الجماعة المحلية بين التدبيرالمختل و التبذيرالمتعاقل
الحسين أمزيل
يعد الميثاق الجماعي الجديد، وفق آخر التعديلات المدخلة بالقانون رقم08_17، وثيقة أساسية تؤطر كيفية تدبير الشأن العام، انسجاما مع المقاربات الحديثة التي توجه الديمقراطية المحلية، واستجابة للمتغيرات والمطالب الإجتماعية الجديدة.
و لما كان من الطبيعي أن يوسع الميثاق الجديد من اختصاصات المجلس الجماعي، بناء على مرافعات بعض الهيئات السياسية و فعاليات المجتمع المدني، حتى تنفتح الجماعات المحلية على محيطها الخارجي مؤسسسة لحكم تشاركي فعال، و تدبير معقلن رشيد، وتمارس اختصاصاتها بشكل حر، ومستقل دون وصاية في إطار ما تتيحه القواعدالقانونية، فإن تفعيلالمستشار الجماعي للإختصاصات المخولة له تطبعه الإزدواجية. تتجلى هذه الأخيرة في" القدرة الخارقة " التي يتمتع بها في تأويل و تفعيل النصوص القانونية المنظمة لمهامه.فإن كان الميثاق يكفل له على سبيل المثال، لا الحصر، ممارسة اختصاصات الشرطة الإدارية المخولة له حسب المادة 50،فإنه يستنكف عن ممارستها فاسحا بذلك المجال لبروز أحياء عشوائية لاتستجيب لمخطط التهيئة العمرانية، أما إذا تعلق الأمر بتدبير مالية الجماعة و تسييرها، سواء في شقها المتعلق بالتسييرأوالتجهيز حسب مقتضيات المادة37 ، فإن جل مجالس الجماعات المحلية يبدعون أشكالا مختلفة و يدشنون أوراشا كبرى في تبذيرالمال العام تبذيرا متعاقلا وتدبيرا مختلا،إلى حد أضحى معه لفظ التدبير في تصوروعرف هؤلاء مرادفا للتبذير المتعاقل. وأقصد بهذا اللفظ الأخير البحث عن تسويغ وتبرير كيفية تبذيرالمال العام بشكل قانوني دون أن يكونوا محط مساءلة قانونية.
على هذا الأساس أضحى التحايل على القانون يتم بموجب قواعد قانونية، بالنظر إلى تمسك المستشارين الجماعيين بحرفية القانون دون النظر في روحه ومضمونه. بمعنى أن تأويلهم للقانون يتم بكيفيات و صيغ مختلفة مستنطقين نصوصه و مضامينه و متعسفين في قراءته، لكي يستجيب لغرائزهم الدنيئة وحاجاتهم و رغباتهم الأنانية الذاتية.
وارتباطا بواقع تدبير الشأن المحلي و تجسيدا للتأويلات المغرضة للقانون لم تدشن الجماعات المحلية،بإقليم الرشيدية،سوى" مشروعواحد" كبير بوصفه عنوانا للتبذير المتعاقلهوإقتناء سياراتفخمة للتنقل، إذ تنافست المجالس المنتخبة في هذا الإطارمتغافلة عن التنافس فيما يتصل بإرساء دعامات التنمية المحلية المستديمة.فقد اهتزت الساكنة على وقع هذه "المشاريع الذاتية" وأحدث ذلك ارتجاجا في وعيها و تصورها لمسؤوليات المنتخب الجماعي، حيث دشن بذلك، هذا الأخير، قطيعة بين اهتماماته وطموحاته الوضيعة و انتظارات الساكنة و أمنياتها البسيطة، من قبيل: تشييد مستوصفات و تعبيد طرق و بناء قناطر................
ومن هنا تتجلى الإزدواجيةالتي تطبع أيضا عمل المستشار الجماعي و هي تلك المتمثلة في عدم تفعيل جملة من المبادئ التي تقوم عليها اللامركزية و الحكم التشاركي، ذلك أن القرارات التي تهم الساكنة تتخذ بشكل انفرادي و بمنأى عن مشاكلها و هواجسها الإجتماعية و الإقتصادية.
وأصبح التساؤل التالي يفرض نفسه:
هل تدبير جماعات محلية فقيرة على مستوى المداخيل والموارد المادية يستلزم اقتناء أسطول من المركبات؟ألا ينبغي توجيه الميزانية المرصودة لهذا الأسطول نحو تعبيد الطرق... أو تنقية مجاري المياه خصوصا وأن الأمر يتعلق بالواحات؟وإذا كان تسيير هذه الجماعات يقتضي في نظرهم توظيف كل هذه المركبات في تنقلاتهم، فماذا لو تعلق الأمر بتدبيرهم و تسييرهم لجماعة حضرية كالعمالة أو الولاية؟ كيف يدرك هؤلاء المنتخبون مفاهيم من قبيل: ترشيد النفقات،والحكامة الرشيدة،والتدبيرالمعقلن،والحكم التشاركي، وغيرها من المفاهيم التي تحولت بفضلهم إلى شعارات تعلو عن كل مساءلة ونقد؟ ثم ما موقف المستشار المعارض، إن وجد، الذي لا ينتمي إلى الأغلبية المشكلة للمجلس،حيال هذه المهزلة أم إن التواطأ وشراء الذمم هو سيدالموقف؟