مفتاح الشرور
أحمد حجاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يُعرَّف الغضب بأنه:« ثورانٌ في النفس يحملها على الرغبة في البطش و الانتقام ».[ من صور الإعجاز النبوي التربوي: د. صالح بن علي بن عراد]
و̛عرﱟف أيضا بأنه:« تصرف انفعالي يصدر ردا على موقف استفزازي قد يفقد فيه الغاضب تعقله واتزانه.»[ الهدي النبوي في منع ومعالجة الغضب/د. محمد العجرودي /موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة].
يقول الشاعر: ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم *** عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب
وقد قيل: « إن الغضب جماع الشر ، وإن التحرُّز منه جماع الخير».
حقا ان الغضب مفتاح أبواب كثير من الشرور، فآثاره وخيمة، ونتائجه خطيرة، وأضراره كبيرة، فكم من بيوت ̛خربت بسببه، وكم من أرواح ̛أزهقت، وأرحام ̛قطعت، وكم من صداقات ̛دمرت، وأجسام اعتلت، وقلوب توقفت. ولقد حذر النبي صلى الله عليه سلم من الغضب، ونهى عنه. فعن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ ( أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَوصِني، قال: ( لا تَغضَبْ ). فردَّد مِرارًا، قال: ( لا تَغضَبْ) [صحيح البخاري].
قيل لابنِ المبارك: (اجْمَعْ لنا حسنَ الخلق في كلمة، قال: تركُ الغضبِ) [جامع العلوم والحكم / ابن رجب].
وقال ميمون بن مِهران: (جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أمرتني أنْ لا أغضب وإنَّه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإنْ غضبتَ، فامْلِكْ لِسانك ويَدَك).[ نفس المصدر ].
أنظر إلى الغاضب، وقد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، وجحظت عيناه، فانقلب من شخص هادئ إلى بركان ثائر، ومن إنسان وديع إلى وحش كاسر، وأصبح كالسيل الجارف يأخذ كل ما يجده في طريقه، وكالريح العاتية تدمر كل شيء.
وانظر إليه كيف ينقلب في ظرف وجيز من إنسان رزين ومتعقل إلى مجنون لا يفرق بين الشيء وضده!!
وانظر إليه كيف يتحول إلى وحش هائج يرعد ويزبد، ويسب ويشتم، وقد كان قبل غضبه معروفا بالحلم وجميل القول!!
فلو أنه ̛سجلت أقواله لحظة غضبه ثم ̛أسمعها بعد هدوئه لتبرأ منها، ولو أنه ̛صورت أفعاله وحركاته ثم ̛عرضت عليه بعد سكونه لأنكرها.
ألا يعلم هذا الغاضب أن قوة الرجل ليست بغضبه وسبه وشتمه، وإنما قوة الرجل في امتلاك نفسه، وسيطرته عليها، وكبح جماح غضبه.
قال صلى الله عليه وسلم:( ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ ) [رواه الشيخان].
ولقد أعد الله سبحانه وتعالى الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن يضبط نفسه ويكظم غيظه ويتحلى بالعفو والصفح.
قال تعالى: ﴿ سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 133- 134].
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن جَرعةٍ أعظمُ أجرًا عندَ اللَّهِ، من جَرعةِ غيظٍ كظمَها عبدٌ ابتغاءَ وجهِ اللَّهِ) [صحيح ابن ماجة]
«وجدتُ كتاب الله تعالى قد سبق العلماء إلى الحديث عن علاج لهذه المشكلة. فكل إنسان يغضب تتسرع دقات قلبه ويزداد ضغط الدم لديه، ولذلك يؤكد القرآن على أهمية أن تجعل قلبك مرتاحاً ومطمئناً وتبعد عنه أي قلق أو توتر أو تسرع في دقاته أو ازدياد في كمية الدم التي يضخها القلب. ولكن كيف نحصل على هذا الاطمئنان؟. إنه أمر بغاية السهولة، فمهما كنتَ منفعلاً أو غاضباً أو متوتراً يكفي أن تذكر الله وتستحضر عظمة الخالق تبارك وتعالى فتستصغر بذلك الشيء الذي انفعلت لأجله، ولذلك يقول تعالى عن صفة مهمة يجب أن يتحلى بها كل مؤمن: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].» [التحكم بالغضب/ عبد الدائم الكيحل: موقع أسرار الإعجاز العلمي في القرآن والسنة].
كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاجات نافعة لهذا الداء، فمن ذلك:
ـــــ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: عن سليمان بن صرد – رضي الله عنه – قال : استبَّ رجلانِ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فجعل أحدُهما تحمَرُّ عيناه وتنتفِخُ أوداجُه . قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " إني لأعرفُ كلمةً لو قالها لذهب عنه الذي يجِد: أعوذُ بالله من الشيطانِ الرَّجيمِ " فقال الرجلُ: وهل ترى بي من جُنونٍ ؟) [ صحيح مسلم].
ـــــ التزام الصمت فور الغضب: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت " قالها ثلاثاً. إذا غَضِبَ أحدُكم فلْيسكتْ)[ صحيح الجامع ].
ــــــ تغيير الحالة التي يكون عليها لحظة الغضب إلى حالة أخرى: قال عليه الصلاة والسلام: (إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ.)[ صحيح أبي داود].
ــــــ الوضوء.
« والمحفوظ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما انتقم لنفسه قط، إلا أن ̛تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها. ولما قال له أعرابي جلف وهو يقسم الغنائم: اعدل، فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، لم يزد في جوابه أن بين له ما جهله، ووعظ نفسه وذكرها بما قال له، فقال: ( خبت وخسرت إن لم أعدل) »[ خلق المسلم/ محمد الغزالي].
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ بعلمِكَ الغيبَ، وقدرتِكَ على الخلقِ أحيِني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي، وأسألُكَ خَشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ، وأسألُكَ كلمةَ الحقِّ في الرِّضا والغضَبِ، وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ والغنى...).[ صحيح النسائي].
والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.