المراكشي العابث
عبدالسلام المساتي
لا أدري لم ينادونه "المراكشي"،ربما يزور مراكش كثيرا أو ربما لأنه مراكشي الأصل، ولكن لكنته أبدا لم تكن مراكشية . كان قصير القامة ،أصلع الرأس بقبعة شبه دائمة فوقه، وبحاجبين عريضين و أنف مقوس،فمه لم يكن يحوي أي سن لذلك كان متهجم الوجه ولا يترك الفرصة لنفسه بأن يبتسم إلا مجاملة لأحد ما و هذا نادرا ما كان يحدث .
كان هذا المراكشي يقطن وحيدا ببيت من قصدير منزو في أحد الجبال ،وتحيط به أشجار الزيتون والعديد من الصخور القديمة .موقعه هذا كان يسمح له بأن يرى القرية كاملة بوضوح ،لذلك كان غالبا ما يجلس فوق صخرة بجانب منزله منتشيا بتدخين غليونه(السبسي) المحشو بالكيف، مراقبا تحركات سكان لقرية غير المبالين بتواجده، إلا أبي ،كان يبالي بتواجده، كانا صديقين، يزوران بعضهما كثيرا و باستمرار..لكن الغريب أن المراكشي كان كلما زارنا إلا و يأتي بشيء ما في يديه ملفوفا داخل كيس بلاستيكي أسود، دون أن أعرف ما هو .أسأل أبي عنه لكنه يجيبني بكلمته التي تستفزني :" والو" فكنت أقضي ليلتي مشغول الخاطر بما يوجد في الكيس الأسود ،أحيانا أتخيله سكينا أو غليونا ، ومرة أتخيله قنينة عصير ...فيجتاحني النوم بلعاب متسايل . عند الصبح أستيقظ باكرا ، أتسلل بخطى متثاقلة إلى غرفة أبي الذي لا يستيقظ قبل الثامنة، أفتش بين أغراضه و أشيائه عن الكيس، أتسلل بيدي تحت وسادته محركا أناملي بسلاسة في حركة تفتيشية أحرص فيها على ألا أزعج أبي أكثر من حرصي على إيجاد الكيس..لا أجده فأضطر لزيارة جيوب بنطلونه ،أسرق درهمين أو ثلاثة و أحيانا خمسة حتى لا أعود خائبا .
كان كيس المراكشي الأسود سببا في تحولي إلى سارق جيوب أبي .المراكشي لم يكن سارقا لأنه لم يكن يغادر منزله القصديري إلا لزيارة أبي و أحيانا يقصد السوق الأسبوعي لتغطية حاجيات البسيطة ولكنه ما كان يكلم أحدا.. فتجده يغادر البيت عند السادسة صباحا ، يقطع مسافة سبع كيلومترات راجلا ، يقتني أغراضه وعند التاسعة صباحا يعود أدراجه قاطعا نفس المسافة . كنت أحيانا أرافق أبي إلى السوق فكنا نلقاه عائدا يحمل بيديه كيسين بلاستيكيين أبيضين ، الأول به سمك والثاني يحتوي خضرا وفواكه ، يبتسم لأبي دون أن يتكلم ويكمل مسيره بخطى متسارعة .
في أحد المرات استفسرت أبي لم المراكشي يقصد السوق باكرا جدا ، فحكى لي انه يفعل ذلك حتى لا يلتقي بالناس لأنهم يعتقدون أنه قتل زوجته بمراكش و أتى فارا إلى هنا، والحقيقة أنه لم يقتلها بل هي من تركته و فرت رفقة عشيقها ،فلم يستطع أن يتحمل كلام الناس واتهامهم له في شرفه و عرضه فأتى ليستقر هنا وللأبد .
وجدت في تلك اللحظة فرصة لأسأل مرة أخرى عما يشغلني و يزعجني :" وماذا يوجد بذاك الكيس الأسود الملفوف الذي يأتيك به المراكشي كل مرة يزورنا فيها؟؟" حينه انفجر أبي ضاحكا و اعتقدت أنه سيجيبني وينهي انزعاجي و تخيلاتي لكن سرعان ما اختفت ضحكته وصدمني بصوته الخشن:" والو