سماحة الشيخ إدريس لشكر

سماحة الشيخ إدريس لشكر

احمد اضصالح

 

كم كنت خائفا أن يحمل مقالي هذا على غير محمله من طرف بعض القراء وخاصة منهم المنتمين للأحزاب السياسية من قبيل الاتحاد الاشتراكي، لذلك لم أسرع إلى تحريره حتى رأيت في الموضوع محورا يجب أن يطرح للنقاش الجاد كموضوع فكري ديني بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة التي تغلب طرفا على آخر.. فما الجديد إذن في تصريحات لشكر أمام النساء الاتحاديات؟ وهل يسوغ له أن يدعو إلى "مراجعة أحكام الإرث" مع قطعيتها، ويدعو إلى "تجريم تعدد الزوجات" في ظل واقع ديموغرافي واجتماعي ملموس؟!.

إدريس لشكر زعيم حزب الوردة الحالي دعا –وفق التقارير الإخبارية التي وصلتنا- إلى "مراجعة أحكام الإرث" كخطوة جديدة لتعميق "قيم المساواة" بين الرجل والمرأة في بلد قطعت فيه التنظيمات الحقوقية أشواطا لا بأس بها في مجال حقوق النساء لعل أبرزها مدونة الأسرة المغربية بديلا عن قانون الأحوال الشخصية سنة 2004.

إدريس لشكر بكلامه هذا يكون قد ارتكب خطأين، أولاهما منهجي وثانيهما موضوعي: أما المنهجي فلأنه طرق بابا باعه فيه قصير فلم يستشر حتى ذوي الاختصاص الذين ينحصرون في علماء الشريعة والباحثين في أحكام المواريث وعلماء الأصول وفي مقدمتهم ابن منطقته "مولود السريري" الذي لن يكلفه إلا تواضع السؤال متى قادته الظروف لزيارة مسقط الرأس قبل أن يصرح بهذا الكلام ويكلف نفسه عناء التشبث به.

وأما الموضوعي فلأن الأمر حسمه أهل العلم منذ أزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان باعتباره من القطعيات التي لا تحتمل التأويل والتي تكلف القرآن بيانها دون البشر لما في عقولهم من قصور وأهواء تجذبهم إلى ظلم بعضهم البعض متى تأتى لهم ذلك.

وفيما يخص تعدد الزوجات فقد كتبت فيما سبق مقالا عنونته "هل أثرت الأفلام المدبلجة في زواجنا حقا؟!"، فصلت فيه الكلام كثيرا كيف أن نسبة العزوف عن الزواج من الجانبين معا تزداد يوما بعد يوم في العالم العربي والإسلامي نتيجة متغيرات عدة أهمها التضييق على فعل الزواج فرديا كان أم متعددا. هذا التضييق الذي لا ينحصر في الشق القانوني المتمثل في السبب الاستثنائي بقدر ما يشمل مجالات عدة كالاقتصاد والمجتمع ومجالات أخرى، لتكون الدعوة إلى تجريم التعدد مدخلا أساسيا لتعميق وتكريس سلوكيات وظواهر شاذة تمجها المجتمعات المتقدمة.

فعوض أن يدعو زعيم الاتحاديين الحالي إلى توفير الشغل للعاطلين والعاطلات وتحسين ظروفهم المعيشية وتعليمهم ليواجهوا متاعب الحياة. وبعد ذلك ليفكروا في الزواج بواحدة فما بالك باثنتين وهذه وظيفته، عوض هذا قام باستباق الأحداث كإجراء احترازي بعيدا عن الواقع الأليم الذي يجب أن يطرحه باعتباره شريكا في عملية المعارضة إلى جانب الحكومة التي ما زال زعيمها يحن إلى أيام المعارضة بعد أن صارت المكتسبات الشعبية تذروها رياح الشمال تارة ورياح الجنوب تارة، وفئة عريضة من أبناء هذا الشعب تدفع ثمن المسرحيات الحزبية في كل وقت وحين.

 

زعماؤنا السياسيون في هذا البلد كثيرا ما يتهربون من مطالب الشعب الحقيقية اتجاه برك آسنة لا يتقنون الغوص فيها، هذا ما وقع بكل بساطة لزعيم الاشتراكيين الحالي متناسيا دوره، ونفس الشيء وقع مع آخرين كخطوات لتحريك الماء الراكد -بتعبير المصريين قبل الانقلاب- وتوجيه الأنظار نحو عالم للأحزاب السياسية ملؤه "قصص الخيال والتماسيح والعفاريت" و"مطاردة الساحرات" و"الاحتجاج بالحمير" و"التنكيت على المستضعفين أمام عشائر البترول" و"تبادل الاتهامات" و"إصدار فتاوي أو حشر النفوس فيما لا يعنيها" كحال سماحة الشيخ إدريس لشكر..

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات