نشطائي الأوفياء في حركة 20فبراير

نشطائي الأوفياء في حركة  20فبراير

 

 

الأستاذ عبد الكريم طيبي

 

أعلم تماما كما يعلم غيري، أن ولادتكم المباركة في ذلك اليوم المشهود من شهر فبراير، ما كان لها أن ترى النور لولا بركة الغليان الشعبي الذي بزغ على حين غرة، ليتردّد صداه مجلجلا من المحيط إلى الخليج. بالتأكيد ثمة عوامل موضوعية لا ينكرها إلا غافل أجّجت الأوضاع هنا وهنالك، بعد أن تعاظم القهر، وعمّ اليأس في النفوس، وضاقت السبل بأهلها، ولم يعد بالإمكان إطالة الصبر والاستكانة أمام واقع متردّي يشكو الغبن الاجتماعي، والعبث السياسي، والتأزم الاقتصادي .... فثارت ثائرة المستضعفين في الأرض وأعلنوا ثورات ربيعية تعبيرا عن الغضب، وكأن حالهم يستجيب حتما للمنطق الفيزيائي القائل :{الضغط يولد الانفجار ..}

ها أنتم الآن تنخرطون بعنفوان شبابكم في هذا الحراك الجماهيري، وترفعون بسلم سقف مطالبكم في أفق إصلاح بنيوي، يطال أحوال الناس كما يطال السياسة والاقتصاد ... فما أفخرني بكم ! وما أشدّ سعادتي بنضالكم وإصراركم اللامتناهي على التغيير! واضعين نصب أعينكم صيانة الثوابت الوطنية التي لاتقبل  المساومة... وليس لي ولله أدني حساسية حيال دعواتكم الصريحة والتوّاقة إلى الخير والنماء لهذا الوطن المفدّى.... ورغم هذا كلّه أخشى أن ينعتني أحدكم سامحه الله بالمخزني نسبة إلى المخزن، بمجرّد أن أدلي بدلوي في شأنكم، عفوا شأننا جميعا نحن –المغاربة-  باعتبارنا نتقاسم نفس الطموح ونستشرف ذات المستقبل المشرق إلاّ من أبى فمآله الخسران المبين .

مايشغلني من هذا كله، هو أن يتسع صدركم لشكواي اللطيف الذي لايفسد للودّ قضية، وأجد فيكم مطلق الإنصات الهادئ والمتعقّل، ولعمري إنّ الإحساس الذي يزحف في دواخلكم حين تصدحون بشعاراتكم المبجّلة نفسه تماما الذي يسري في دمي، وينبض في عروقي، ويربض في ذاكرتي كأنه التمثال الشامخ .... ألسنا سويّا صوتا متناغما مفعما بروح الحق وصدقية المطلب الذي لاتتناطح حوله عنزتان..؟ اسمحوا لي أكاد أختلف معكم تحديدا في اختيار أفضل المعابر التي نلجها لانتزاع هذا الحق وتحصينه من الضياع. نعم نحن أهل له باستحقاق وإننا ماضون بعون الله لنيله ولكنْ.... كم تمنيت لو ظللتم كما عهدتكم لحظة ولادتكم المباركة على نقاء قمة شبابكم، بنفس الوجوه الفتية، والسرائر النقية، والأفكار النيّرة والهمم المتوهّجة، متراصّين، مصطفّين جنبا إلى جنب باسم حركة شبابكم، القائد للسفينة وربّانها المتمرّس الذي خبر بذاته مجاهل البحر، وعزم في عناد على بلوغ شاطئ الأمان.... أوْهِ، لا أرتضي إطلاقا، أن يضايق ركوبكم الهادئ إلى حدّ الاختناق، ممّن تعاف حضوره النفس، وتشمئز لرؤيته العين، فتتعطل لحظتها محّركات تلك السفينة، وقد تتوقف في بداية العبور إيذانا بالغرق ... رجائي التفتوا إلى أقصى يمينكم، ستجدون أصنافا من المتحمسّين الجدد للنضال المزعوم، وهم لايبتغون الإصلاح قيد أنملة، بقد رما يتغيون بلبلة الشارع مراهنين على استقطاب الدراويش، ومتعطشين لإراقة الدّماء كما صرّح بعض نشطائكم، وذلك وفق أجندات مهيأة سلفا، وتوجهات مؤدلجة تصطدم باستقلالية نهجكم الذي رسمتموه مند نشأتكم الميمونة، ولعلكم إذا انتبهتم  إلى أقصى يساركم، ستعثرون على نفر من دعاة الشعبوية المفضوحة التي تحنّ إلى العهود البائدة، ’يسْمعون لغطهم بعد أن خبا صوتهم ردْحا من الزمن .... والغريب العجيب، أنّ الجمعين معا التقيا بقدرة قادر في خندق واحد لخوض معركة باسمكم ظاهرها التغيير وباطنها التدمير، كل هذا في شكل توأمة سريالية لم تكن تخطر على البال ..... أيها الأوفياء، أراكم اليوم أشبه ما يكون بحصان طروادة، يثير النقع بحوافره وهو يعبر الفيافي والقفار، فأعياه الركض بعد أن ضلّ الطريق، وبدا صهيله يتردّده الخواء، فهل لكم أن تتنبّهوا وتستميتوا بعنوان عزة شبابكم ؟ لأنّكم صنّاع القرار، ورجالاته الأفضلون، اطردوا الضيوف الثقيلة  التي تقتات من موائدكم ، أو على الأقلّ، اسألوهم أين كانوا متوارين لما قررّتم النزول إلى الميدان، وبادرتم بنيل المشعل الوهّاج؟ وتيقــنوا أن الشعب المغربي المكافح المنافح لايودّ ملاقاة من خالف الموعد، وخان العهد فاستفْسروا الشعب ِليطْلعكم على الجواب ...

نشطائي الصّناديد، إن صوتكم تناهى إلى المسامع، فاخترق الآذان، وحرّك الأذهان، وهزّ الأركان، ولم يعد بالإمكان ممّن يعيش بين ظهرانينا يجهل بما يجري، وإليكم الدليل :        صدّ قوني أنني سألت ذات يوم خبّازا بحيّنا : مار أيك في حركة 20 فبراير ؟ أجابني بحماس :" الله يعاونهم كدافعوا على المقهورين بحالي،  باغين إحاربو الفساد، راه القضاء خصّو إصلاح.... ولكن إلا بقاو في صباغتهم حيت ركبوا عليهم شي وحدين .... إيوديك الملكية البرلمانية مفهمتهاش؟ ... " عندئذ قلت في نفسي: إن الوطن قادم لامحالة... فماذا بعد إذن ؟ 

إن كان هذا سقف مطالبكم، فحري بكم  أن تؤسّسوا مشروعكم النّضالي على التواصل الميداني مع الفئات العريضة من المجتمع، بدل الاكتفاء بترديد الشعارات الرتيبة  في الساحات الكبرى، والأحياء الشعبية بدروبها الضيقة المهادنة، ليتني أعاين تنسيقياتكم النشيطة، تباشر لقاءاتها مع المواطنين الذين هم  أحوج إلى من ينصت لشكواهم، ويقترح عليهم البدائل في وقت غابت فيه الأحزاب الموقرة، وأغلقت دكاكينها إلى حين موعد الانتخابات القادمة ..

لعلها فرصتكم السائحة لا تفوّتوها عليكم، وأكاد أجزم أنكم جديرون بتأسيس حزب شبابي طموح، يستمد شرعيته من قاعدة الشعب، ولا أعدو الحقيقة إذا اعتبرتكم الأجدر بملء الكراسي الوتيرة الفارغة، روحا لا جسدا، داخل قبة البرلمان، تقدمون الدروس السياسية والأخلاقية للمتلاعبين بالواجب الوطني، تشاكسون بقوة وتقترحون الحلول، وتصنعون القرارات الحاسمة في زمنها المناسب، تقفون بكبريائكم الزّاهي سدّا منيعا أمام نهّابي المال، أكّالي السّحت، تجّار الانتخابات ومفسديها .....

عزيزاتي النشيطات الفضليات، أعزائي النشطاء الأفاضل، وفقكم الله في مسيرتكم النضالية لما فيه خير للبلاد والعباد، وجنّبكم شر الخلق، وسوء الضغائن، وإلى حين تجفيف منابع حرمة بيتكم من الشوائب المعكّرة صفو أناقته، تقبلوا مني أسمى عبارات التقدير والامتنان ولكم ألف سلام .

                                         [email protected] 

عدد التعليقات (5 تعليق)

1

hamdaoui

مقالك أكثر من رائع يا أستاذ لقد أصبت كبد الحقيقة بعد أن انحرفت الحركة عن أهدافها الحقيقية وباتت بمثابة عجينة طيّعة في يد المشاغبين الذين لاهمّ لهم إلا إثارة الفتن والتغريد خارج السرب

2011/06/26 - 06:13
2

haraki

سفينة الحركة غرقت منذ أن سيطر عليها العدلاويون واليساريون وأنا واحد من أعضاء الحركة بالبيضاء وعاينت الإنزالات التي يقوم بها هؤلاء بمقر كدش بدرب عمر فلا حق لنا في الكلام وإصدار القرارات بما فيها قرار مكان التظاهر زد على ذلك الإعتداء ات اللفظية والجسدية في حق النشطاء الأحرار الذين قرروا تجميد نشاطهم إلى حين انعقاد مؤتمر لصدور توصيات تحدد استراتيجية الحركة وأهدافها النضالية

2011/06/27 - 05:39
3

touriya naji

اللهم احفظ بلدنا هذا من كيد الكائدين

2011/06/27 - 03:17
4

ahlam

tu as raison mon prof c\'est la verité

2011/06/28 - 01:08
5

مول الشاقور

نعم للدستور وخا يكون ممنوح مهم خلّوني عليكم فتقار أصافي

2011/06/28 - 01:14
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة