عودة محمد عليه السلام بين تحريف النصوص ومحاكم التفتيش..؟

عودة محمد عليه السلام بين تحريف النصوص ومحاكم التفتيش..؟

محمد السوسي

 

في حديث الجمعة لهذا اليوم نتناول قضايا مهمة حاول العقاد أن يطرحها في شكل افتراض يعرف أنه افتراض غير ممكن ولكنه يفعل ذلك ليثير الانتباه إلى شُبَهٍ وتساؤلات تطرح عن حسن النية أو سوء النية، وان كان العقاد يطرحها باعتبار اشتغال المسلمين وانشغالهم بها قديما وحديثا ومن بينها وعلى رأسها هذا التلاعب الحاصل بالنصوص واستعمالها لدى البعض لتحقيق المكاسب والمصالح مهما تكن هذه المكاسب والمصالح سياسية فئوية مذهبية اقتصادية، وغير ذلك مما يختلف الناس حوله ومن أجله، وهو في طرحه هذا إنما يريد أن يؤكد أن على المسلمين في القرن العشرين والذي يليه، أن يعتمدوا على أنفسهم، وعلى المنطق والعقل لتجاوز ما هم فيه، بناء على نصوص قد لا تثبت، وان تبتت فما هي الغاية التي تستعمل من أجلها وهذه القضايا ترتبت عليها مآسي أوقعناها بأيدينا، أو استغل البعض المتربص ما رتبناه عليها من مواقف ليضرب الإسلام والمسلمين، وتعيش الأمة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية مآسي كبرى يدفع ثمنها الأبرياء والكل برئ الا طائفة قليلة قد لا تحسب على الأمة لأنها رتبت أمرها مع خصومها فهي مثل الحرباء تأخذ لكل حالة لبوسا خاصا.

      ومن المآسي المترتبة عن أوضاع المسلمين اليوم هذه الملايين من الأطفال اليتامى الذين أودت الحروب والاقتتال الظالم بين المسلمين بآبائهم وأمهاتهم وبقوا وجها لوجه مع البؤس والحرمان.

      لقد قيل أن هذا اليوم الجمعة هو يوم اليتيم في العالم، ولكن هل هناك أيتام في وضعية أيتام فلسطين، والعراق، وسوريا، ولبنان، وأفغانستان، وإفريقيا الوسطى، وباكستان وغيرها من ديار الإسلام الذين أتت الحروب على كل شيء ذي صلة بالحياة الاجتماعية وحياة الأيتام في عالم الإسلام والمسلمين.

      لقد أوصى القرآن الكريم بالأيتام وحث على العناية بهم، وورد في السنة النبوية كثير من النصوص والتوجيهات في سبيل رعاية اليتامى والحفاظ على مصالحهم وأموالهم.

      ولكن المأساة اليوم هو أن اليتامى في ديار الإسلام بالملايين، وليس هناك إمكانية للعناية بهم ولا لصرف الأموال الضرورية لإيوائهم وتعليمهم وعلاجهم وتوفير الحنان والعطف الضرورين لنموهم في ظروف معيشية مواتية، فالأوضاع في كثير من ديار الإسلام لا تسمح بتحقيق ذلك، فالأموال التي قال القرآن في شأنها «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» تصرف اليوم في شراء الأسلحة لاقتتال المسلمين بعضهم مع بعض وتؤجر العصابات الإجرامية لتنظيم الاقتتال في ديار الإسلام أي مرصودة للمزيد من التدمير ومزيد من اليتامى الذين لا حول لهم ولا قوة.

      إن الأرقام التي تورها وكالات الأنباء وتتحدث عنها وسائل الإعلام لليتامى الذين عانوا ويعانون من الحروب ومن العدوان في ديار الإسلام هي أرقام ليست مؤلمة فقط، ولكنها مؤلمة ومرعبة، ومع ذلك فإن الأمل معقود على ذوي النوايا الحسنة والإمكانيات المالية من دول ومؤسسات وأفراد وجماعات ليلتفتوا إلى اليتامى في ديار الإسلام ويصلوهم ويخففوا من آلامهم ومآسيهم وهذا اضعف الإيمان وأضعف ما يفرضه الواجب الديني والإنساني من التضامن والتكافل بين الناس.     

*****************

 

المخاض العسير

حاولنا في الحديث الأخير إعطاء نظرة موجزة عن المسح الذي قام به (العقاد) بأسلوبه المركز والمكثف والذي قدم من خلاله أوضاع العالم الإسلامي في النصف الأخير من القرن التاسع عشر ومفتتح القرن العشرين، والذي ركز فيه على تميز دول ثلاث العثمانية – إيرانية – ألفاض العبر و انهينا الحديث بما كتبه العقاد عن الدولة المغربية في فترة بداية التحضير لاحتلال المغرب وفرض الحماية عليه ومعنى ذلك أنه تناول مرحلة المخاض العسير الذي عانت منه الأمة الإسلامية قبل إجهاض بوادر النهضة.

عالم منقسم

       وواصل العقاد في الصفحات التي بقيت من الكتاب الحديث عن ردود الفعل تجاه الغزو الاستعماري للبلدان الإسلامية، كما تحدث عن زعماء وقادة الإصلاح، مركزا على الشخصيات البارزة في هذه المرحلة المهمة من تاريخ العالم الإسلامي أو الشعوب الإسلامية ولم تكن الصورة التي قدم بها العقاد هذه المرحلة الا كما هي في الواقع صورة حلل فيها واقع عالم كان يملك كل شيء وأصبح مملوكا بكل ما فيه ومن فيه، وهو مع هذه الطامة الكبرى عالم منقسم على نفسه، ولا يملك من القومات المادية ما يجعله يدفع عن نفسه هذا العناء المنبعث من التسلط الأجنبي والذي ختم قرونا طويلة من الصراع والحرب السجال بين عالم يسمى شرقا، وآخر يسمى غربا، هذا الغرب الذي كانت له صورة خاصة وغرائبية في نفس الوقت حول الشرق وأهله وحضارته وتقاليده.

التحضير

       وقد ذكر (العقاد) الأدوات الحربية الثلاث التي ركبها الاستعمار وكان بها حفيا وهي تمهد له الطريق، وتفتح أمامه الأبواب، ولم تكن هذه الأدوات من تنصير وجيش واستشراق مما هي عليه وليد لحظة أو جاءت صدفة، وإنما كل ذلك جاء نتيجة للتحضير المستمر، والتهيئ تلو التهيئ لتحقيق ذلك، فالأدب الغربي في القرون التي تلت الحروب الصليبية كانت في حالة الشرق وأهله مما استأثر بخيال وعقل العلماء والأدباء في الغرب، كما كان مجموعة من المفكرين منغمسين في إعداد الخطط والمشروعات لغزو هذا الشرق واحتلاله، والقضاء على دوله واحدة واحدة كما أسلفنا.

       ولكن النهاية التي سجلها القرن التاسع عشر في نهايته أفضت إلى النتائج التي لا يزال أثرها باديا للعيان والى الآن.

الاستنجاد

       لقد كان من نتائج هذا الاحتلال والتحكم حافزا للمنتصر والمنهزم على السواء للتفكير والعودة إلى التاريخ القديم والواقع الماثل للاستنطاق والتحاور معه بما يناسب، وهكذا اتجه المنهزم إلى ذلك الماضي يستنجد به، ويعيش على أمجاده حتى لا تنطمس شخصيته وتتدثر هويته.

ثقافة مناقبية

       وهكذا نشأت ثقافة مناقبيه إن صح التعبير، نجد فيها لدى الكثيرين ما يجمع بين البكاء على الماضي وما يدعو إلى التطور مع الزمان لنعيد هذا الماضي شيئا جديدا في حين نجد المنتصر يسعى إلى جعل الماضي شيئا ما كان ينبغي أن يكون ودفعه هذا إلى إنكاره أو على الأقل الإقلال من أهميته، فما كان منه ايجابيا في نظر الغرب إنما هو شيء مقتبس ومستعار من الغير، فلا إبداع ولا ابتكار، ولا شيء مما يعتبر ثقافة حقيقية ما وعلما يعتمد به، فالكل مستعار والفضل أولا وأخيرا للمبدع الأول الذي هو الغرب ممثلا في اليونان أو الرومان وإذا تفضل هؤلاء واعترفوا بشيء من الوجود نسبوه إلى أقوام آخرين الذين لم يكونوا عربا ولا مسلمين بالفعل وإنما إسلامهم سطحي لا يتجاوز الحناجر وإنما الهدف من كل ذلك هو خلق نوع من الصراع بين هذه الشعوب المتجانسة والموحدة في ظل الإسلام.

الاستيلاب

 ولم يكن لهذا الأسلوب الذي نهجه الاستعمار بجيوشه الثلاث إلا أن يكون أداة تخريب وتمزيق للأمة ووحدتها وهكذا وجدنا الناس في هذه الرقع من العالم الإسلامي يعيشون بلبلة فكرة فيها من تحزب لمقولة الاستعمار والتنكر للماضي ولحاضر الأمة حيث أصابه الاستيلاب.

التقوقع

 وفيها من تقوقع داخل الماضي وأغمض عينيه عن كل شيء يراه ويلمسه أمامه ولكنه تنكر له مخافة أن يذهب بما يملكه في سلاح يدفع به غائلة المعتدي وهو إذا تجرد من تراث الماضي وثقافته فبماذا يمكنه أن يجادل ويدافع.

نماذج

       لقد استعرض العقاد ألوانا من هذه الصراعات التي فجرها المستعمر في أرض الإسلام وبين المسلمين، وذكر من الأسماء نماذج من هذا الجانب واخرى من ذاك، ولا يمكن إلا أن يفعل وقد كان هو نفسه جزء من هذا الصراع وبصفة خاصة في شقه الأدبي، كما كان جزء في شقه السياسي، بل هو متزعم لجناح من أجنحة الخصومات الأدبية.

اختيار

       هذا الواقع الذي صار أمرا لازما، اختار العقاد أهم ما فيه من صراع والذي لا يزال الناس يعيشونه إلى حين فرع العقاد من وضع هذا الكتاب والذي استمر بعد ذلك وهو ما لا يزال الناس يعيشونه والعقاد هو الآن تحت الثرى نصف قرن من الزمان وأيام.

إشكالات

       وإذا كان العقاد ممن كتب عن السيرة النبوية وعن الخلفاء الراشدين وعن دعاة الإصلاح وزعمائه فقد لاحظ أن هناك كثيرا من الإشكالات تحتاج إلى الحسم ولكن العقاد يسعى إلى الحسم فيها بأسلوب فيه نظر، ولاشك أن هناك أسئلة مضمرة لديه كما لدى غيره وهو لا يرى أن الناس يستطيعون أن يحسموا فيها لأنفسهم بأنفسهم ولكنهم يحتاجون إلى صاحب الكلمة الفصل في هذا الباب، وكأنني به يقول للناس دعوكم من هذا النقاش وهذا الصراع لأنكم لا تقدرون على فض ما بينكم من خلاف أو كأنه يربد أن يقول لنا أنه حائر في هذه الأمور ولكنه في الواقع من خلال الطرح يقدم بعض الحلول في بعض القضايا المطروحة.

أمر لازم

       والعقاد في هذا العرض يلجأ إلى إعطاء نموذج مقتبس من أديب غربي ونموذج غربي وبهذا يقول لنا أن التأثير والتأثر بما يجري حولنا أمر لا مفر منه بل شيء لازم.

       إن العقاد يستعمل عنوانا (لو) هي امتناع لامتناع ففي فصل بعنوان لو عاد محمد يطرح العقاد ما يشغله ويشغل غيره من المثقفين ويستنجد بلقطة مما كتبه دستور يفسكي في روايته المتميزة (الأخوة كرامزف) عن المسيح وعودته ليرتب من خلال هذا التمهيد لطرح أسئلة لبعض القضايا الكبرى التي يراها تؤثر على حال المسلمين قديما في الغرب ليرتبوا عليها أفضلية محمد عليه السلام على غيره من الناس الذين تصدوا لزعامة الأقوام وفرض إرادتهم ونفوسهم عليهم فهذا (برنارد شو) يقول أنه لو عاد محمد لكان قد وفر للناس حلولا للمشاكل التي يتخبطون فيها ولا استراح العالم واستراح الناس من المعاناة ومن كثير من الناس الذين يقفزون إلى السطح ولا قدرة لهم على إيجاد الحلول المناسبة والحاسمة من هذا الركام من الاقضية والتوترات التي تعيش أزماتها الإنسانية، وغير برنارشو كثيرون يرون ذلك بل عبروا عنه.

الجواب متعذر

       والعقاد يسير على هذا النهج وأراد أن يقول للمسلمين وللخائضين في قضايا كثيرة ولا وسيلة لديهم للحسم فيها والأفضل لهم أن يتجاوزوا الخلاف حولها، لأن الجواب الصحيح والسليم الذي يريحهم ليس بين أيديهم في الأفق المنظور وهكذا يقول العقاد لو عاد محمد.

حلول محاكم التفتيش

       وقبل أن يتحدث العقاد عما ينتظر أن يجد له حلا فيما لو عاد محمد عليه السلام يلجأ إلى طرح كما أشرنا إلى ما تحدث به هذا الكاتب الروسي المتميز بين الأدباء الروس بما تناوله من المشاكل الروحية المعقدة في كثير أعماله الأدبية، وهو في تناوله يربط بين تساؤله ودور محاكم التفتيش في الغرب والدخول في ضمائر والعقول باحثة عن سؤال أوشك أو تشكك لترتب عليه عقاب الحرمان أو الحرمان والحرق يقول العقاد.

المسيح يعود

       «من الأماثيل التي تعاد ولا تمل امثولة للكاتب الروسي (ديستيفسكي) عن السيد المسيح ومحكمة التفتيش في قصة الاخوة كرامزوف.

       وخلاصة الأمثولة ان السيد المسيح عاد إلى الأرض وأخذ في وعظ الشعب وتبشيره بالملكوت فأقبلوا عليه واستمعوا له وأوشكوا أن ينفضوا عن وعاظهم ودعاتهم المعهودين، فأشفق هؤلاء على مكانتهم وأوعزوا إلى رئيس محكمة التفتيش فاعتقله وتوعده بالمحاكمة والحكم عليه لتضليله الشعب والانحراف به عن تعاليم السيد المسيح .. وقال له: إن هؤلاء الذين يقبلون عليك اليوم هم أول الثائرين عليك واسبق المبادرين إلى تنفيذ القضاء فيك.

صراع الإصلاح والفساد

       امثولة تعاد ولا تمل لأن العبرة بها لا تنقضي في حقبة واحدة، ولا تزال عبرة الدهر كله في أحاديث المصلحين والمفسدين.

       ويرى العقاد أن الكاتب لم يبالغ فيما ادعاه:

       ولم يبالغ الكاتب العظيم في تحليه، فإنما يكون مبالغا لو كان ما تخيله بعيدا أو غريبا في بابه، ولكنه في الواقع أقرب شيء إلى الاحتمال مع هذه البشرية التي تختلط فيها الشيطانية والخنزيرية والحمارية في وقت واحد، فلا تزال حربا على من ينفعها وألعوبة في أيدي العابثين بها، وأن كرروا العبث بها كل يوم مرات بعد مرات.

       لو عاد السنيد المسيح لأنكره كثيرون ممن يعيشون باسمه وينتحلون هدايته.

لو عاد محمد لتبرأ

       وينتقل العقاد بعد ذلك إلى الهدف وهو ماذا لو عاد محمد:

       «ولو عاد محمد عليه السلام لكان له نصيب كذلك النصيب ممن يرفعون العبقرية بهداية الإسلام، والإسلام بريء منهم، وكل ما هنالك من خلاف أن المسألة لا تمر بتلك السهولة التي توهمها رئيس محكمة التفتيش أو من يتصدى في الإسلام لمثل عمله، وأنه سيندم على فعلته ندما يكفر عن سيئاته، ان كانت سيئاته مما يقبل التكفير.

كيف تنتفع

       «وأسأل نفسي كيف ينتفع المسلمون على أحسن وجوه النفع بعودة النبي عليه السلام فترة قصيرة من الزمن؟ وما هي المسائل التي يرجعون بها شخصه الكريم فيسمعون منه فصل الخطاب فيها؟».

قضايا وحسم

       ويستعرض العقاد القضايا التي يرى أنه لو تمكن أن يطرحها على الرسول محمد عليه السلام لو عاد، لأنها قضايا تشغل العقاد كما تشغل الكثير من المسلمين بل ان الكثير من الاختلافات بين المسلمين إنما جاءت من هذه القضايا.

       اسأل نفسي فتخطر لي مسائل خمس يرجع فيها إلى شخصه الكريم ويغني جوابه فيها كل الغناء فلا لحاجة ولا اختلاط ولا حاجة إلى الاجتهاد والتأويل من مجتهد أو مقلد وما أشبه الاجتهاد والتقليد في هذا الزمان!

المسائل الخمس

       تلك المسائل الخمس هي: مسألة الأحاديث النبوية، ومسألة الروايات في قراءة الكتاب المجيد، ومسألة الخلافة والملك، ومسألة الرسالة والنبوة بعد خاتم المرسلين، ومسألة المذاهب الاجتماعية الحديثة وحكم الإسلام عليها وقول نبي الإسلام فيها.

مسألة الأحاديث النبوية

       وبعد هذا يبدأ العقاد في عرض هذه المسائل أو القضايا واحدة واحدة ويبدأ بمسألة الحديث النبوي:

إن رجال الحديث قد بلغوا الغاية من الاجتهاد المشكور في جمع الأحاديث وتبويبها وتقسيم رواتها وأسانيدها، وقد جعلوا من أقسامها الثابت والراجح والحسن والمقبول والضعيف والمشكوك فيه والمرفوض وجعلوا لكل قسم شروطه وعلاماته فأصبح الحديث بفضل هذه الشروط والعلامات علما مستقلا يتفرغ له علماء مستقلون.

       وبعد كل هذا الجهد المشكور لا تزيد الأحاديث الثابتة على عشر الأحاديث المتداولة في الكتب وعلى الألسنة.

كلمة واحدة

       وماذا ينتظر العقاد من الرسول عليه السلام في هذا الموضوع؟

وكلمة واحدة من فمه الشريف عليه السلام ترد الأمور جميعا إلى نصابها: «لم أقل هذه الأحاديث» وينتهي القيل والقال ويبطل الخلاف والجدال، ويبطل معهما بلاء أولئك المحدثين الذين يستندون إلى الحديث الكاذب في التضليل وترويج الأباطيل والواقع أن هذه الأحاديث المؤرقة للكثيرين والتي يستغلها البعض في الإفراط أو التفريط، بل انه لو تم ذلك لظهر زيف ادعاء الكثيرين وبطلان جحود الآخرين، ولكن هذه (اللو) تقف حائلا دون ذلك وحبذا لو كان لنا من الوعي ومن الإدراك ما يجعلنا نعوض هذه اللو. بالرجوع إلى مقياس النص الثابت والقطعي والعقل الصريع والسليم.

قراءات القرآن

حيث ينتقل العقاد بعد عرض المسألة الأولى وماذا ينتظر من الرسول عليه السلام من الحسم في إثبات ما يريد وما قال وينفي غير ذلك، أما القضية الثانية أو المسألة الثانية فهي القراءات القرآنية

والظاهر ن تأمل الأمرين والمقابلة بينهما لوجدنا أن الأمر في القراءات المعترف بها دون القراءات الشاذة لا تؤثر وهذا ما يؤكده العقاد نعمه وذلك عندما يقول:

«ومسألة الروايات القرآنية دون مسألة الأحاديث في أشكالها ونتائج الاختلاف عليها، فإن الروايات التي لم يتفق عليها القراء لا تغير شيئا من أحكام القرآن، ويمكن الأخذ بها جميعا ولا ضرر في ذلك ولا ضرار.

إنهاء الخلاف

       إلا أنها لا تحتمل أقل اختلاف مع وجود النبي الذي تنزل عليه القرآن فما يقوله فيها فهو مجتمع القراءات ومرجع الروايات، ومتى استمع الناس إلى تلاوته –في عصر التسجيل- فتلك ذخيرة الأبد في ذاكرة الأجيال، وسيبقى صوته بتلاوة القرآن أول ما يسمعه السامعون في مجالس الذكر الحكيم».

تسجيل أوفى

       إن العقاد هنا يريد تسجيلا والواقع أن هذا التسجيل الذي تمناه العقاد قد حصل بالفعل بالوسائل المتاحة حينه ولو أن العقاد ترك ما في نفسه واستمع إلى المرتل في مصر وفي أندونسيا وفي إيران والمغرب والشرق لوجد أن ما يريده حاصل بالفعل أما الروايات فهي الاهتمامات العلمية التي يشارك بها الباحثون والدارسون ولا يضر أمر هذه الروايات لأنه قد حسم الأمر من زمان..

الخلافة والملك

       أما هذه المسألة الصعبة والمعقدة هي هذه القضية الثالثة، فهي أكثر ارتباطا بالمصالح ونوازع التسلط والتحكم لدى الناس، والعقاد في الواقع إنما أثار الموضوع مع أنه هو نفسه وضع قواعد كثيرة فيما كتبه حول نظام الحكم في الإسلام وخص الموضوع بكتاب خاصة ناقش فيه الكم الديمقراطي وعلاقة الإسلام بذلك وميز فيه الديمقراطية في الإسلام على غيرها من الديمقراطيات التي عرفها الناس كما كتب كتابا خاصا عن الحكم المطلق ومساويه ولكن مع ذلك يبقى هذا الصراع بين السنة والشيعة وهل هناك وصية في موضوع الحكم، والعقاد الذي كتب عن عبقرية الإمام، وآخر عن معاوية وغيرهما من الخلفاء فكتب حول عبقرية الصديق وعبقرية عمر وعثمان ذو النورين... الخ.

الانحياز

       ومع هذا الذي كتبه رأى بعض الناس من الإخوة الشيعة أن العقاد أميل إلى ما ذهبوا إليه كما رأوا أن ما كتبه احمد أمين في موسوعته حول العقل والحكم في الإسلام ضد الشيعة. وعلى أي حال فإن أمر شيعة سنة سيبقى معلقا وموجودا لأن السياسة مستمرة ومع المصالح ونوازع السلط والتحكم يقول العقاد.

معضلة المعضلات

وتأتي مسألة الخلافة، بل معضلة الخلافة

       تلك المعضلة التي سالت فيها بحور من الدماء وجداول من المداد، وبقيت وراء كل انقسام نذكره في الإسلام حين نذكر السنة والشيعة والأماميين والزيديين والاسماعيليين والنزاريين، وحين نذكر الهاشميين  والأمويين والعباسيين والفاطميين وغيرهم وغيرهم من المنقسمين وأقسام المنقسمين. بم أوصيت يا رسول الله في أمر الخلافة؟ وهل أوصيت بها دينية أم دنيوية؟ وهل تريدها اليوم على هذه أم على تلك من صفاتها وأحكامها؟

دار المحفوظات

       فإذا قال عليه السلام أوصيت بكذا ولم أوص بكذا، فكأنما مسح بيده الشريفة على تلك الصفحات والمجلدات فإذا هي بيضاء من غير سوء، وإذا هي بقية من بقايا الماضي تحال الى دار المحفوظات للعبرة والحذر او يلقي بها حيث لا حس ولا خبر.

       وكفى الله المؤمنين شر القتال وذكرى القتال

الرسالة بعد خاتم المرسلين

       والخطب أهون من ذلك جدا في مسألة الرسالة والنبوة بعد خاتم المرسلين، فإن المخالفين للإجماع في هذه المسألة واحد في كل خمسمائة مسلم، وسينتهي خلافهم عما قريب.

       ولكن إذا انتهى بكلمة من الرسول الذي يؤمن به المسلمون جميعا فتلك هي النهاية الفاصلة، وقد تمنع في المستقبل أضرارا لا يقاس عليها ضررها في الوقت الحاضر، وخير من واحد ينشق على خمسمائة أن يتفق الخمسمائة فلا ينشق منهم واحد!

المذاهب الاجتماعية الحديثة

       إن العقاد في هذه القضية أو المسألة الخامسة والأخيرة يجمع رأيه في هذه المذاهب الدينية والتي قضى العقاد جزء كبيرا من حياته في مقاومتها وتجاوز ما تلقى به من ظلال الظلم والطغيان على الحياة الإنسانية وقد مس العقاد كثيرا من السوء في مقاومته لهذه المذاهب الظالمة ولكنه ما لان ولا تنازل، وهو يفصح في هذه الفقرة بالذات من موقف الإسلام من كثير من هذه المذاهب التي تستعبد الإنسان وتحجب عنه كثير من أنوار الحرية والعدالة الاجتماعية، فالأشواق الإنسانية التي تتوق إلى الحرية والانعتاق من العبودية التي مارسها الإنسان تحت مسميات كثيرا يقول العقاد وهو يستعرض هذه المذاهب ويرجو من الرسول الكريم أن يعطيه جوابا يقول العقاد وهو يتقمص هنا مهنته القديمة الصحافة وكأنه يستجوب الرسول عليه السلام. 

سؤال وإيحاء

       والعقاد في الواقع عندما يتجه إلى الرسول عليه السلام يسأله فإنه في الواقع قد عزم الأمر وقرر اختياره وهو يوحي بذلك الجواب الذي يريده.

       يسأل العقاد عن أنظمة الحكم وهكذا يكون العقاد قد أنبأ عما يريد.

«وما قولك يا رسول الله في دعاة المذاهب العصرية من اجتماعية أو غير اجتماعية؟

       لا حاجة إلى السؤال عن الديمقراطية، فإن سابقة الإسلام فيها أصلح من كل سابقة.

       ولا حاجة إلى السؤال عن الفاشية فإن الإسلام يمقت الجبارين والمتجبرين.

       ولا حاجة إلى السؤال عن الشيوعية الماركسية، فإنها ملعونة في كل دين.

       وإنما يسأل النبي عليه السلام في الاشتراكية فيقول ما قاله القرآن حيث نهى أن تكون الثروة «دولة بين الأغنياء».. ثم يسأل عن شرحها فيتلقاه منه المسلمون على أقوام المناهج واسلم الحلول.

تداول المال

       بعد أن أصدر العقاد حكمه باسم الإسلام على هذه المذاهب بالشكل الذي يراه ليؤكد بعد ذلك موقف الإسلام من توزيع المال كي لا يكون دولة بين الأغنياء» هذه هي القضية الكبرى التي يعاني منها الإنسان وإذا كان العقاد مال إلى المذهب الاشتراكي هنا فإنه في الواقع يتجه نحو ما كان سائدا في وقت وضع الكتاب إلى التوجه نحو التوزيع العادل للثروة.

أسئلة غير مؤثرة

       ويختم العقاد هذه الأسئلة والقضايا بأسئلة يرى أنها غير مؤثرة.

       وتأتي على الهامش أسئلة عن ترجمة القرآن وعن حقوق المرأة وعن دعاوي المدعين في الأحكام والقوانين باسم الدين، وعن أحاديث شتى مما يتحدث عنه الصحفيون وأشباه الصحفيين.

       ويسمع من النبي عليه السلام في أولئك كله جواب يغني عن ألف جواب أو عن كل جواب.

المكابرة والعناد

       ويعود العقاد إلى ما بدأ به ليؤكد أن القمع والسلط لا يمكن ولن يمكن في أي وقت وتحت أي ذريعة أن تتم بهما محاربة الأفكار والعقائد يقول العقاد ولكنه مع ذلك فإن العناد صفة من صفات البشر.

       ونعود إلى محكمة التفتيش وما يشبه محكمة التفتيش بين المسلمين.

       إن كاتب هذه السطور آخر من يؤمن بإقناع العقول أو بسلطان البرهان في الإقناع.

       إن كاتب هذه السطور قد رأى بعينيه أناسا أغرب وأصفق ممن ينكرون الشمس في رائعة النهار.

       وليس بالمستحيل عندي أن يعاندك المعاند ويكابرك المكابر في «اثنين واثنين يساويان أربعة وفي واحد وواحد يساويان اثنين»

       بل ليس بالمستحيل عندي أن يكابرك المكابرون في معنى الواحد ومعنى الاثنين وان هذا خمسة وليس بواحد وذلك صفر وليس برقم من الأرقام.

       فإذا عاد النبي عليه السلام وقضى قضاءه في أحكام الإسلام فلا والله لا يعدم الناس من يشكك في كلامه وبيانه وفي ملامح وجهه وعلامات جثمانه، ولا والله لن يسلس العقاد ممن يلج في العناد ويضيع عليه الجاه أو الغنى بما قضاه الرسول وتلقاه الناس منه بالتسليم والقبول.

عناد لا ينفع

 

       عير أنه، فيما نحسب، عناد لا ينفع أصحابه ولا يطمعون في الرجاء منه حتى تفجأهم الحوادث بالندم عليه، وصلى الله على محمد في الأولين والآخرين، فما هو إلا أن يعود فلا تعز عليه هداية المهتدين ورياضة الذين لا يهتدون، فلا يصدون أحدا عن الدنيا ولا عن الدين!!.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة