20 فبراير... رأي الأغلبية الصامتة

 

 

بقلم: ذ. عبد الرزاق النقاشي

enamaroc@hotmail.com

ترددت أكثر من مرة في نشر هذا المقال. ليس لأن لي رأيا أخشى التصريح به أولي فكرا أُسِرّه في نفسي ، بل لأنني كُلّما طالعت موضوعا يتعلق بحركة 20 فبراير على الشبكة العنكبوتية إلا ووجدت كما هائلا من السب والشتم تجاه الكاتب أو بين القراء المعلّقين. فتجد الموضوع دائما مُذيّلا بعبارات و كلمات نابية، لا يمكن قبولها في حقّ أي أحد، من منطلق أن الكلام الطيب أو البذيء يدل على أخلاق صاحبه، أيا كانت المبررات والدوافع. فلم أُرد بالتالي إضافة موضوع آخر على نفس الشاكلة ولا أن أزيد الطين بلّة، وإنما أردت إسماع صوت تلك الفئة الصامتة التي لا تنحاز لرأي قاطع في موضوع الحركة ولا تعلق ربما على مثل هذه المواضيع. قد تتفق مع أحد الطرفين في أشياء وتختلف معها في أخرى ولا تحب بذلك لا اللون الأبيض ولا اللون الأسود، فوطننا كما هو معلوم له ما له وعليه ما عليه و حتماً " العامْ ماشي ديما زينْ ".

جرت العادة في مقالات بعض الكتّاب على وصف حركة العشرين ب " 20 بر... "، ووصفها ب "الخيانة" و"العمالة" لجهات أجنبية تسعى إلى" زعزعة استقرار" هذا البلد الآمن، في حين تلجأ فئة أخرى إلى تبني أفكار الحركة بشكل كامل. كما تجد صفحات إلكترونية هنا وهناك، تدعو إلى مناصرة هذا الطرف أو ذاك و لا تكاد تجد صفحة واحدة تدعو إلى الألفة و السلام بين الجميع. فتجد القارئ، في الغالب، إما مؤيدا حتى النخاع أو معارضا إلى حد التخوين ووصف الحركة بأخبث الأوصاف. و في خضم هذا الجوّ المشحون والمفترق المليء بالتناقض ينسى كلا الفريقين أنه في مكان ما على أرض هذا الوطن، يوجد من لا يشاطرهما الرأي، ويكره بالتالي أن تسأله ذلك السؤال البغيض: " هل أنت معي أم ضدي؟؟ " . هذا السؤال الذي يوحي بالأزمة و انعدام الثقة ويكشف عن وجه التعصّب المقيت و يجعل الكثيرين يخشون على مستقبل أبنائهم في وطنهم و وطن الجميع، مهما كانت توجهاتهم الفكرية والسياسية.

هناك من يدعو إلى تقارب المذاهب أو حوار الأديان أو حتى إلى حوار الحضارات، ولو قُدّر لمخلوقات أن تعيش على المريخ لوجدت من يدعو إلى حوار الكواكب بين أهل الأرض وأهل المريخ. أليْس من حقي إذاً أن أدعو إلى حوار بين أبناء الوطن الواحد؟؟ ربما تُفرّق الأفكار بين هذا وذاك، لكن الوطن أكبر منّا جميعا ويتسع حتما للجميع، ولا مكان، إذاً، لإقصاء أي أحد لمجرد أنه لا يشاطرني الرأي، فالخلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية، وعوض البحث عن نقاط التباعد والاختلاف، يكون الأجدر بنا البحث عن نقاط الالتقاء والاتفاق. فالموقف لا يحتمل فُرقة على فُرقة ولا زيادة في التشردم والتشتت. التاريخ علمنا أن الأمم تنهار وتتفتت عندما تنقسم على نفسها، فالشعور بالانتماء المشترك هو وحده الكفيل بإعطاء معنى حقيقي لمفهوم الدولة، فهذه الأخيرة ليست ترابا إقليميا وسلطة سياسية وحسب، بل أيضا شعبا ذا روابط وأهداف وغايات مشتركة من أجل البقاء.

خرج علينا أولا " مُولْ الشاقور " وتلاه " مُولْ السيفْ " ثم " مُولْ الزرواطة " يردّ عليهما في مشهد للفعل وردّ الفعل والشد والجذب والصراع والمواجهة، والذي يمكن أن أسميه " حوار الأسلحة " في مقابل "حوار العقليات والأفكار" والذي لا نجده للأسف. ونخشى فيما نخشاه أن يقرر " مُولْ الفرْدي " و " مُولْ الجّويجة " الخروج هما أيضا ليواجها أحد الطرفين، في الوقت الذي كنا نتمنى فيه أن يخرج علينا " مُولْ العقلْ " والذي نفتقده لحد الآن. إن التعصب لفكر ما و التخندق في خندق معين دليل على نفاذ كل وسائل الحوار، فهل فعلا استنفذنا كل سبل الحوار الممكنة؟؟ و هل عجزنا فعلا عن إيجاد صيغ أخرى للنقاش غير " الشاقورْ " و " السيفْ " و " الزرواطة " في القرن الواحد والعشرين وعلى أرض "تلاقي الحضارات والأديان" ؟؟ فالأجدى بوطننا أن يكون أولاً أرضاً لتلاقينا نحن أنفسنا أصحاب الهم الواحد و المصير المشترك.

أكره أن يُصفع أحد بيد شرطي كما لا أحب أن يُنتهك حق أي أحد في التعبير أو التفكير أو الحياة، لأنني ببساطة أرغب أن يكون وطني أنموذجا لاحترام الحريات العامة و لا يمكن لأحد أن يتبنى عنف الدولة ويبرره، فيستحلّ قمع كل من يتكلم وضرب كل من يتحرك، بحجة أنه يتبنى فكرا يختلف عما يريده الآخر، فمن حق الجميع أن يعبّر ويستنكر كل ما استنكره القانون أصلا ووفق ما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية والدستور المغربي. ولا يمكن بالتالي أن ننشد التقدم والرقي كما هو حال أوربا و الغرب ونبرر في نفس الوقت عنفا على طراز أنظمة ديكتاتورية، فهذه الخلطة غير ممكنة. إن الحرية و الاستعباد لا يجتمعان في نفس الوقت وفي مكان واحد على الإطلاق. كما أن المواطنة حقوق و واجبات، فلا يحق للدولة أن تسلب الحقوق والحريات لمن لا يتناغم معها، ولا يمكن لأحد بالمقابل أن يتخلى عن واجباته تجاه وطنه. والأكيد أن دماء الجميع ستختلط دفاعا عن هذا الوطن إن مسه أذى الأعداء لا سمح الله، فلا يزايدْ أحد على أحد في الوطنية والمواطنة. لا نريد بلقنة المغرب ولا ليبيا أخرى هنا، وبالمقابل لا نريد مغربا يحتل مرتبة المؤخرة في كل شيء في التعليم والصحة ومؤشر التنمية البشرية والرشوة واللائحة طويلة.

" قطران بلادي ولا عسل البلدان " مثل شعبي بليغ، لا نريده أن يتحول إلى " قطران البلدان ولا عسل بلادي " لا قدّر الله.


قراءة التعليقات (5)