تأشيرة الموت... وثمن الخطأ الطبي

تأشيرة الموت... وثمن الخطأ الطبي

سناء لعديدي

 

  نتساءل أحياناً عندما يجبرنا القدر دخول بعض المستشفيات عن ما إن كنا نحن المرضى بأجسامنا المتألمة، أم أن من يدعون الرحمة  وإنقاذ أرواح الناس من الموت هم من يحتاجون إلى علاج سريع و معجزة ربانية ليسترجعوا بشريتهم  الضائعة!

كم أصبح مخيف ما  نسمعه كل يوم عن حالات  الوفيات بسبب الأخطاء الطبية، ناهيك عن الممارسات اللأخلاقية التي لا يرتكبها إلا أحباب ابليس  من نصب  و احتيال و قتل ممنهج يجدون دائما تبريرا قانونيا له ...

كم أصبح مؤلما داك الإحساس بالخوف من الطبيب المعالج أكثر من الخوف من المرض  نفسه! أصبحنا نخطو إلى الطبيب ولا ندري ما إن كنا بعد زيارته سنعود سالمين أم نادمين ! أصبحنا اليوم نخاف من الذين، للأسف،  أقسموا بالأمانة العلمية والشرف المهني الذي يحترم بالدرجة الأولى الحق في الحياة ويجعل من مهنة الطب المهنة الأكثر نبلا والأكثر قيمة في مجتمعاتنا وحياتنا.

و لا تستثني همجية و إهمال بعض الأطباء ذوي الضمائر المستترة التي تقديرها مبني على جمع المال والثروات، عمليات الولادة التي أصبحت اليوم تجارة مربحة بجميع المقاييس في بعض المصحات الخاصة. في بلدنا يشهد قطاع الصحة مؤخرا تدهورا ملموسا تترجمه سيناريوهات تبرز وبشدة إتقان وإبداع بعض الأطباء والممرضين في الإهمال و اللامبالاة وعدم احترام الآخر أو الاكتراث لحياته.

 ولعل السيناريوهات المتكررة تبقى تلك المتعلقة بعملية الإنجاب، فالإنجاب أصبح شبيه    بحرب تخوضها الأم مع طاقم طبي مكون من الوحوش الآدمية (لا نعمم على الإطلاق) التي  تستغل الموقف لتبدأ سياسة الابتزاز والإهمال  واللامبالاة كرسائل مشفرة  مغزاها : "إن كنت تريدني أن أقوم بواجبي المهني الذي أتقاضى عليه الأجر، وأن تمر عمليات الولادة بسلام فعليك  بفتح  محفظة جيبك منقذك الرسمي في مثل هذه الظروف ! " مقايضة لا إنسانية حقيرة تجعل من الأم ومن حولها يستسلمون لأي استبداد مقابل المعاملة الحسنة والواجب المهني.

اعتدنا كمجتمع ينقصه الكثير لكي يرتقي بالنفس البشرية على مشاهدة هذا الفيلم حتى أصبح بروتوكولا لا يجب في أي حال من الأحوال تجاوزه !    

إنها لمأساة حقيقية وإهانة  للإنسانية  أن تكون المرأة ضحية كل  ذنبها  أنها حلمت أن تصبح أما لتعيش أسوأ المواقف مثلما حدث مؤخراً  للشابة رشيدة  نويني إحدى ضحايا التخدير الفاسد بمصحة بسطات.

فقد ترجمت حالة رشيدة بامتياز القذارة المهنية و موهبة الإجرام لدى بعض الأطباء، فالسيناريو الذي عاشته هذه السيدة عجزت الأقلام عن عنونته و عجز اللسان عن وصفه، حالتها شبيهة بالصفعة المفاجئة الغير منتظرة التي لا مبرر لها تلقتها عائلتها الصغيرة و الكبيرة بكل ألم
و أسى محاولة استيعاب كيف حصل ما حصل لإبنتهم الشابة المفعمة بالحيوية و النشاط، التي كانت تنتظر ببالغ الصبر اللحظة التي تسمع فيها صرخة ابنتها لتعلن هذه الأخيرة قدومها إلى الحياة لتنيرها بعد انتظار دام 3 سنوات. 3سنوات لم تتوقف فيهم رشيدة عن التمني و الدعاء لتصبح أما. أملها في الله كان كبيرا و أنه سبحانه و تعالى حينما سيأذن بخلق روح في أحشائها سيكون لها ما تريد و يتحقق المبتغى.

