التغيير: منطلقاته ووسائله في المجتمع الإسلامي..؟
محمد السوسي
الدعوة إلى التضامن الإسلامي في أفق الوحدة بين المسلمين على نحو من الأنحاء الذي يرونه مناسبا كان أمرا لافتا في حياة علال الفاسي، وكان يحث المسلمين على هذا في كل مناسبة تواتيه وهو لأجل هذا الهدف سعى منذ البداية الأولى لنضاله الوطني والإسلامي للوصول إلى بث الوعي بضرورة وحدة صف الأمة الإسلامية ولو في حدوده الدنيا، وهو في هذا السعي إنما يواصل رسالة أولئك الرواد الأوائل الذين أدركوا ضرورة الوحدة لدرء أخطار الهجمة الاستعمارية الصليبية الصهيونية التي كانت تلوح في الأفق.
لقد ارتبط علال الفاسي بالدعوة الإسلامية وهو في مراحل التلمذة نلمح هذا في الأناشيد التي كتبها للناشئة حول رسالة محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم)، وحول البطولة التي كان يتصف بها صحابته (رضي الله عنهم) ومن جاء بعدهم من السلف الصالح لهذه الأمة، وإلقاء نظرة سريعة على أشعاره الأولى كافية لإدراك هذا التوجه لدى المرحوم، أما القصة الشعرية "المثل الأعلى" التي سجل فيها قصة أولئك الثلاثة من الصحابة وما كان منهم من الندم على التخلف في غزوة من الغزوات وما استنتجه الكاتب واستخرجه من هذه القصة كان واضحا منه أنه يريد للشباب الوطني المغربي المسلم وغيره من شباب الإسلام أن يتشبع بهذه القيم التي تغرس في نفوس الناشئة مثلا أعلى يسعون لتحقيقه وبلوغه.
وفي هذا الدرس (الوصية) فإن (علال) يسعى وهو يدرك الواقع الصعب الذي عليه الأمة الإسلامية أن يبين أن المآل هو الوحدة والتضامن، وان الخطوات الأولى في هذا السياق هي العودة إلى الشريعة والى أحكامها التي تخلى عنها الناس في غفلة من الزمن وبتأثير قوة معادية وغاشمة اغتنمت هذه الغفلة ووضعت الأمة خارج سياق مواصلة الاجتهاد وتطوير أدواته واستنباط ما يجب استنباطه من الأحكام الملائمة للتطور الحاصل في المجتمعات الإسلامية.
لقد كان الهدف هو التذكير، وهو في هذا التذكير اختار أن يكون في شبه مؤتمر للعالم الإسلامي باعتبار أن رئيس الدرس وراعيه هو ملك المغرب الحسن الثاني طيب الله ثراه وبحضور العلماء وقادة الرأي من جميع أنحاء العالم الإسلامي وممثلي ملوك ورؤساء العالم الإسلامي من سفراء ودبلوماسيين ومعنى ذلك أن المرحوم علال الفاسي تعمد في هذا الدرس المكتوب على غير عادته أن يبلغ للعالم الإسلامي المنهج الذي يجب الاشتغال على أساسه لتحرير الأمة الإسلامية و بناء وحدتها لفائدة المسلمين والإنسانية كلها بإشاعة القيم التي جاء بها الإسلام في العدل والتضامن والتسامح والشورى وبناء مجتمع إنساني على أسس تلك القيم والمبادئ.
**********
الأمر والنهي
لقد مر بنا ونحن نقرأ قراءة جديدة هذه الوصية "الدرس"، تحليل المرحوم علال الفاسي لمعنى المثل الذي ساقه الرسول عليه السلام للمدهن في حدود الله والقائم عليها، وما يجب على الأمة الإسلامية القيام به لصيانة حدود الله والالتزام بها.
وفي حديث اليوم من هذه القراءة، نواصل متابعة ما يستخلصه رحمه الله من هذه الأقصوصة أو المثل -حسب تعبيره- من كلام الرسول عليه السلام، وفي هذه الفقرات التي نوردها اليوم نبدأ بالمقارنة بين من يرتكب الموبقات ومن يسكت عنها وعن مرتكبيها، وذلك لأن الحياة في الإسلام قائمة على التضامن وتقويته، والأمر والنهي، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهما ركنان من أركان بناء الأمة أو الدولة الإسلامية.
