نعم هي ثورات بطعم المؤامرة .. !
أنور المسعودي
لحدود بداية ما يسمى بثورات الربيع العربي , لم تكن لنظرية المؤامرة كبير شأن في تفكيري لأني كنت من أكثر المقتنعين بعفويتها و بكونها لحظة من لحظات التغيير الكبير في ذلك الوعي المنشود لدى شعوب المنطقة و التي ظلت منزوعة الحرية لعقود من الزمن تقاد بحسب أهواء حكامها , ورغم إيماني أيضا بأن أعين القوى الكبرى أبدا لم يرف لها جفن في هذا الجزء من العالم بسبب حرصها على مصالحها و ما تراه "كوطة" في ثرواته الطبيعية من بترول وغاز , لكن و بالرغم من كل هذا لم أتحمس لتسمية ما يجري ب "المؤامرة" و التي تحاك خيوطها بدهاء و مكر شديدين للسبب الذي ذكرته باعتبارها انتفاضة ضد ممارسات الذل و المهانة من طرف أنظمة الحكم فيها و نزوعا نحو الحرية.
بالتدريج بدأت قناعاتي تتغير و تميل لما يسميه العديدين بالمؤامرة, كيف لا و ما نراه من خطط تحاك في السر و العلن ضد ما تبقى من نخوة و كرامة و مقاومة للمشروع الصهيوني المقيت , فلنا ما يحدث في سوريا عبرة لمن لم يستوعب بعد أن خططهم و مؤامراتهم هي على قدم و ساق لضرب مشروع المقاومة , وقد استغلت مطالب الناس بالحرية و ذلك عبر تحييد مسارها و نشر مختلف الدسائس للإيقاع بين دعاة الحرية و حركة المقاومة , فصدق أو لا تصدق أن من كانوا للأمس القريب ولو ' نظريا ' من أشد الأعداء و أقصد هنا أمريكا و تنظيم القاعدة صاروا بقدرة قادر أحباب و أصدقاء على أرض المعركة التي أرادوها مدمرة لبلد الحضارة و التاريخ سوريا , و الكل صار يعلم طبيعة العلاقة المشبوهة بين الأمريكان و صنيعتها "القاعدة" و التي تبلورت أكثر في أرض العراق لتبرير احتلالها له و قيامها بواحدة من أكبر المجازر في تاريخ الإنسانية لكي تتمكن من بسط سيطرتها على منابع الذهب الأسود فيه, وقد نجحوا في مسعاهم.
و ما زاد الطين بلة أيضا هي ورطة الإسلام السياسي الذي خانته أولى خطواته في عالم السياسة القذر و الذي يختلف عن ذلك الجانب الدعوي الديني الذي ميزهم لعقود وعقود , فقد اكتشفوا أن ما كانوا يتصورونه شيء و ما في أرض الواقع شيء آخر فخانت قياداتهم مبادئ الجماعة بتنازلات كبيرة و هكذا كشرت عن أنيابها و أثبتت للناس أنهم طلاب سلطة لا أقل و لا أكثر همهم الحصول على أكبر عدد من المناصب , فكانت النتيجة أن القوى التي راهنوا عليها و على رأسها أمريكا إنقلبت عليهم و تخلت عنهم في لحظة زمن , و هم الآن يدفعون ثمن الحصان الخاسر الذي وثقوا فيه.
المسرحية تستمر فصولها بدخول الطرف التركي في المعادلة فيما يشبه الحنين لذلك العصر العثماني و الذي يسعى للعودة لسابق وهجه بشتى الأشكال , و التساؤل المطروح هل الحكاية التركية العربية هي بتلك الرومانسية التي يصورها البعض عن تركيا الشقيقة و الأخ الأكبر و توصيفات أخرى , بينما حقيقة العلاقات بين الدول تحكمها المصلحة أولا و أخيرا , فتركيا لا تريد أن تخلي الساحة للأمريكيين و الأوروبيين و الروس , لذلك تراهم أيضا يسجلون حضورهم عبر دعم الجماعات المتطرفة في سوريا و الدخول في تحالفات تحفظ لهم نصيبهم . أما الإيرانيون و الروس فلهم أطماعهم التي لا يخفونها و دعمهم لأي طرف فهو مشروط بسلسلة طويلة عريضة من الشروط .
و لاستيعاب الفكرة أكثر فنظرة خاطفة على وجهة نظر الكيان الصهيوني و ما تحمله جرائدهم من تحليلات تزيح شيئا من العتمة حول هذا الموضوع , فهم مقتنعون بأن النيران المشتعلة في أكثر من بلد عربي ستجعلهم أكثر قوة بسبب حالة الدمار و الخراب التي تعاني منها بلدان محورية و فاعلة في محيطها العربي مثل سوريا و مصر بالرغم من اختلاف السياقات لكل منهما , لكنها في الأخير تصب لمصلحة الكيان المحتل .
الأمثلة كثيرة و عينة منها تكشف المستور عن خدع تدار بعناية من طرف القوى الكبرى في هذا المسرح العربي من عديد الأطراف الطامعة و الراغبة في التأسيس لواقع جديد هدفه تقليم أظافر من لا يرضخ لإرادتهم, وحدها تلك الصور التي طالعتنا عليها عديد المواقع مؤخرا لفيديو يظهر عقيدا من قوات النظام السوري ملقيا لسلاحه و متجها نحو عناصر من الجيش الحر عارضا عليهم حسن نواياه بعد أن أعطوه الأمان و ما تلى ذلك من نقاش إنساني راقي بين أبناء البلد الواحد , وحدها هذه الصورة حركت مياه الإنسانية لدى الكثيرين و جعلت لصوت العقل مكانا و سط حرب عبثية تجري بالوكالة عن جهات لا هم لها سوى ضمان مصالحها و ان كان على حساب مواطنين أبرياء.