و فعلا أذن الله بذلك و أتم على رشيدة بحمل روح في جسدها كانت سبب فرحة عارمة لا توصف بكلمات شاطرتها إياها كل العائلة، لم تكن  تعلم  حينها رشيدة ما يخبأه لها القدر، لم تكن تعلم أنهم سيغتالون حلمها، و سيقتلون فرحتها ليس  لشيء إلا لأن إنسانيتهم أصبحت منعدمة، فما حصل لرشيدة لا تشاهده إلا في أفلام الرعب التي تفتقر إلى منطق إنساني.

كانت رشيدة بالأمس القريب مفحمة بالحيوية و الصحة لتصبح فجأة بين الحياة و الموت. فككل سيدة تنتظر مولودا قصدت رشيدة مصحة خاصة للقيام بعملية قيصرية في غاية البساطة لم تكن تعلم أن بدخولها هناك ستفقد كليا ما أنعم الله عليها من صحة لتتحول إلى جسد لا يتحرك، فاستخفاف الأطباء بالمصحة ذوي الضمائر النائمة و عبتهم بأرواح العباد حال دون أن يتحقق حلم هذه الأم في رؤية وليدتها، فروحها كانت أرخص بكثير من مخدر صالح للاستعمال البشري.

حياتها لم تكن تساوي أكثر من مخدر فاسد لم يستطع الأطباء التخلص منه إلا باستعماله في جسدها. كارثة إنسانية تفقد العائلة فرحتها بالمولودة الجديدة و تفقدهم طعم الحياة كليا !

نفس الجريمة تكررت في نفس المصحة لسيدة أخرى ليظهر للجميع أن ما حدث بعيدا كل البعد على أن يكون خطأ طبي !!

ليتهم يدرون مدى الألم الذي سببته طعنة خنجرهم. فأحلام العائلة بأكملها كانت تحتضر
و حياتهم لم يعد لها معنى، كانوا يموتون كل دقيقة تتوقف فيها رشيدة عن التحسن و يتمزقون لعجزهم عن مساعدتها و إنقاذها فكل الوسائل و التدخلات الطبية أصبحت عقيمة لا تجدي نفعا.

لقد اغتصبوا حياة رشيدة بدون رحمة باستهتارهم و استعمالهم لمخدر فاسد. لا يستطيع المرء تصور بشر تسمح له نفسه ارتكاب جريمة بشعة بهذه الفظاعة و بدون أدنى حس بالمسؤولية.

دموع أهل رشيدة و نار غضبهم لم يكن شيء ليطفئها غير أملهم الكبير في أن من أذن بأمر منه سبحانه و تعالى بخلق روح طالما انتظروا مجيئها هو وحده القادر و بأمر منه أن تولد رشيدة النويني من جديد. وحده سبحانه من يحي و يميت.

 لقد عجز الأطباء عن إيجاد أي حل لحالتها. و شاءت حكمة الله في أن يرحم رشيدة و عائلتها من معاناة الانتظار و كتبت لها الشهادة. لقد غادرت رشيدة بأمر من الله هذه الحياة، ربما لتكون في مرتبة أعلى و أسمى تاركة العفن الاجتماعي الذي وصلنا إليه و لتزيح الستار على أسر مغربية عديدة تعيش ألمها في صمت دون أن يكون لها أدنى ردة فعل. ما حدث لرشيدة النويني لن يكون أخر الأحداث  المحزنة والمؤسفة  لدى يجب كسر جدار الصمت، فإلى متى هذا العبث بأرواح المواطنين المغاربة و إلى متى يظل المجرم بريء حتى و إن تبتت إدانته؟؟

من المؤكد أن هناك أطباء شرفاء يحترمون المهنة  النبيلة التي يمارسونها  بكل إنسانية  وهؤلاء لهم كل التقدير، لكن هناك أيضاً بالمقابل أشباه الأطباء  الدين يتاجرون في ألام البشر وهؤلاء غض البصر عنهم  جريمة في حد ذاتها. سيناريو رشيدة  لازال مستمرا  حتى بعد رحيلها وإيقاف بعض المسؤولين عن هذه الجريمة  ليس كافياً ولن يكون لإطفاء  نار  الحرقة التي  لا رماد لها في قلوب عائلتها، فلم تكشف بعد حقيقة المخدر الفاسد، وهناك ضحية ثانية ربما تنتظر حذفها لتعرضها لنفس الاستهتار الطبي  بعد أن أصبحت هي الاخرى شبه ميتة ! هل هي ظاهرة جديدة بالمغرب ؟ أهي وسيلة جديدة لوقف النمو الديموغرافي  أم  ستصبح  ضريبة - حياة مقابل وفاة - التي يجب على كل امرأة دفعها مقابل  مولود جديد ؟!!

 

حسبنا الله و نعم الوكيل و إنا لله و إنا إليه راجعون.   

عدد التعليقات (11 تعليق)

1

عصام صالح

لا حول ولا قوة إلا بالله

مقال جميل ينم عن إهتمام عميق بأمر كل ضحايا الإهمال الطبي. شكرا على المقال. حقا الامر يستدعي من كافة الأطراف لا سيما تلك المسؤولة عن هذه الممارسات الإجرامية أن تكف أذى هؤلاء عن المرضى المقبلين للعلاج لا للقي الحتف. صار المستشفى مقبرة

2013/08/09 - 05:42
2

wafaa

حسبنا الله و نعم الوكيل و إنا لله و إنا إليه راجعون.

2013/08/09 - 06:18
3

lila

allah y r7amha ou r7am jami3 lmouslimine

2013/08/09 - 10:26
4

lila

allah y r7amha ou ir7am jami3 lmouslimine

2013/08/09 - 10:27
5

hanane

مقال موفق ،عندما يُغَيّب الضمير المهني يحتضر القطاع الصحي

2013/08/10 - 12:27
6

mustapha

السلام عليكم لك الشكر الجزيل على هذا المقال فهذا أقل واجب يمكن عمله إتجاه ضحايا الظلم الذي يشاهده قطاع الصحة في بلادنا و نشأل الله العلي القدير أن يتغمد رشيدة برحمته و يسكنها فسيح جنانه، و أن يشفي الضحية الأخرى إن شاء الله، و أن يشفي جميع مرضى المسلمين و المسلمات. بالتوفيق إن شاء الله و مزيدا من العطاء

2013/08/10 - 01:47
7

sanaa

الأمومة ضريبة غالية في مجتمعنا

أصبحت الأمومة ضريبة غالية في مجتمعنا سكتنا عن الكتير من التجاوزات وهده هي النتيجة ،أصبحت الروح المغربية رخيصة لهده الدرجة ، هده الضاهرة وغيرها هي حصيلة مجتمع غير واعي بأبسط حقوقه ...لكي تتغير هده الضروف الكارتية يجب أن تتغير نضرتنا لأنفسنا ونعطيها القيمة التي تستحق ...قيمة "الإنسان"

2013/08/10 - 05:57
8

samira

intihar damair

lil asaf nahno fi zamanin hatta l9asamo ladi no3tih la nahtarimoh zaman yodahha fihi hata bi arwa7i nas lati la danba laha hasbona lah wa ni3ma lwakil

2013/08/10 - 06:11
9

samira

intihar damair

lil asaf honaka halat katira laha nafs lmasir fi dilli ghiyabi lmohasaba w lmora9aba hasbona lah wa ni3ma lwakil

2013/08/10 - 06:13
10

sanaa

da7ya 2 masiroha chalal da2im !!!!

akhir akhbar da7ya atanya hya anaha satakoune machloula chalalne kamil taqribane mada alhayate !!!! mosiba wa karita insanya bi jami3 almaqayis !!! ay ta3wid yomkine an yo3ta l hed chaba ! mossiba safi et les responsables finahoma ? marta7ine b rjilathom !

2013/08/11 - 11:17
11

linda

ya rab tkoune akhir almasa2ib !!!!!

ina lilah waina ilayh raji3oune ya rabi taltof b familllia d da7ya et ychafi l'autre inchalah , khas qita3 si7a yatghayar bech manabqawch n7Asddo fi da7Aya

2013/08/14 - 02:56
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة