتعرف شكون كان ينافق ويعبد الله غي فرمضان'' .