ما السر وراء مدح الرويسي للهمة؟
عزالدين التامري
يثير مقال السيدة خديجة الرويسي، الناشطة الجمعوية المنتمية لحزب البام، المنشور في "هسبريس" تحت عنوان "الهيلالي وأجندة الإخوان المسلمين"، ملاحظات كثيرة أدعوها إلى مناقشتها بكل هدوء ومنطق:
أولا: بدأت السيدة الرويسي مقالها بتذكير القارئ بالانتماء الفكري للسيد الهلالي إلى حركة التوحيد والإصلاح، وبانتماء الحركة – في نظرها - إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ... وقبل أن أسترسل في عرض مضمون المقال، أتوقف في البداية لمناقشة هذه القضية التي يرفعها "خصوم" الإسلاميين كلما دخل أحدهم في سجال مع الحركات والأحزاب الإسلامية في بلادنا بكل أطيافها ( العدالة والتنمية – حركة التوحيد والإصلاح – جماعة العدل والإحسان – السلفيون ...) أقصد قضية ارتباط تلك الحركات بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بحيث تتم الإشارة إلى ذلك كما لو أن الأمر يتعلق بتهمة خطيرة تستوجب السجن أو الإقصاء، والحال أنه لا دليل على وجود هذا الارتباط بالشكل المغرض الذي يقصد إليه خصوم الإسلاميين. ومع ذلك سأناقش السيدة الرويسي انطلاقا من افتراض وجود هذا الارتباط فأقول: ألا يحق للإسلاميين في كل أرجاء المعمور التعاطف مع بعضهم وبخاصة في البلدان العربية التي عرفت ثورات الربيع العربي؟
بالأمس، وربما مازال الأمر كذلك حتى أيامنا هذه، كانت الأحزاب اليسارية التقدمية المغربية والعربية تتعاطف إلى درجة التماهي مع الأحزاب والمنظمات الاشتراكية العالمية بحكم وحدة المرجعية الإيديولوجية، على الرغم من تباين الأوضاع الثقافية والاجتماعية في البلدان العربية وفي بلدان المعسكر الاشتراكي بزعامة روسيا الشيوعية آنذاك،إلى حد أننا سمعنا عن "مناضلين" شيوعيين مغاربة كانوا يخرجون – في السبعينات - حاملين المظلات كلما هطلت الأمطار في روسيا، ومع ذلك لم يكن أحد يرى بأسا في الأمر، أو يتهم اليسار المغربي – الذي انخرط بعض مناضليه في حزب الأصالة والمعاصرة – بالخضوع لأجندة خارجية بالرغم من دخول فئة من هذا اليسار في صراع مع الملك الراحل الحسن الثاني حول السلطة انطلاقا من إيديولوجيا دخيلة مستوردة وبطرق دموية. فكيف يصبح اليوم تعاطف الإسلاميين ببلادنا مع الإخوان المسلمين في مصر أو مع حزب العدالة والتنمية في تركيا أو مع حزب النهضة في تونس مدعاة للغمز واللمز والاتهام؟
ثانيا: نأتي الآن إلى قضية تعاطف السيد الهلالي مع بنهاشم المدير السابق لإدارة السجون وإعادة الإدماج الذي تمت إقالته مؤخرا على خلفية العفو عن المجرم الإسباني "كانفال"، لنقول بكل تجرد وموضوعية إنه تعاطف لا يليق بداعية إسلامي ولا بأي مواطن مغربي شريف يعلم ما قام به هذا المسؤول من اعتداء على كرامة المواطنين وخرق لحقوق الإنسان . هذا من الناحية المبدئية، أما من الناحية القانونية (التي لاشك في أن السيدة الرويسي أكثر حرصا عليها من الآخرين) فإن القضاء هو المخول بكشف حقيقة تورط الرجل في ملف إدراج اسم المجرم الإسباني ضمن لائحة العفو، وبخاصة بعدما نفى في تصريح لإحدى الجرائد الوطنية – عقب إقالته – مسؤوليته في الأمر وحملها للإدارة. ومازالت أصوات القانونيين تدعو إلى التحقيق مع جميع المسؤولين عن قرار العفو داخل وخارج محيط القصر الظاهرين والمخفيين.
ثالثا: قضية أخرى جاءت في مقال السيدة الرويسي تتعلق بما سمته " جر بلادنا إلى نموذج تونس ومصر وليبيا وفرض الفكر الظلامي في أجهزة الدولة والمجتمع " ... تحتاج أيضا إلى توضيح؛ ولنبدأ بمناقشة الشق الأول من هذا الكلام بتوجيه السؤال الآتي: ما الأمر القبيح الضار الذي حصل في تونس ومصر وليبيا ولا نرغب في أن يحصل في بلادنا؟ ألم تحصل ثورة، في تلك البلدان، على الاستبداد والظلم وأساليب الاستئصال البوليسية ممثلة في نظام بنعلي ومبارك والقذافي، وهي ثورة باركها كل الشرفاء في العالم؟ أليس هناك إجماع على أن ظلما لحق بالإخوان المسلمين في مصر بعد الانقلاب العسكري على حكومتهم المنتخبة ديموقراطيا باعتراف مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية؟ وإذا كان هناك من ينبغي أن يخاف من الانقلاب على الديموقراطية فهم الإسلاميون وليس الحداثيون الذين أقصتهم صناديق الانتخابات حتى كادوا يكفرون بالديموقراطية ووانطلقوا يباركون تدخل العسكر في مصر. وبناء على ذلك فإننا كنا ننتظر من السيدة الرويسي، وهي المناضلة الحقوقية، النظر بعين الرضا والعطف إلى بلدان الربيع العربي التي قدمت للعالم نموذجا في الثورة على الاستبداد والظلم، لا أن تشهرها فزاعة في وجوهنا بالطريقة التي أصبح يلجأ إليها فلول الأنظمة البائدة بعد أن دحرتهم الثورات العربية. وإذا كانت شعوب تلك البلدان قد تحركت للإطاحة بالفساد في بلادها فإن المغاربة تحركوا أيضا للمطالبة برحيل المفسدين، عبر حركة 20 فبراير، وطالبوا بدولة الحق والقانون في ظل الملكية التي لم يطالب أحد برحيلها، والسيدة الرويسي تعرف الأسماء التي طالبت الحركة برحيلها.
هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن نعت الإسلاميين بالظلاميين يغلق كل أبواب الحوار والتعددية والإيمان بحق الآخر في الوجود، فليس من حق جهة أن تعتبر كل من يرفض الإنخراط فيما يسمى "المغرب الحداثي" ظلاميا، فهناك مواطنون مغاربة يشكلون الغالبية يفضلون "المغرب التقليدي المحافظ" ولهم تصورهم الخاص للحداثة ليس هنا مناسبة عرضه، فهل يود البعض فرض الوصاية على التوجه العام للمغاربة وإدخالهم غصبا في زمرة الحداثيين؟ لنلجأ إلى استطلاعات الرأي العلمية المحايدة في الموضوع إذا أردنا أن نتأكد. كما أن من يتم وصفهم بالظلاميين هم الذين حققوا فوزا ساحقا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حين حصدوا 107 من المقاعد في مقابل 47 مقعدا حصل عليها الحزب الحداثي الذي تنتمي إليه السيدة الرويسي.
رابعا: تؤكد السيدة الرويسي في مقالها حقيقة، طالما حاول البعض التنصل منها، وقد صارت اليوم معروفة لدى الجميع وهي أن حزب الأصالة والمعاصرة تأسس على مبدأ محاربة الإسلاميين، تقول " أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة فكنا وما نزال ننبه لخطورة المشروع الظلامي لجماعة الإخوان المسلمين على المغرب (...) كما أننا لن نتوانى في الفضح والتنديد بكل محاولة للإنقضاض على الديموقراطية والمساس بحقوق الإنسان والحريات الأساسية ..." وهذا يوضح – بما لايدع مجالا للشك-أن حزب البام لم يأت ليقدم إضافة نوعية للمشهد السياسي المغربي كما يدعي أنصاره، وحتى على افتراض أنه يحمل مشروعا إصلاحيا، وهو ما يستبعده المراقبون للشأن السياسي ببلادنا، فقد كان أولى بالسيدة الرويسي و أصدقائها " قدماء مناضلي اليسار المغربي" - الذين انخرطوا في البام - أن يختاروا الانضمام إلى أحزاب تقدمية عريقة موجودة في البلاد بدل الانتماء لحزب أجمع الكل على استقوائه بالرجل الذي أسسه.
أخيرا أسأل السيدة الرويسي: ما وجه الاختلاف بين مدح السيد فؤاد عالي الهمة اليوم، ومدح وزير الداخلية الراحل إدريس البصري بالأمس القريب؟ الرجلان معا من رجال السلطة الأقوياء لا يمدحهما - في الغالب- إلا من كان يرغب في التقرب منهما أو اتقاء شرهما. أما تجربة الإنصاف والمصالحة التي نسبتها، في معرض مدحها إلى السيد الهمة، فتحسب لملك البلاد الشاب الذي كان له الفضل في نزاهة الانتخابات، ولولا حرصه الشخصي على ذلك لكان البعض (مجموعة الثمانية G8 ) قد سرق إرادة الشعب عن طريق التزوير. كما يبقى أن تخبرنا السيدة الرويسي عن الكيفية التي تنوي بها هي وحزبها التصدي " للظلاميين " هل سيتم ذلك بالحوار الفكري ضمن أدبيات النقاش أم من خلال الاستقواء بالمخزن و"بالرجل القوي" الذي أسس البام أم من خلال الاحتكام إلى الديموقراطية و صناديق الانتخابات؟ نطرح هذه الأسئلة لأن جميع المؤشرات الوطنية والدولية تشير إلى أن انتخابات حرة نزيهة في المغرب لن تسفر، بعد اليوم، إلا عن فوز حزب من الأحزاب العريقة التي تتوفر على قاعدة شعبية واسعة.