دلالات الاستقبال الملكي للامين العام للحركة الوطنية لتحرير ازواد
الخمالي بدرالدين
لقد سبق لنا في دراستنا حول البعد الديني في الدبلوماسية الإفريقية - مؤسسة إمارة المؤمنين نموذجا - التي قدمناها كمساهمة علمية في إطار مقاربة الصراع المغربي الجزائري على تدبير الشأن الديني إقليميا - الملف الساخن 2013 - الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث أن اشرنا إلى أن فلسفة الدبلوماسية الملكية الجديدة التي يقودها الملك محمد السادس في المجال الإفريقي تقوم على عدد من العناصر أهمها أولا استثمار الروابط الدينية والتاريخية العميقة التي تربط المغرب بدول الغرب الإسلامي خاصة دول الساحل وجنوب الصحراء في توطيد العلاقات الدبلوماسية معها و تفعيل الشركات التنموية وتطوير سبل التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي في إطار علاقات جنوب – جنوب .
ثانيا توظيف الزخم الروحي والوجداني لمؤسسة إمارة المؤمنين والعلاقات الوطيدة التي تربط الملكية المغربية بالزعماء الدينين وشيوخ الطرق الصوفية في رسم معالم السياسة الخارجية المغربية في إفريقيا و ضبط توجهاتها الكبرى في الحفاظ على الخصوصية والهوية الدينية الإسلامية الوسطية التي تقوم على التسامح والاعتدال المميزة للغرب الإسلامي .
وذلك من اجل تمكين المغرب باعتباره دولة محورية في المنطقة من أن تلعب الأدوار الريادية في صيانة الأمن الروحي وإعادة تأسيس التوازنات الجيو إستراتيجية في منطقة الساحل وإفريقيا الغربية وبناء التحالفات الإقليمية وممارسة عملية التحكيم في إنهاء النزاعات والصراعات وتطوير آليات التعاون الثقافي و الديني و الأمني و العسكري لمواجهة التهديدات الإرهابية المسلحة و الدعوات المتشددة التي تقف ورائها التنظيمات الجهادية ( القاعدة وغيرها ) والتي تؤثر بشكل سلبي على استقرار و أمن بلدان الساحل وغرب إفريقيا والمجال المغاربي.
ثالثا إيجاد بدائل سياسية واقعية وعملية في مواجهة أزمات التدبير السياسي والاجتماعي والأزمات الإنسانية التي تعصف بأغلب دول إفريقيا و التصدي للانقلابات العسكرية و دعوات الانفصال التي تعمل على تقسيم المنطقة وإضعافها وضرب وحدتها و فرض واقع هجينعليها قد تستغله القوى الدولية المتصارعة حول الموارد والثروات لفرض أجنداتها كما هو الحال في نموذج تقسيم السودان وكما حدث إبان حراك الربيع العربي في ليبيا و كما حدث من تطورات دراماتيكية بعد الإطاحة بالرئيس المالي أمادوا تومانو توري عبر انقلاب عسكري كان فرصة بالنسبة لحركة تحرير ازواد لإعلان استقلال الشمال وانفصاله عن دولة مالي إلا أن سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة على الإقليم وتهديدهم بتفجير المنطقة برمتها أدى في النهاية إلى تدخل عسكري مباشر من قبل القوات الفرنسية لإعادة الوضع إلى ما كان عليه .
الاستقبال الملكي الذي خص به الملك محمد السادس الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير ازواد بلال اغ شريف و موسى اغ الطاهر المتحدث باسم الحركة بالقصر الملكي بمراكش يوم الجمعة 31 يناير 2014 وأداءهم الصلاة بمسجد الكتبية رفقة أمير المؤمنين له دلالات جد مهمة من الناحية السياسية فيما يتعلق بأفاق حل الأزمة المالية ووضعية الطوارق بالشمال كما له إشارات حضارية لطيفة ينبغي الوقوف أمامها بكثير من التأمل والتحليل لأنها تؤكد في عمقها الفلسفة الملكية الصميمة و الدينامية الدبلوماسية الحكيمة التي يقودها الملك بصفته أميرا للمؤمنين في المجال الإفريقي وتعبر عن الروابط المتينة الضاربة في عمق التاريخ بين قبائل الطوارق وقادتهم السياسيين والدينيين و ملوك المغرب و تجسد بشكل عملي الخصوصية الدينية التي طبعت الغرب الإسلامي والمنبنية على العقيدة الاشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني التي كنا قد اشرنا إلى بعض جوانبها سابقا في مقالنا حول ( دلالات اللقاء الملكي بشيوخ الطرق الصوفية بالسنغال ) في معرض تحليلنا للزيارة الملكية للسنغال .
ومن جهة أخرى يؤكد الدور القيادي والسياسي الذي يقوم به ملك المغرب في حل النزاعات و تدبير الأزمات وتقريب الرؤى وفتح باب الحوار بين الأطراف المتنازعة باعتباره قائدا إفريقيا مسلما يمارس دوره التحكيمي في المنطقة من منطلق السعي الحثيث للمملكة المغربية لاستعادة موقعها الاستراتيجي بإفريقيا و دورها الإقليمي في المساهمة في استتباب الأمن وضمان الاستقرار وفقا للمواثيق الدولية بمنطقة الساحل التي تربطها بالمملكة المغربية روابط تاريخية جد عميقة .
الاستقبال الملكي لقادة الطوارق في شخص الحركة الوطنية لتحرير ازواد هي خطوة جد ايجابية لشجيع الحركة وباقي أطراف المشهد السياسي المالي على الانخراط الوازن والفاعل في العملية السياسية وتجاوز العقبات التي نتجت عن التغيرات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة بعد المرحلة الكولونيالية على المدى البعيد و من اجل وضع حد للفوضى التي أنتجتها الجماعات الإرهابية المتطرفة على مدى السنتين الماضيتين والتي حاولت خلالهما استغلال واقع الأزمة السياسية في مالي من اجل بناء قواعدها وشبكاتها وفرض تصوراتها المتطرفة على سكان المنطقة
كما ان الاستقبال الملكي لامين عام الحركة الوطنية لتحرير ازواد تم في ظرف زمني جد دقيق تبدو فيه الحاجة جد ملحة لتكثيف الجهود الدبلوماسية و السياسية والتواصل مع جميع الأطراف داخل المجتمع المالي لمواجهة الاكراهات التي تعيق بناء مؤسسات الدولة وعودة الاستقرار والحفاظ على الخيار الديمقراطي وتدعيمه و الوساطة في فتح قنوات الحوار بين الحكومة المالية الحالية بعد تولي إبراهيم بوبكار كيتا مهام رئاسة الدولة و باقي أطراف المعارضة لإيجاد حل نهائي ودائم وفقا للدينامية الجهوية التي أطلقتها الأمم المتحدة لوضع حد للنزاع الذي كاد يعصف بالدولة المالية وبوحدتها الترابية .
لقد سبق أن أكدنا كذلك خلال نفس الدراسة بأن حرص ملك المغرب على توظيف رمزيته الدينية والروحية بصفته أميرا للمؤمنين و توطيد علاقته الوجدانية بسكان وزعماء وشيوخ الطرق الصوفية بدول منطقة الساحل وإفريقيا الغربية سيكون له من الآثار الايجابية على الأمنوالاستقرار بالمنطقة ما لا يمكن حصره خاصة فيما يتعلق بالأمن الروحي و الحفاظ على تأثير الخصوصية الدينية المغربية التي تتسم بالاعتدال والوسطية في إفريقيا وسيسمح على الأمد البعيد في مقاومة كل الدعوات الهدامة التي تتبناها الحركات الإرهابية كتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وباقي الجماعات المسلحة في المنطقة التي تمس بالأمن والاستقرار وتؤدي عملياتها الإرهابية في النهاية إلى تبرير التدخل العسكري للقوى الدولية .