التباس الحق بالباطل
جمال اشطيبة
من أقبح الأعمال التي عابها القرآن الكريم على الأمم السالفة من يهود ونصارى وغيرهم هي تمويههم للحق وإلباسهم إياه لباس الباطل، وهو ما يؤدي إلى تزوير الحقائق، والتقول على الله ورسله، قال الله تعالى: "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"
-البقرة: 42-
إنها جريمة كبرى إذن أن يعمد المستأمَنون على الشريعة إلى إضاعة الأمانة التي كلفوا بحفظها وأدائها إلى الناس، وذلك بأن يقوموا بعكس المطلوب منهم فيخلطوا الحق بالباطل، ويحاولوا إظهار أحدهما في صورة الآخر منهما المناقض له، والأخطر في العملية هي أن يتم ذلك بعلم وبوعي وبتخطيط مسبق بهدف إضلال الناس عن الحق، وإدخالهم طريق الغواية والزيغ والضلال.
ومن الزيغ والضلال أن نعتقد نحن المسلمين أن تلك الأعمال خاصة بالأقوام السابقة وأننا نحن في منجى و عصمة من الوقوع فيها، وكأن الحديث عنها في القرآن الكريم والسنة النبوية مجرد قصص أو إخبار، أو هو لإظهار فضل هذه الأمة على غيرها، من حيث أنها لم تقم بما قامت به الأمم السالفة.
والحق أن القرآن الكريم عندما يحكي عن تلكم الأمم، إنما يفعل ذلك من أجل أخذ العبرة منهم، والاستفادة من الأخطاء التي عملوها حتى لا تتكرر مرة أخرى مع غيرهم، ولذلك يأتي التعقيب القرآني:"فاعتبروا يا أولي الأبصار" -الحشر:2- فالعاقل من اتعظ بغيره كما يقول المثل.
وفي الحديث النبوي :"دب إليكم داء الأمم قبلكم"[1] فأمتنا كغيرها من الأمم قد تصاب بالأدواء التي أصابت من قبلنا من الأمم، وقد كانت تلكم الأمم تلبس الحق بالباطل وتكتم الحق وهي تعلمه، وتعلم خطورة ما يؤدي إليه، ورغم ذلك تفعله، وربما أجازت لنفسها أن تقوم به قربة إلى الله، بنوع من التأويلات و زخارف من القول غرورا !
إن من قبلنا كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا، ويحرفون الكلم من بعض مواضعه، ويلوون ألسنتهم بالكتاب ليحسبه السامعون من الكتاب وما هو من الكتاب.
غير أن هذا الداء ليس خاصا بأمة دون أمة أو قوم دون غيرهم، ففي الحديث النبوي:"لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟"[2]، وفي رواية:"حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم"[3]
إننا لسنا في مأمن من الإصابة بأمراض الأمم السالفة، ولذلك يحكي القرآن الكريم والسنة النبوية عنهم ليحذرا من خطر التعرض لما تعرضوا له، فيصيبنا ما أصابهم، ولهذا فإن اعتقاد أن تلك الأعمال خاصة بهم، وأننا واقفون على جبل يحمينا من طوفانها هو من إلباس الحق بالباطل وهو من كتمان الحق الذي نطق به القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ينبغي أن نعلم أننا بشر ممن خلق، وأن لله سننا في خلقه، وأن تلك السنن لا تحابي أحدا، وأن هذا الكون مسخر كل يأخذ منه بحسب علمه وقدرته واستطاعته، وأن المسألة ليست بالأماني والرغبات وأن "من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا" النساء:123