«الرّاب».. صرخة سياسية من شباب اليوم ضد الواقع المغربي
المساء لفن «الراب» لمسة خاصة في تناول المواضيع الاجتماعية على وجه الخصوص، جعلت منه فنا شبابيا بامتياز، يعبرون من خلاله عن همومهم وطموحاتهم وآرائهم في ما يقع حولهم من أحداث. ورغم السلبيات التي يحملها هذا اللون الموسيقي «المتمرد»، الذي يعتبره البعض مجرد وسيلة للتعبير عن الحنق والتذمر من الوضع بلا جدوى، أو لسب هذا وإهانة ذاك، باستخدام كلامات نابية، فإنه لا يمكن إغفال وجهه «الثوري»، الذي تجلى بوضوح مع حركة شباب 20 فبراير، لينتقل بذلك من طرح المشاكل الاجتماعية إلى تناول القضايا السياسية وإلى حث الشباب على المطالبة بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، بمختلف أنواعه.
يبدو أن فن «الراب»، المنتشر بين الشباب عموما، وشباب المغرب على وجه الخصوص، يسعى، حثيثاً، إلى مواكبة الأحداث الآنية والمستجدات التي تعيشها البلاد، ولو بطرق ومستويات مختلفة، تباينت بشأنها آراء الباحثين والمهتمين بالمجال، فمنهم من يرى أن هذا الفن يتناول القضايا السياسية بسطحية، مع تميُّزه في طرح القضايا الاجتماعية، ومنهم من يعتبر أنه تمكّن من تجاوز الخطوط الحمراء والخوض في السياسة، وهو ما يؤيده عدد من الفنانين المغاربة، الذين لهم تاريخ مهمّ في هذا الميدان. والواضح أنه رغم السلبيات التي يحملها هذا اللون الموسيقي، «المتمرد»، إلى حد ما، فإنه نجح في استقطاب العديد من الشباب وفي أداء دور يراه البعض محمودا، من خلال طرح قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية ومحاولة إيجاد حلول لها، بل منهم من يعتبر أن هذا الفن يملك قدرة خاصة على تحريك مشاعر الانتفاضة ضد الظلم والفساد وإحياء روح الثورة في نفوس الشباب.
صحيحٌ أن هذا التمرد، اللا محدود، يحتاج إلى من يؤطره ويوجهه، لكنْ، بالنظر إلى ما تشهده الساحة في الآونة الأخيرة، خاصة بعد حركة شباب 20 فبراير، يتبيّن أن فن «الراب» يمكن استخدامه كوسيلة فعالة لدفع الشباب إلى الخروج عن صمتهم والمطالبة بالتغيير الحقيقي وبالإصلاح المنشود.
يقول أحمد عيدون، الباحث في علوم الموسيقى ورئيس لجنة تحكيم مسابقة «جيل موازين» لاكتشاف المواهب الصاعدة، إن هذا اللون الموسيقي تمكن، بفضل تميُّزه عن باقي الألوان الموسيقية، من أن يستميل الشباب حتى يتجاوبوا ويتعاطفوا معه، وبشكل يراه عفويا في غالب الأحيان، فيما اعتبر يونس حوضر، فنان «الراب» المغربي، الملقب بـ«الشحت مان»، الذي ظهر مع مجموعة «كازا كرو» وأصدر ألبوما ناجحا يحمل عنوان «الثوري»، (اعتبر) أن فن «الراب» يؤدي، اليوم، دورا مهما في تحسيس وتوعية الشباب، ليس على المستوى الاجتماعي فقط، وإنما على المستوى السياسي، ويضطلع بمهمة إطلاعهم على القضايا الوطنية، وهو ما يراه أمرا مهما. وأضاف «الشحت مان» أن «الراب» لا يؤثر على مشاعر الشباب دون فائدة، بل إنه بتطرقه للقضايا الحساسة، وخاصة السياسية منها، يساهم في تنبيه هذه الشريحة من المجتمع وفي تشجيعها على العمل السياسي، بدل العزوف عنه، وعلى النظر إلى الأمور من زوايا أخرى.
