المدرس ما بعد حرب الرباط
عبدالحق رحيوي
تشهد مدينة الرباط هذا الأسبوع مجموعة من التظاهرات المتعددة الألوان والمطالب، تختلف مطالب المتظاهرين بين الباحثين عن الحق في العمل داخل اسلاك الوظيفة العمومية، وبين المطالبين من داخل الوظيفة العمومية بتسوية وضعيتهم الإدارية "الارتقاء في السلم" ، لكن من المخجل والغريب في الأمر أن يتحول هذا المطلب الى حرب عنيفة وممنهجة ضد الأسرة التعليمية بالمغرب، بالرغم من أن التظاهر حق تكلفه كل الدساتير الديموقراطية. فماذا يعني التدخل الهمجي في حق المدرسين؟ ولماذا وجد هؤلاء أنفسهم مستعدون لخوض هذه المعركة التي تكاد تشبه حربا تقليدية ؟ وما هي الآثار النفسية المترتبة عن خوض هذه المعركة ؟ أي ما هي وضعية المدرس ما بعد "حرب" الرباط ؟؟؟؟
يبقى العنف تاريخيا شكلا غير مقبول للتعامل مع الإنسان، إنه شكل لا ينتمي على المستوى الحضاري الى القرن الواحد والعشرين، اذا تعلق الأمر بدولة ديموقراطية عمليا وليس نظريا. فهذا التدخل الهمجي لقوات القمع في حق المناضلين الباحثين عن تسوية ادارية لوضعيتهم المادية وذلك من خلال الارتقاء في السلم الاداري عن طريق الشهادة، يكشف عن السياسة القمعية التي تنهجها الدولة في التعاطي مع أي عاشق للكرامة الانسانية ومدافع عنها. بهذا فوزارة الداخلية تعيد رسم المغرب القديم، مغرب الرصاص في سنة 2013 ، قمع مطلق ورفض للحوار وعدم استجابة للمطالب.
هذا الوضع يكشف الدور الباهت الذي تتولاه وزارة التربية الوطنية، وإهمالها المطلق للشغيلة العاملة بالقطاع. فبدلا من تقديم الوزارة لحلول عملية لهذه الأزمة، قدمتهم ضحية سهلة لوزارة الداخلية، اذ لم نقل إنها استعانت بوزارة الداخلية لتفريق المتظاهرين بأي طريقة ممكنة، دون الأخذ بعين الاعتبار أنها تتعامل مع إطار في الدولة مرهون بيده مستقبل المغرب، وإنسانا قبل كل شيء. هذا العنف الذي تعرض له المدرسين بالرباط دليل قاطع على أن المدرس لا يشغل حيزا مهما في مفكرة الدولة، ولا يحظى باحترامها مطلقا، إنه لعبة يتقاذفه رجال الأمن في مدينة من المفروض أن تكون التجسيد الفعلي لحقوق الإنسان، وأمام برلمان يدعي أنه تشكل من أجل الدفاع عن مصالح ابناء هذا الوطن.
لو كان الأمر أفضل حالا والتفت الدولة الى هذا القطاع والى رجاله ونسائه، والى معاناتهم اليومية مع "أجرتهم الفقيرة" التي علمتهم آليا التطبيع مع الفقر والتخلف، لما وجد هؤلاء المدرسون أنفسهم مضطرين للتوجه الى مدينة "الرباط"، وتحمل معاناة السفر وقسوة المناخ ورجال الأمن... فوضع المدرس أصبح يخيف أكثر من أي وقت مضى فمن الممكن أن تتصور مدرسا في مدينة متوحشة كالدار البيضاء فإن خمسة آلاف درهم تكفيه فقط لكراء شقة، والتنقل من المدرسة الى هذه الشقة التي تكاد تشبه جنسا...وباقي مستلزمات الحياة عليه أن يبحث عنها في المدارس الخاصة والساعات الاضافية، ومع ذلك فالمدرس مطالب بالعمل ونسيان مشاكله المادية في المنزل، وأن يكون لباسه مهذبا، ودماغة حيويا، وأن لا يخالط العامة من الناس. هذا هو النفاق الحقيقي الذي تمارسه الدولة في حق هذا الكائن الضعيف، الذي تعرض الى تشويه جسدي من طرف رجال الأمن والمخمورين والمشاغبين والمتسكعين على أبواب المدارس، دون الحديث عن تشويه صورته على مستوى الصحافة المكتوبة والمرئية، التي أصبحت لا تتحدث عن المدرس إلا وهو شاذا أو متخاذلا أو.....،ولم نسمع يوما ما عن العديد من المدرسين الذين يسرقون من اجرتهم الهزيلة ولا يعرفون النوم، ويخصصون جوائز للمتعلمين المتفوقين للعمل أكثر من أموالهم الشخصية. وما يؤسف عليه أننا نجد بعض الصحافيين الذين تعلموا على يد هؤلاء المدرسون، أنه بمجرد ما يجد نفسه قادرا على كتابة سطر صحيح يكون مضمونه هو الهجوم على المدرس الذي علمه الكتابة. وخلاصة القول أن المدرس، ونظرا لإحساسه العميق بعمق الأزمة، ولولا معاناته اليومية مع أجرته الفقيرة، لما وجد نفسه مضطرا لمغادرة جدران المؤسسة قاصدا مدينة الرباط، للدفاع عن حقه الضائع، ولما تحمل هذا العذاب النفسي والجسدي الذي يتعرض له يوميا فهو يعرف أن العذاب والعنف المسلط عليه، أصبح واقعة يومية وتعود شيئا فشيئا التطبيع مع العنف نفسه.
يبقى السؤال الأهم والذي ينبغي التفكير فيه بجد، ما هي وضعية المدرس ما بعد الحرب النفسية والجسدية التي تعرض اليها في شوارع عاصمة المملكة؟ طبعا لا يمكن أن يختلف اثنان أن العنف لا يولد سوى العنف، وأن التهميش لا يولد سوى التهميش، وأن الإقصاء لا يولد سوى الإقصاء، فالمدرس وهو يرى كل صباح آثار القمع على جسده، وهو يشعر بالمرارة والحقد الذي بدأ يلون قلبه، سيجد نفسه مضطرا لتفريغ هذه الأزمة في المكان الوحيد الذي يستطيع أن يفرغ فيه ذلك، وهو القسم، هكذا سيجد المتعلمين نفسهم ضحية سياسة قمعية انتهجتها الدولة في حق رعاة مستقلبها، ومن العادي جدا أن يتسم عمل المدرس بالاهمال واللامبالاة، كما قد يتسم بالعنف احيانا، وهكذا يجد المدرس نفسه قد انخرط بشكل غير واعي في اعادة انتاج القمع والعنف والحقد والمعطوبين نفسيا وخلق أزمات نفسية جديدة.
طبعا هذا ما قد يؤول اليه وضع المدرس ما بعد الحرب كما يحلوا لي أن أسمي هذه الواقعة التي لا تنتمي الى تاريخها، والى مغرب الديموقراطية والحداثة كما يحلوا لهم تسميته، فغالبا ما سيخرج المدرسين المعنفين بشخيصة معنفة ومريضة ستعكس لاشعوريا مرضها على جدران المؤسسة، وستنشر البؤس والعنف والقلق في أركان الدرس، وهذا ما لا نتمناه أبدا وحبذا لو كان توقعي خاطئا على أن يكون حقيقة كارثية، طبعا هذا الوضع الذي أصبحت تعيشه مؤسساتنا التربوية ووضعية المدرس يعكس حقيقتين هامتين.
أولا: لا قيمة للمدرس في السياسة المغربية وأن شعار اصلاح التعليم لكونه أولوية وطنية مجرد شعار تاريخي مستهلك، يخفي حقيقة اخرى هو اعتراف بأن وضعية التعليم بالمغرب كارثية، وهذا الاعتراف ليس داخليا، وإنما فقط الإحصائيات العالمية التي نتبوأ مؤخرتها هي التي دفعت المسؤولين المغاربة للاعتراف بذلك.
ثانيا : أن تعنيف المدرس دليل ملموس وواقعي على أن المغرب لازال يربطه حنين بمرحلة البصري، وأن نفي البصري لا يشكل قطيعة مع ديكتاتورية وزارة الداخلية، وإنما من أجل بصري جديد، فالمغرب ينتج كل يوم الآلاف من عشاق العنف والقمع لأن العنف سلوك تربوي يستمد جذوره من المؤسسة الصغيرة " الأسرة" وصولا الى المؤسسات التربوية " المدارس" التي تعيد لنا انتاج القمع فتنتج لنا في المستقبل عشاق العنف والمدافعين عن الديكتاتورية.
ما تعرض له نساء ورجال التعليم في الرباط، لا يستحق فقط الاستنكار وإنما خوض خطوات عملية غير ملونة بسياسة النفاق التي وجدت لنفسها ضالة في المؤسسات التربوية، إني اعتبر اهانة مدرس واحد بعصى رجل قمع هو إهانة صريحة لكل المدرسين، بعبارة صريحة تقول الدولة للمدرسين هذا "ما تسواو عندي ". إن هذا الوضع المخزي الذي آل اليه رجل التعليم في المغرب لا يعود فقط الى الدولة، وإنما الى التلون النقابي، وصراع المصالح السياسية التي وجدت ضالتها في الجسد التربوي، فأصبح ممزقا يمكن العبث به في أي مكان وهذا ما حدث، إنها دعوة صريحة للخروج من هذا العبث النقابي من أجل تأسيس نقابة واحدة قادرة على الدفاع عن حقوق المدرس وحمايته وتستحق اسم " نقابة المدرسين" مرجعيتها الوحيدة هي: المهنة المشتركة والمصالح والمشاكل المشتركة. ينبغي الفصل بين العقل النظري والعقل العملي في العمل النقابي، هذا الانشطار للجسد التربوي ولوحدة المدرسين وهو ما قدمه فريسة سهلة لكل من يترصد بكرامه وشرف المدرس، وهذا ما حدث فعلا، وأرخته الكاميرات هذا الأسبوع في شوارع مدينة الرباط.
anis
كلام جميل لكن....
السلام عليكم . أخي العزيز كل ما جئت به هنا أكيد سيتفق معك فيه كل من يحمل في قلبه ذرة واحدة من الإيمان لا يمكن بأي حال من الأحوال تقبل العنف مع رجل التعليم أو غيره ما دام الاحتجاج سلمي و حضاري لا يعتدي على حق الآخر.سيقول الكثير أن الأستاذ من هذه الإضرابات تعدى على حق التلميذ.أقول هنا لمذا لا يضرب ويحتج آباء وأولياء التلاميذ وجمعيات مدنية ولسانهم يقول إذهب أيها الأستاذ إلى الفصل إنا مكانك ومن أجلك مناضلون وسنأتيك بحقوقك كاملة. هنا نصل إلى معادلة أخرى لنسأل أين المجتمع المدني من هذا الأمر أين الجمعيات الحقوقية . أين جمعيات الآباء ؟ أين النقابات بصفة عامة والتي نجدها تكون محايدة بالسلب أو صائمة عن الكلام المباح عندما يكون حزبها في الحكومة.وهنا مشكلة أخرى عندما نرى 40 نقابة أوأكثر في التعليم تنسيقبات فدراليات إتحادات جامعات جمعيات .... الكل يزعم وينادي بالدفاع عن رجال التعليم إطمئنوا معشر الأساتذة لن تنالوا مطلبا ولا حقا بهذا التشتت وأيضا ما نراه من هجوم شرس وبقوة من أطراف عدة من المجتمع المدني ضده بل حتى داخل القطاع نرى أساتذة التعلبم الثانوي أو الإعدادي أو الإبتدائي لا يساندون بعضهم بعضا كل ينفرد بنفسه أثناء دفاعه عن حقه ويتشتت في خضم هذه النقابات 40 أو أكثر بل قد نجد حتى داخل مؤسسة واحدة لا نرى التآزر والتضامن بين رجال ونساء التعليم بل قد نجد صراعات فيما بينهم وإن لم تكن فبينهم وبين المدير حتى بدأنا نرى قضايا تصل إلى المحاكم.وعلى صعيد آخر أصبحنا نرى الأستاذ أيضا يتعرض للعنف اللفظي أو الجسدي داخل وخارج المؤسسة التعليمية وعاهات جسدية وصلت إلى حد الشلل الجزئي أو الكلي وأستاذات تعرضن للإغتصاب. وآخيرا ختامه السجن والطرد والمستشفيات وضرب من رجال الأمن الذين تنكروا لأساتذتهم الذين بسببهم أصبحوا الآن موظفين بفضل هذا الأستاذ وحقا أتقن رجال السلطة فن الضرب على الرؤوس و الجمع بالرجلين و الطرح على الأرض و القسمة بين أفراد الأمن في تناوبهم على الضرب والإهانة ضرب من كل النواحي و الإتجاهات على رؤوس الأستاذ من التلميذ إلى أفراد المجتمع و الأمن و الوزارة و ظروف العمل و الإكتظاظ وكثرة ساعات العمل والدروس والمواد. وتقليص من العطل لم يبق له سوى العمل يوم الأحد وأصبح تحت المجهر ينتظر الجميع منه الوقوع في زلة أو مشكلة حتى تكثر السكاكين عليه.وكل هذا العنف المادي والجسدى واللفظي والمعنوي ...لا نجد سوى مذكرة واحدة ضد العنف لكن في إتجاه واحد فقط أي يمنع العنف مهما كان درجته أو نوعه ضد التلميذ فقط أما الأستاذ فلكم كامل الصلاحية في جعله مثل الكيس الذي يجده لاعب الملاكمة أو الكراطي في ناديه الرياضي يتفنن في استعراض عضلاته وقوته عليه .إذا أردنا أن نعدد حسنات الحكومات السابقة سنجدها حققت الإجماع الوطني في عداء رجل التعليم بنسبة 100% بل أصبح أيضا متهما بأكل أرزاق البلاد والعباد ومسؤول على البطالة مسؤول على عدم تمكن الدولة من توظيف المعطلين. ويطل وده أثناء إعداد الخطابات و البيانات و تقديمه للدفاع عن مصلحة ومنفعة الحزب أو النقابة أو الحي أو الجريدة أو المجالات ... . وويل له إذا رفض أمرا بداعي الواجب الوطني أثناء الإحصاء والإنتخابات في مراقبة الصناديق و إحصاء السكن و السكنى مقابل دريهمات معدودة و في الأخير أصبح مادة خصبة للتنكيت والأحجيات ورمزا للبخل والإهانة . والله ما أفلحت أمة أهانت رجال تعليمها. ولكم في اليابان و فنلندا خير مثال للدول التي تكرم رجال التعليم و العلم . والنتيجة يعرفها الجميع تقدم وحضارة . أضطر إلى الإختصار مستسمحا إياكم عن الإطالة إخوتي القراء و مستسمحا أكثر لأعضاء موقع أخبارنا لأقول لكل رجال ونساء التعليم قفوا صفا واحدة فيد الله مع الجماعة إصبروا وصابروا ورابطوا ولكم الله وأعانكم وسدد خطاكم إن بعد العسر يسرا صدق الله العظيم و شكرا .