أي حكومة لأية مرحلة ؟
عبد الصمد العاطي الله
تعاقبت الحكومات، وتعاقبت الأحزاب على رئاستها، في مشهد يوحي بديمقراطية الصناديق و سنة التدافع، تدافع لخدمة الوطن و المواطنين كل حسب توجهه الفكري و أساليبه الميدانية والظروف الواقعة محليا و إقليميا ودوليا. حكومات اتفق الكل على أنها لم تكن في مستوى تطلعات و انتظارات شعب لطالما حلم بالمأكل و المشرب و المسكن والنقل و التطبيب والحرية والمساواة...، ليبقى السؤال القديم الجديد: أنى لهذا الشعب بحكومة الأمل؟.
وتعتبر حكومة بنكران أول حكومة مغربية يرأسها حزب ذو توجه إسلامي في تاريخ المغرب بعد الاستقلال الذي تعاقبت على قيادته ثلاثون حكومة، حيث يتجه العديد من المتتبعين إلى أن وجود العدالة والتنمية في هذا الموقع لم يكن وليد الساعة، بل ربما خلال العديد من السنين السابقة لولا أن إرادة فوق إرادة الصناديق كانت السبب )انتخابات 2002 و2007)، غير أنها كانت أقل قوة أمام الخارجين في 20 فبراير، لتختلف التوقعات و تتساقط أوراق الحسابات.
هذه الحركة التي انتقدتها معظم الأحزاب السياسية ومن بينها العدالة والتنمية، كانت هي السبب أن نرى تحولا ربما كان العديد من منتسبي هذه الأحزاب الأكثر تفاؤلا لا يحلم به، وصل إلى وصفه بثورة الملك والشعب في نسختها الثانية. المهم أن هذا التحول الديمقراطي- ]الذي كان شبيها بنظيريه: الأول سنة 1992 الذي بنى صرح التناوب التوافقي وإجراء تعديل دستوري، والثاني سنة 1998 الذي تم بموجبه تعيين حكومة التناوب برئاسة المعارض الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي[- فتح الباب أمام تجربة حكومية من نوع خاص وأمام مشهد يعد تجربة فاصلة ومحورية في تاريخ التيار الإسلامي في المغرب. وحيث أن فك شفرة التيارات الإسلامية ليس بالأمر السهل واليسير خصوصا ونحن نرى أن المشهد الإسلامي بالمغرب يتميز بنوع من التكامل ويكتنفه غموض يصعب معه الحكم، أمام هذا التيار الذي ينقسم إلى ثلاث توجهات أساسية: أولها مجموعة دخلت في الإصلاح من داخل المؤسسات وأخرى متذبذبة بين التبعية دون الدخول وأخيرة أكثر جذرية حيث تكفر بالدخول والتبعية موقعة نفسها في ركن المعارض لكل شيء .
ويعتبر اكتساح العدالة والتنمية في انتخابات 2011 -] التي وصلت نسبة المشاركة فيها إلى %46 من مجموع المسجلين في الجداول حسب جهات رسمية رغم الغلط الكبير الذي وازى هذا الإعلان[- لأكثر من ربع مقاعد مجلس النواب أمر طبيعي نظرا لأسباب عدة من بينها: الربيع العربي الذي جاء بالعديد من الحكومات الملتحية، ووضع العدالة والتنمية المعارض للحكومة السابقة والمؤكد على ثوابت الوطن وكذا دور الضحية الذي رافق الانتخابات السابقة والأهم من كل هذا عدم وجود حزب إسلامي قوي ينافسها في الظفر بأصوات العديد من المواطنين الذين يرون في التيارات الإسلامية الحل الأمثل و الأقرب إلى منطق الاستخلاف في الأرض.
أمام كل هذه الفلسفات التنظيرية والمخططات التنموية وبيداغوجيات الإصلاح والإكراهات الجيواقتصادية البديلة... وغيرها من المفردات البراقة، يبقى المواطن يطرح أسئلة في غاية البساطة راغبا في العمل والتطبيب والتعلم والحرية والديمقراطية... وغيرها من أساسيات دون كماليات، بعبارة أدق إنه يبحث عن حقوق لا عن مطالب. أسئلة قد لا تجد أجوبتها في ظل الأزمة الاقتصادية وتبعياتها، ولا شك أن صياغتها تحتاج الجهد كل الجهد من حكومة يجب أن يكون همها محاربة الفساد و الإستبداد والعمل الدؤوب لخدمة الوطن والمواطنين، ومن معارضة أخاف أن تكون سلبية في تحركاتها و ميكانيكية في مواقفها ومتربصة لا مشاركة، ومن شعب دوره المساندة في الحق والمعارضة في الباطل والصبر في موطن الصبر والاستعجال في محل الاستعجال .
إن الإصلاح المنشود لن يتحقق إلا إذا تظافرت أيدينا البعيدة على كل خصام، إصلاح قد لايأخذ البعد الاقتصادي والاجتماعي فقط، بل حتى العقليات و العادات التي عادة ما تكون رافعة لراية اللامسؤولية واللامساهمة، وكأني بالإصلاح يطرق حماها راغبا في رضاها، وهي التي ما فتئت تتخذ لنفسها دور الضحية في كل حين وموقف.
فواهم من يؤمن بأن أي حزب لوحده قادر على نقلنا إلى الوطن الأمل أمام التعددية، ومخطئ من يحاول إسقاط تجارب الغير في ظل اللاتشابه في كل شيء، وغافل من يظن أن المشاركة في حكومة إنجاح لرأسها دون الوطن. أملي و رجائي أن أرى في القريب حكومة تتشارك في أكنافها كل الأطياف كما هو الوطن، فقد تختلف أفكارنا وقد تتنافر أجسادنا وقد تنفض قلوبنا، لكننا مدعوون كلنا - دون استثناء- للعمل من أجل الوطن لا نبغي في هذا مصلحة خاصة ولا مآرب أخرى .