لقد أوجد هذا اللون الموسيقي، القادم من أمريكا وأوربا إلى المغرب، خاصة عبر أبناء المهاجرين المغاربة، لنفسه مكانا في المجتمع المغربي، منذ تسعينيات القرن الماضي، فالأداء غير المألوف على الإيقاعات الموسيقية السريعة، غير المتقيدة بقواعد الأغنية الكلاسيكية، شدّت انتباه الشباب، المشتاقين إلى التحرر والتمرد، إلي هذا الفن، المتحرر، بدوره، مقارنة مع باقي الفنون الموسيقية، وكذلك الحال بالنسبة إلى مؤدي فن «الراب» أو من يطلق عليهم اسم «الرابّور»، الكلمة المشتقة من اللغة الفرنسية «rappeurs»، الذين اشتهروا بملابسهم، المتميزة بقبعاتهم وإكسسواراتهم، وحتى طريقة كلامهم ومشيهم، المتشابهة في الغالب، حيث تنطق بـ«الانقلاب» على المجتمع. واختاروا بذلك أسلوبا خاصا للتعبير عن ذواتهم، يوحي بالتمرد على المجتمع، الذي، رفض في البداية، فن «الراب»، قبل أن يتقبله مع تزايد إقبال الشباب عليه، ويلقى اهتماما من طرف وسائل الإعلام، المرئية منها والمسموعة، وأعطيت بذلك لـ«الرابور» فرص للمشاركة في برامج إذاعية وتلفزية، كما في المهرجانات الفنية.
ولم تنحصر «الثورة» في هذه الزاوية الضيقة، بل استطاعت أن ترقى إلى مراتب أهم، بعدما اتجه عدد من فناني «الراب» في المغرب إلى طرح قضايا سياسية وحيوية في أغانيهم وإلى محاولة استعراضها، رغم أن اقتراح الحلول يغيب في كثير من الأحيان، وهو ما يعيبه عليهم عدد من الشباب المغربي. وعموما، فقد تجاوزت الإنتاجات الفنية في هذا المجال مواضيع الحب والغرام ومشاكل «الحومات» والدواوير، إلى ما هو أكبر من ذلك، حيث انتقدت أغاني «الراب» الحكومة وعمل الوزراء وضعف البرلمان ورجال الأعمال الفاسدين في البلاد، وكذا الفساد المالي والإداري، المستشري في مجموعة من المؤسسات العمومية في المملكة، فضلا على انتقادهم تردي الأوضاع الاجتماعية وتزايد الفوارق الطبقية والفقر والبطالة وما يترتب عنها من انتشار للجريمة والفساد، بكل أنواعه.
ويشكل فن «الراب» وسيلة للتعبير عن رأي الشباب في القضايا الوطنية، مثل ملف الصحراء، وعن مواقفهم من جبهة البوليساريو، الانفصالية، والعلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، وأيضا الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة العيون. كما لقيت قضايا الأمة والوحدة العربية والقضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي، وحتى سياسة أمريكا، الخارجية اهتماما من طرف فناني «الراب»، الذين يحرصون على تتبع المستجدات.
وقد ساهمت حركة 20 فبراير، بشكل كبير، في إعادة إحياء دور فن الراب «الثوري» وفي عودته إلى الساحة، بعدما توالت الأعمال الفنية التي تؤيد أو تناهض الحركة وأهدافها، لتترك بذلك المجال للشباب المغربي لأن يختار الجهة التي يقف إلى جانبها، ولو بشكل رمزي وعبر أسلوب فني. وهكذا عبّر مؤدو أغاني «الراب»، ومنهم شباب صاعدون، وآخرون معروفون في الساحة الفنية، عن آرائهم في ظل الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد.