في عاشوراء ذكريات وواجبات، والتكافل الاجتماعي الغائب الأكبر..؟‏

في عاشوراء ذكريات وواجبات، والتكافل الاجتماعي الغائب الأكبر..؟‏

ذ.محمد السوسي

لقد كان من بين ما انتقده الناقدون في بداية النهضة النقدية الأدبية ما أسموه «شعر المناسبات» الذي هو من وجهة نظر هؤلاء النقاد يكون خاليا من العواطف الحقيقية والمشاعر والأحاسيس الضرورية لكل تعبير شاعري صادق، وبغض النظر عن صحة هذه الرؤية النقدية أو عدم صحتها أو هي تارة وتارة فإن هذا النوع من القول أو التعبير الأدبي يسجل موقفا معينا ولحظة معينة لا يمكن أن يحكم عليها فقط بكونها ترتبط بمناسبة ما، فكرت في هذا وأنا بصدد إعداد هذا الحديث واستعرض أمامي كثيرا من الأمور التي تستوجب وتستحق أن يكتب فيها وحولها الإنسان رأيه أو حتى موقفه، وكان أبرز ما يستحق التعليق بما يناسب ما دعا إليه إنسان قيض من طرف شيطان نذكره في كثير من الأحاديث وكلما ذكرناه يستنكر علينا بعض الناس ذلك أنه شيطان الاستعمار اللغوي الذي وسوس لأوليائه وأنصاره في هذا البلد، لتحريك ما يدعي في أبيات العصر (بالدعوة إلى العامية)، ولم يقتصر هذا الوسواس الاستعماري على الدعوة إلى إلغاء العربية الفصحى وإحلال العامية مكانها في التعليم والتلقين، ولكن الوسواس الاستعماري بلغ به مبلغا هو إلغاء الدين من التعليم، أليس هذا أمرا موجبا للكتابة في الموضوع بل والتنديد والاستنكار؟ لأنه وصل من التحدي للأمة والاعتداء على الدستور ما لم يبلغه أحد من قبله.

ولكن رأيت أن ما كتبته حول مقترحه وتوصيته هذه منذ سنوات -إذ الأمر ليس جديد بالنسبة إليه- ما يكفي وذلك أنني كتبت عشرين مقالا في الموضوع تحت عنوان عام هو (الدعوة إلى العامية لمصلحة من؟)، وكما كتبت ما يزيد عن عشرين مقالا في نقد أطروحته المسماة (مرافعة مجموعة الديمقراطية والحداثة)، ولذلك فالموضوع قلت فيه ما أرى ضرورة قوله حتى الآن، ولذلك آثرت أن يكون حديث الجمعة العودة إلى ما كتبته ودعوت إليه من ضرورة الأخذ بسياسة التكافل الاجتماعي والتضامن بين الناس من خلال عادة إخراج الزكاة في شهر المحرم، ولاسيما والناس في هذه الأيام يتحدثون عما يعيشونه من ضيق ذات اليد وما هم فيه من حاجة إلى لمسة من التعاون والتكافل الجادين، وكان الأجدر بالحكومة أن تقم على تفعيل بنذ الزكاة في الميزانية وتكون بذلك متجاوبة مع الحاجة الملحة ومنسجمة مع المرجعية التي يعتمدها الحزب القائد، فهل تستطيع الإقناع بذلك؟ فلتحاول وسيكون حين ذاك للمحاولة أجر النية والمحاولة.

 

**********

ملتقى الذكريات

في شهر المحرم تلتقي شتى الذكريات الخاصة والعامة التي يختزنها كل واحد منا، أعني أفراد المجتمعات الإسلامية وأقصد بالذات المجتمع المغربي، وتتنوع هذه الذكريات بتنوع عادات وتقاليد القبائل والمدن المغربية، ومما لاشك فيه أن

 

هناك موروثا تقليديا يشترك فيه الجميع، وهو ما يرجع إلى التقاليد المتأصلة في الثقافة الإسلامية أو الناشئة عنها، اما غيرها من التقاليد التي ابتكرها الناس أو ابتدعوها فهي تتنوع وتختلف باختلاف المناطق والمدن، والأكيد أن صوم يوم عاشوراء

هو من الأشياء التي يلتقي عندها المسلمون جميعا في هذا اليوم اقتداء بالرسول الذي ورد عنه انه صام التاسع ونذر صيام التاسع والعاشر فيما يستقل من الأعوام، إذا أمد الله في الأجل.

الأطفال

وورد عن معاوية (رضي الله عنه) انه قال هذا يوم عاشوراء لم يكتب علينا صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر، وعلى أي حال فالصيام قربة إلى الله، وما عدا ذلك فإن الناس يتحركون في هذه الأيام وفي يوم عاشوراء بالذات باعتبارات مختلفة يرجع كثير منها إلى العناية بالأطفال وشراء بعض اللعب وغير ذلك، وترسيخ بعض العادات والتقاليد في نفوسهم، مما يعتبره الآباء عن حق أو غير ذلك مما هو نافع لهم.

نموذج

والناظر في أحوال الناس ببلادنا في الماضي والحاضر يدرك ما اندثر من العادات وما أحدث بين الناس، ولاشك أن تسجيل هذا الأحوال مما دونه الباحثون وكتاب السيرة الذاتية الذين يدققون فيما عاشوه من مواسم وعادات الناس فيها، وممن دون بعض عادات جهة معينة من سوس المرحوم المختار السوسي الذي كتب في هذا الصدد في كتابه (المعسول):

عاشوراء

«اعتاد الالغيون أن يعمد بعضهم في عشية التاسوعاء إلى الغثاء الذي تتركه السيول ضفاف مسيلات الماء فيأخذون منه وهو يضم ما يضم من أبعار وأعواد صغار فيبخرون به الديار في صبيحة عيد عاشوراء دفعا لتأثير الجن وقد رأيت عجوزا تفعل هذا أول ما نفيت إلى الغ، فكان ذلك هو السبب حتى صرت ابحث عن مثل هذه العادات، وكذلك يعمد في سحر عاشوراء إلى استقاء الماء من الآبار، ظنا من الساقين أن الآبار تستمد من بئر زمزم في ذلك الوقت ومن ذلك اليوم فيرش بذلك الماس جميع زوايا الديار تبركا خصوصا اغراء الزرع وحظائر المواشي.

وفي ليلة عاشوراء يخرج رعاع الشباب زمرا زمرا إلى بعيد من قريتهم فينادون –فيما زعموا- على الذئب أن يبعد عن غنمهم فيبنون هناك أحجارا في محلات ثم يرجع الجميع وهم يغنون غناء معلوما محفوظا متوارثا إلى أن يصلوا القرية فيبيتون على لعب أحواش وفي صبيحة عاشوراء يبكر جميع الناس رجالا ونساء إلى زيارة المقابر، من غير اختلاط يترحمون على أهاليهم ويتصدقون والغالب أن يصبح الرجال وغالب النساء صائمين بل ترى الفقهاء والمتنسكين يحرصون على ألاثنتي عشرة خصلة التي ذكرها العلماء من خصائص عاشوراء من صوم وصدقة وزيارة عالم وصلة رحم ومسح رأس يتيم وصلاة ركعتين وتوسعة النفقة واغتسال وعيادة مريض واكتحال وقلم أظفار وقراءة سورة الإخلاص ألفا وأهل الحديث يعلنون أنه لا يصح من هذه إلا الصوم وإلا التوسعة على العيال الذي ورد في حديث حسن وقد رأيت أحد عمد الالغيين من أهل العلم يوصي بغسل ثيابه ذلك اليوم وكذلك يجتمع أهل القرى على توسيع بقرة ونحوها يفرقونها على الديار ويؤجلون في ثمنها بضمان ومن كانت لهم غنم لها راع فإن مغرس ذنب كبش عيد الأضحى الذي جعل قديدا يعطى في يوم عاشوراء للراعي وهو يأكله في ذلك اليوم وهم يحرصون على أن يستدير شيء من قديد الأضحية على دور السنة في ديارهم تبركا به».(ج1 ص:30)

من الذكريات

وفي هذا السياق أذكر وأنا صغير في قريتي ومسقط الرأس تِزْكي اذاوبلول أننا في اليوم الخامس والسادس وما بعد نبدأ في التحضير لليوم التاسع والعاشر للمحرم إذ لليوم التاسع طقوس خاصة تمتاز بالتجوال على منازل الأقارب والجيران مساء لمعرفة مَنْ مِن النساء تمتاز بالحذق فتنجز طبخ الطعام «كسكسو بالقديد» قبل المغرب ومن هي متأخرة وتعتبر متكاسلة في ذلك اليوم وكان الأطفال يرددون بالامازيغية «بْنَيُّو بْنَيُّو أَيَنْ إذْ أُرِفْكِينْ ضرسن اُغَرْدَاغْ أَكْذور استلاست أَلْكماص ايتسْكْسُوتْ» ومعناها: الكلمتان الأولان لا أدري لحد الآن معناهما أما الجملة فهي «من لم يعطني يسقط له الفأر في القدر وتلتف له الأفعى حول الكسكس».

تشابه

وقبل ذلك في الأيام الأولى من المحرم في اليومي الثامن والتاسع يتجول أشخاص شبان يرتدون لباسا خاصا من ألياف ما يغطي أشجار النخيل ويحملون العصي ويجرون على الأطفال في الأزقة ويخوفون المارة، وهنا يظهر الشبه بين هذه اللعبة ولعبة ما يسمى في جهة أخرى ب(بابو التساؤت صاحب الجلود) وآخرون يطلون وجوههم بطلاء أسود غالبا يؤخذ من سواد (السطل) الضخم الذي يسخن فيه ماء الوضوء بالمسجد وطيلة العشرة أيام الأولى من المحرم يتجول بعض الشبان ليلا في الأزقة ويتوقفون قرب أبواب المنازل مع إرسال بعض الجمل تتضمن نقدا اجتماعيا للرجال والنساء بما لا ينال من الكرامة والحياء مثل الإشارة إلى البخل بطريقة لبقة أو ذكر بعض العادات التي اشتهر بها هذا أو ذاك ويسمون «تِفْقِّرِينْ»لأنهم يقلدون أصوات الشيوخ من الرجال و العجزة من النساء.

لعبة الماء

أما اليوم العاشر فإنه يكون يوما صاخبا حيث يتم فيه ما يمكن أن نسميه "لعبة الماء" حيث الشبان يتصيدون الفرص لإفراغ قنن من الماء على الفتيات وفي الغالب تكون تلك هي العلامة على رغبة الشاب في التزوج بالفتاة، وفي هذا الحال يتم ترتيب ذلك من الأقارب، وهذا من طبيعة الحال يكون مصحوبا بالتنويه والتعليق بين الناس والتندر بما يرسله الناقدون من نقد، ويستدعي الناس بعضهم بعضا ويعتقدون ان ما يقوم به الإنسان في ذلك اليوم سيزكي طيلة السنة.

بين السنة والشيعة

وعندما انتقلت إلى فاس ولا أزال في مرحلة الطفولة الأولى وجدت في فاس عوائد أخرى غير ذلك وهكذا دواليك، وأهم ما تمتاز به الأيام الأولى من عاشوراء هو الإقدام على شراء المكانس (فشطبة) عاشوراء مدعاة للتشاؤم وبالعكس يتم الإقدام على شراء آلات الطرب التقليدي وتجوال النساء والفتيات والفتيان وهم يضربون على تلك الآلات مع ترديد الأهازيج وهذا يكاد يكون موجودا في كل المدن المغربية ولعله رد

على ما يقوم بها إخواننا الشيعة في الأيام العشرة الأولى من المحرم من مظاهر الحزن على مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه، لأن الشيعة على عكس أهل السنة فهم ينظرون إلى يوم عاشوراء نظرة مختلفة باعتبار ارتباط اليوم والتاريخ باستشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما كما أشرنا ولهم في هذا طقوس أبعد ما تكون عن تعاليم الإسلام وقيمه، كضرب الظهور بالسلاسل والسياط وغير ذلك من البكاء والعويل وأنواع مختلفة من الأشعار والأدعية التي يعتبرونها تعبر عن العزاء في قتل أبي عبد الله الحسين.

ما يجب إحياؤه

ومما هو مؤكد كذلك أن الإنسان في هذه الأيام يتذكر بعض هذه العادات التي اندثر بعضها ويتأسف عليها، ومن بينها صلة الأرحام والاهتمام بالفقراء وإعداد أطعمة مختلفة وتقديمها للأقارب والأصدقاء والفقراء، ويظهر في هذا الشهر وفي هذه الأيام نوع من التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ولاسيما وبعض المجتمعات والفئات ومن بينها المجتمع المغربي سنوا عرفا وهو أن الزكاة يتم إخراجها في هذا الشهر «المحرم» المبارك حتى صار ذلك شبه فرض ديني لا تقليدا سار عليه الناس بحكم العادة لا الشرع.

احتساب الحول

إذ كما هو معلوم فقها (فالزكاة) الشرط فيها هو مرور الحول والحول قد يكون تمامه في شهر المحرم كما يمكن ان يكون في غيره، ولكن الناس في المغرب و ربما في غيره قد ربطوا بين الأمرين ولا رابط بينهما وقد تحدث ابن الحاج رحمه الله في كتابه (المدخل) عن هذه العادة واستهجنها وانتقدها من الوجهة الفقهية والشرعية، ولكن لعل النقد ينصب في أمر الزكاة على المرة الأولى التي يتم فيها الشروع في ذلك اما في السنوات الموالية فهي يتم فيها مرور الحول حيث يتم العد مع بداية المحرم حيث تبدأ السنة الهجرية فربط الناس بين الأمرين، وهو ما جعل الفقهاء والوعاظ والخطباء

يتخذون من هذه المناسبة فرصة للحديث عن الزكاة ومكانتها الدينية والاقتصادية والاجتماعية.

واعتمادا على هذا العرف وتلك التقاليد رأيت من المناسب أن أثير موضوعا حيويا ومهما ويعيش المجتمع السياسي سخونته هذه الأيام بل في كل الأيام، وله ارتباط بالتكافل الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام وجعله ركنا أساسا في السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي سنها للمسلمين.

التكافل العام

لعله من نافلة القول تأكيد أن الإسلام سن سياسة مبنية على التكافل الاجتماعي والتضامن الإنساني داخل المجتمع الذي يسود فيه الشرع الإسلامي وتسود فيه الأخلاق الإسلامية وتنتشر بين الناس ما دعا إليه الإسلام من قيم ومبادئ في التضامن ذلك لأن الإسلام في سياسته هذه لم يفصل بين الناس اعتبارا للعقيدة أو الدين في مجال التكافل والتضامن، فالشواهد التاريخية تؤكد أن المسؤولين في الدولة الإسلامية منذ الخلافة الراشدة كانوا لا يحرمون غير المسلمين من هذا التكافل فما جرى في عهد عمر مع يهودي مسن وجده يتسول معروف ومدون فقد أمر بإعطائه من بيت المال وأمر بالبحث عن غيره ممن هو في حالته لإعطائه من بيت المال كما يعطى للمسلمين.

اجتهاد عمر

لأنه كما قال عمر لا يمكن الأخذ منه في شيبته وتركه في شيخوخته إذ ورد في كتاب «الخراج» لأبي يوسف أن عمر مر يوما بشيخ كبير يسأل الناس، فلفت نظره فسأله: من أنت يا شيخ؟ قال ذمي «وكان يهوديا يسأل الجزية والصدقة» فقال له عمر: ما أنصفناك أكلنا شبيبتك ثم نضيعك في هرمك، ثم أخذه إلى بيته فأعطاه ما وجده، وأرسل إلى خازن بيت المال يقول : انظر إلى هذا وضربائه فافرض لهم من بيت المال ما يكفيهم وعيالهم، إني وجدت الله يقول: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين» والفقراء هم المسلمون، والمساكين هم أهل الذمة وهذا منهم.

وعمر هنا اجتهد كعادته ووجد نصا قرآنيا يعتمد عليه ليدخل أهل الذمة في إطار من يستوجبون إنصاف الدولة المسلمة لهم كما تنصف غيرهم من المسلمين.

مجالات الإنفاق

(وقد حدد القرءان مجالات الإنفاق واعتبرها دليلا على الإيمان في قوله تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة» فإعطاء المال يعتبر صلة للأرحام وصدقة في الأقارب وصدقة فقط على المساكين واليتامى وابن السبيل إلى غير ذلك مما ورد في الآية وهو غير مقيد بقيد ولكنه العطاء الذي لا يقصد منه صاحبه إلا الخير العام للناس كلهم، فالطعام لليتامى والمساكين مما هو مطلوب الإنفاق فيه.

الإسلام الأفضل

ان إطعام الطعام وإفشاء السلام هو خير الإسلام كما ورد في الحديث لذلك فان الحديث في هذا الشهر (المحرم الحرام) عن عادة صلة الأرحام والفقراء بالصدقة الواجبة "الزكاة" وغير الواجبة اعني صدقة التطوع مما هو محمود بل انه من السنن التي يمكن اعتبارها مما ينبغي تقليده فهي موسم من مواسم الخير التي يجب ان تشجع في المجتمعات التي تسعى إلى أن تكون منصفة لنفسها ومنصفة لغيرها.

الرواسب المانعة

لقد تحدث كثير من الناس في منتديات مختلفة على الأوضاع المتردية التي ينشأ عنها كثير من الآفات في المجتمعات الإسلامية ورأى كثير من الناس وحقا رأوا أن (الزكاة) لو خرجت على وجهها الصحيح وأنفقت في وجهها الصحيح لكان المجتمع المسلم في كل دولة من الدول الإسلامية قد تمكن من التغلب على الخصاص في الضروريات الأساس للإنسان، ولكن هذا الأمر مع كامل الأسف لم يصل بعد إلى ما يتوخاه كثير من المخلصين من أبناء المجتمعات الإسلامية لأن الرواسب التي تركها الاستعمار في ديار الإسلام لا تزال هي المتحكمة في الناس، ولا تزال العقول الواقعة

تحت أسس التربية الاستعمارية الغربية هي النافدة في الدول الإسلامية وهي التي تفرض إرادتها على الجميع.

القصد السيء

إن هذه الإرادة الاستعمارية أو إن شئت التحديد قلت هذا المقصد الاستعماري في إبعاد المسلمين عن دينهم وشريعتهم وجعل أحوالهم أسوأ ما يمكن لضمان الخنوع والتبعية لا يمكن التغلب عليها إلا بإرادة قوية وإيمان صادق بقيم العدالة والحرية التي تتضمنها أحكام الشريعة وعاش عليها المجتمع الإسلامي قرونا وآمادا طويلة، انه لأمر غريب وعجيب أن يشعر الإنسان بمرض وأعراضه ويتم تشخيص المرض وضبط الأعراض ومع أنه يتوفر الإنسان على الدواء وما يُمَكِنه ويساعده على الشفاء وإعادة العافية للجسم ليقوم بدوره كاملا غير أنه بوصية ممن يسعى لموته ونهايته يعرض عن الدواء الشافي ويتعلل بعلل هي من إملاء العدو المتربص.

فتوى مغشوشة

ان بعض الناس قد لا يعجبهم ان نذكر دور الاستعمار في هذا الأمر ولكن هذا هو واقع المسلمين في عالم اليوم، لقد أفتى ذووا الحكم والمسؤولية ومن فرضهم التوجه الاستعماري نفسه من علماء السوء ومثقفي المدرسة الاستعمارية على هذه المجتمعات بما تدعوا إليه وتفرضه الدوائر الاستعمارية من الحلول لمشاكل ليست بالضرورة مشاكل المجتمع الإسلامي.

إن النظريات القانونية والفقهية وفلسفة القانون التي يقول بها علماء الغرب نفسه توجه إلى أن يكون قانون أي شعب أو أي أمة غير متعارض مع دين وتقاليد المجتمع الذي تريد التشريع له.

أزمات حادة

وان المجتمعات الإسلامية التي تعيش أزمات اجتماعية متعددة كما تمت الإشارة وتبحث لها عن موارد يمكنها أن يكون ما يتحصل من جمع الزكوات من هذه الموارد التي تساعد على التغلب على هذه الأزمات والمشاكل، وحتى لا نغبن الذين حاولوا في

هذا الباب تجب الإشارة إلى أن هناك محاولات ناجحة وموفقة في هذا الاتجاه في بعض الدول الإسلامية.

تجارب معزولة

ولكنها تجارب معزولة ولم تدخل في إطار مشروع تنموي يستهدف الإنسان وتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس، لأن الزكاة وسيلة من الوسائل وليست وحدها في هذا الباب، ولكن هناك أمورا أخرى في هذا الباب لا يمكن تجاوزها إذا أردنا أن نحقق العدالة الاجتماعية، فالزكاة واجب ديني وفريضة على كل من يملك الحول، وهي لا تمنع من اتخاذ تدابير أخرى مثل ضرائب تصاعدية، والقضاء على الاحتكار والاستغلال وكل مظاهر الفساد المالي والإداري داخل المجتمعات الإسلامية وفي مقدمتها جعل الثروات التي تتوفر عليها البلاد الإسلامية في خدمة المجتمعات الإسلامية لا أن تدخر الأموال وتكتنز في الأبناك الأجنبية وأصحابها من المواطنين البسطاء يعيشون في فقر مدقع لا شغل، ولا سكن ولا علاج ولا تعليم ولا ماء ولا كهرباء وغير ذلك من ضرورات الحياة التي يجب توفرها للإنسان المسلم في وطنه وفي مجتمعه.

نقاش جاد

ونحن بصدد الحديث عن هذا التجارب وبهذه المناسبة التي يعيش فيها المشهد السياسي في المغرب نقاشا جادا حول الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها بلادنا، والتي استدعت اتخاذ تدابير تقشفية من الحكومة، وهي صادفت معارضة من لدن جميع الفاعلين سياسيين واقتصاديين، ولكن هل هناك من قدم بديلا عمليا ينقد الوضع حالا ومآلا، ولكن في الوقت الذي لا نتوفر فيه على الوسائل فإننا نريد البحبوحة، وهذا أمر طبيعي، فالمسؤول يجب أن يتحمل مسؤولية التدبير الجيد، والذي من شأنه أن لا يضيق على الناس وأن لا يكلفهم ما لا يطيقون.

بند وتفعيل

ومع أن الزكاة ضمن ما يذكر في قانون المالية ومن موارد الميزانية فإنه باستمرار يبقى بدون تفعيل مع أن الأموال التي يمكن الحصول عليها عن طريق الزكاة والهبات والصدقات التي لاشك أن المسلمين المغاربة لن يبخلوا بها من شأنها إذا جمعت ونظم استغلالها أحسن وامتل استغلال وأسند أمر جمعها وصرفها إلى جهة مأمونة ويطمأن إلى ان ما يتجمع من أموال هي في أياد أمينة فإن الخير سيكون كثيرا وكثيرا جدا.

تجربة ناجحة

إن هذا البند الذي يرد في الميزانية حول مداخل الزكاة ويبقى بدون مداخل هذه سنوات عدة آن الأوان ليفسح المجال أمام المواطنين الذين تجب عليهم الزكاة ويؤدونها ان يفدوا بها مجتمعهم والمحتاجين من الناس، وذلك لأن ما كان يتعلل به من أسباب حول من يجمع والحكم الفقهي في هذا الباب تم تجاوزه فمنذ طرح المشكل تطورت الاجتهادات الفقهية في بلادنا وفي غيرها من البلاد الإسلامية ولابد هنا من الإشارة إلى تجربة علمية فكرية قامت بها مجموعة من العلماء والمفكرين المغاربة في هذا الباب والذين اجتمعوا حول مجلة الزكاة الرائدة في بلادنا والتي كان يشرف عليها ولا يزال الأستاذ محمد بالبشير الحسني.

واجب العلماء

وقد تولت هذه الجماعة ومن خلال هذه المجلة تقديم الكثير من الاجتهادات والتجارب في العالم التي يمكن الاستفادة منها وفي اعتقادي أن هذه إحدى المهام التي يجب أن يبث فيها العلماء المختصون والذين يتولون المسؤولية الدينية والأخلاقية في هذا الباب وبالأخص المجالس العلمية المحلية والمجلس العلمي الأعلى وان لا ينتظروا ان تتم الإشارة من الجهات الوصية فالعلماء ليس عليهم الا وصية وحيدة وفريدة هي وصية محددة من القرءان والسنة وورد فيها تحذير كبير جدا وذلك في قوله تعالى «ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله» الآية.

نموذج يحتذى

فهذا التحذير هو أكبر من أي وصية أخرى فالمجتمع في حاجة ماسة إلى العون والمساعدة ووفر الإسلام هذا المصدر وغيره من أجل المساعدة وأولوا الأمر في هذه البلاد وكلوا أمر إيجاد السبل الفقهية والشرعية في هذا الباب للعلماء ولاشك ان تنظيم مباراة في هذا الباب الذي دعا إليها المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه كانت الغاية منها إيجاد سند فقهي وشرعي لقطع الطريق على النوايا المضمرة لدى بعض الناس الذين يفرون من أداء الواجب، وإذا كان وارث سره محمد السادس نصره الله قد أسس صندوقا للتضامن وسعى إلى تأسيس كثير من الجمعيات للأعمال الاجتماعية وسعى بكل الطرق للأخذ بيد الفئة المحرومة من أبناء المجتمع فإن مجالسنا العلمية من واجبهم الحرص على أن تكون الزكاة بمعناها العالم والتي لا تعني فقط زكاة النقود ولكن بمختلف أصنافها موردا ماليا مساعدا. فهي إذا نظمت وجلبت على وجهها الصحيح مع تلافي ما يجب تلافيه في سن قانون جبيها وجمعها لن يفيد فقط صندوق التضامن الذي أصبحت الحاجة ماسة الرد عنه وتوفير الإمكانيات الضرورية له ولكنها ستفيد في كثير من المجالات التي تدخل في الأصناف الذين يحق لهم ان تصرف الزكاة لصالحهم.

مسؤولية مضاعفة

وإذا كان أمر قيادة العمل الحكومي اليوم في يد هيأة تنتمي إلى الحركة الإسلامية بل تتعرض لما تتعرض له من نقذ وهجوم تمشيا مع السياق الذي خلقه البعض لمهاجمة المرجعية أكثر من مهاجمة الفاعلين ذوي التوجه المعلن لتطبيق الشريعة، فقد كان من المفروض السعي بكل السبل والطرق إلى تفعيل أمر الزكاة وجيبها لدى الملزمين كما تجبى الجبايات الأخرى لدى الملزمين ولكن مع الأسف لم يحصل شيء لحد الآن، وهنا نرى أن المسؤولية مسؤولية مضاعفة.

ضرورة المبادرة

ولكن مع كل شيء ومع ما يعترض الأمر من صعوبات وتخوفات فإنه يجب اخذ المبادرة لأن المبادرة في الخير والعمل من أجل إنقاذ الأمة مما يتهددها بسبب الفقر من الانحرافات والأزمات يجب أن لا يخضع إلا لاعتبار المصلحة العامة لا لشيء آخر سواها وهنا يأتي دور العلماء كما قلنا في دعم هذا التوجه وإذ العلماء والعلماء هم الموكول إليهم أمر المبادرة والنصيحة لفائدة الأمة والمتضررين من أبنائها، وسيجدون معهم في هذا التوجه كل ذوي النوايا الحسنة والساعين إلى الإصلاح الاجتماعي الحقيقي.

مواجهة الأعداء

إن أعداء الإسلام والمسلمين يستغلون الفقر والحاجة لاصطياد الضعفاء والذين لا قدرة ذهنية وعقلية لهم لإخراجهم من الدين وزعزعة عقائدهم وأن الحاجة المادية والعلاجية من بين أهم ما يستغلونه المتنصرون في هذا الصدد.

فإذا كان الفقر يكاد أن يكون كفرا، فإنه بالفعل تحول في كثير من الحالات ولدى بعض الناس إلى الكفر والخروج عن الدين، وان مسؤولية العلماء في هذا الباب عند الله عظيمة لأنه بإمكانهم الدفع بالأمور إلى توفير الحلول لبعض هذه المشاكل ولكنهم تركوا المبادرة في الوقت الذي يجب عليهم فيه أخذ هذه المبادرة والإلحاح عن المسؤولين لجمع الزكوات وصرفها في مصارفها الشرعية.

إن الوقت لم يفت بعد لتدارك الأمر، فهل نفعل؟ أرجو أن يكون الجواب عملا لا قولا

ذ.محمد السوسي

أستاذ الفكر الإسلامي

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة