لا هكذا تورد الإبل يا بسيمة !!

احمد اضصالح

 

   تحية طيبة وبعد،

   يا وزيرتنا،

   جميعنا متفقون أن من وراء هذا المجتمع ممارسات شنيعة جمرات تحرق ما تبقى من مبادئ تربت عليها الأجيال السابقة عقودا من الزمن، حتى غدا الحديث عن التحرش الجنسي ببلادنا أمرا بدهيا لا يكاد يثير انتباه أحد ولا يدفع البعض إلى التساؤل عن آثاره الجسيمة على الفرد والمجتمع، بل والبحث عن مصادره لغرض اجتثاث هذه الآفة من جذورها ومنعها من الامتداد والتوسع. أصبح الأمر عاديا.. في وسائل الإعلام، في الشوارع والدروب الضيقة، في العمل وفي كل مكان تلتفت إليه في هذا الوطن.

   التحرش خلق منبوذ محرم شرعا ومجرم قانونا ومرفوض عرفا وعادة، لذلك جُندت العديد من منظمات المجتمع المدني لمنع هذه الآفة والحد من تداعياتها أو هكذا ادعى بعضها ، عُقدت ندوات ونظمت لقاءات ومؤتمرات وفتح نقاش مستفيض حول هذه الظاهرة ، لكن الأمر بقي أمرا شفهيا بعيدا نوعا ما عن واقع الإنسان الذي يعاني من هذا الأخطبوط المهدد لتماسك المجتمع.

   في عام 1990، أجريت دراسة عن النساء بالجيش الأمريكي خلصت إلى أن كل امرأتين من أصل ثلاث تم التحرش بهن جنسيا. وفي سنة 1981، خرجت إحدى الدراسات إلى الوجود لتشير إلى أن 92 % من النساء موضوع الدراسة شعرن بالتحرش الجنسي وهن عاملات في المتاجر وفي مختلف المهن التي يتخذها المرء وسيلة لتحقيق مآربه المعيشية.

   وكنموذج آخر، أشارت دراسة أجريت في بلاد اليمن حول مظاهر العنف ضد المرأة سنة 2001، إلى ان هنالك 35،8% من عينة الدراسة تعرضن للهجوم والاحتضان في الشارع، 29،6% منهن تعرضن لمحاولة جذب ثيابهن[i].

   إن التحرش الجنسي عموما إحدى تجليات العنف ضد المرأة والرجل معا، لذلك لن أقول ما قالت (سناء العاجي) بحيوانية الرجل الذي لا يتحكم في غرائزه وأقف عند هذا الحد دونما تفصيل. الإنسان حسب الحكماء الذين سبروا أغوار الحياة كيان متجانس من عوامل حيوانية غريزية وعقلية روحانية، فإذا تحكم الجسد في الروح صارت الحيوانية أقرب إلى هذا الإنسان، أما إذا تمكنت الروح من تسيير الجسد وتوجيهه صار هذا الإنسان راق بفكره وروحه لا بجسده. (سناء العاجي) المسكينة التي استضافها الإعلام الرسمي مرة في برنامج "مباشرة معكم" تاركا خلفه مختصين وباحثين كبار في الميدان استأسدت بما وقر في خلدها وهي في الحقيقة إنما تنضح بما فيها لا غير، ابنة الدار البيضاء لم تطلع على كتب الأقدمين والمحدثين لتستنتج أن للبشر حرية إذا تعداها صارت نقمة عليه وعلى مجتمعه.

   يا وزيرتنا الموقرة،

   إذا كان من مهام وزارتك إعداد وتحيين النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالأسرة، فمن واجبنا كمواطنين مطالبتك بإعداد واحد من هذه حول تفعيل الترسانة القانونية المرتبطة باحترام الآداب العامة بتنسيق مع وزارتي العدل والداخلية، والمطالبة بتوفير الشغل للشباب العاطل الذي ينتظر إحداهن في آخر الدرب ليتلفظ في حقها بكلمة، عدي نصوصا تشريعية تطالبين فيها الإعلام الرسمي بالكف عن التحرش: "إشهار كلورتس نموذجا في القناة الثانية"، إنهم يتحرشون بنا جماعيا لا على المستوى الفردي، في عقر ديارنا لا في الشارع العام وحده، عدي ترسانة تشريعية تحمينا وأسرنا من التحرش، فالأمر ليس كما يبدو للبعض أقوال جنسية في الشارع للغير، إنما الأمر أكبر من ذلك بكثير، فلنبدأ بوأد الوحش صغيرا قبل الكبر، ولنجفف المستنقعات بعيدا عن تضييع المجهود في قتل البعوض، وإلا فإن القطار سيفوتنا كما فات أهل اليمن.

 

 

 



[i] * هذه الإحصائيات والأرقام مقتبسة من مقدمة دراسة أجرتها الدكتورة مديحة أحم عبادة بمحافظة سوهاج وهي متوفرة بعنوان: "الأبعاد الاجتماعية للتحرش الجنسي في الحياة اليومية".