الذنوب الاجتماعية
ويحلل المرحوم علال الفاسي الموضوع فيبرز دور الأمة في مواجهة الذنوب الاجتماعية التي لها تأثير سيء على الأمة، ولاشك أن هذه الذنوب الاجتماعية يقابلها في واقع الحياة الاجتماعية ما يعبر عنه بالأخلاق الاجتماعية، هذه الأخلاق التي امتاز الإسلام بتثبيتها، وتربية المسلمين على أساسها.
الدرس والرسائل
والمرحوم علال الفاسي يتحدث عن هذه الأخلاق دون أن يشير إليها بالذكر، ولكنها تدرك من حيث السياق الذي يحلل من خلاله ما يرى ضرورة لتحليله وإبرازه من بين معاني ودلالات الحديث النبوي، الذي اختاره ليكون وسيلة لتبليغ ما يريد إبلاغه للمسؤولين، في العالم الإسلامي، وفي مقدمتهم المسؤولون المغاربة، ولا ننسى هنا أن المرحوم يتحدث في درس ديني، ولكنه لم يغفل لحظة على الصفة الأخرى التي ينظر إليه بها الرأي العام على اختلاف طبقاته وشرائحه، فالعلماء والمثقفون والسياسيون والاقتصاديون ينظرون جميعا إلى هذا الدرس والى الرسائل التي يحملها للجميع.
العودة إلى الأصل
وسنحاول ونحن نتابع هذا التحليل الرائع والدقيق للحديث النبوي، من طرف هذا العالم المتمكن، والذي يسعى من خلال هذا الدرس كما في كثير من دروسه أن يوجه الأمة نحو العودة إلى الجذور والمنابع الأساس للشريعة الإسلامية ولمصدريها الأساس الكتاب والسنة.
الربط بالجزاء
لقد قلنا انه يشير في هذا التحليل إلى ما تتعرض له الأمة من عقاب جماعي لأنها لم تأخذ على يد الظالم الذي بما ورفت له الأمة من فرص ليعيث في الأرض فسادا تكون بمثابة المشاركة له في الإثم وفي هذا يقول رحمه الله ما يجب قوله بالطريقة الشرعية الواضحة مع ربط ذلك بالجزاء الذي يترتب عن السكوت عن النهي عن المنكر وعدم الأخذ على يد الظالم، من فرص إشاعة الانحراف والفساد في المجتمع ذلك، أن الأمة التي تسمح لكبرائها بارتكاب الظلم، والانحراف عن الجادة وإتيان ما ينال من الأمة وماضيها وحاضرها، ويشجع خصومها في الداخل والخارج علنها.
انحراف عن المنهج
وهذا الواقع المنحرف هو الذي يريد المرحوم أن ينبه إليه، وان ينبه إلى أن المسؤولون الذين يقبلون هذا السلوك من المجتمع ليسوا على منهج المسؤولين المسلمين الأولين، فأولئك بدءا من أبي بكر ومن بعده من الخلفاء الراشدين لم يكونوا يتضايقون من النقد ومن ملاحظات الرعية أو أفراد الأمة، كما لم يكن هؤلاء يستنكتون عن سماع الشكوى من المسلمين، وإنما يسمعون ويردون بالأجوبة الموضحة لدوافع التصرف لديهم، وأنهم ما أرادوا أن يخرجوا وما خرجوا عن السياق العام للالتزام الذي كان بينهم وبين الأمة هذا العقد عقد البيعة الذي كان يربط بينهم فهناك السمع والطاعة وهناك العدل والالتزام بالقسم بالسوية وإيصال الحقوق لأصحابها.
إرادة القدر
وهكذا نرى المرحوم علال الفاسي يواصل الحديث في هذا الدرس الذي أراد القدر أن يكون آخر درس يوجهه إلى الأمة الإسلامية مع حضور ممثلي هذه الأمة في درس علمي يرأسه أحد أبرز أقطاب المسؤولين في العالم الإسلامي حينها يقول:
بين الفاعل والصامت
«إن المثل النبوي يبين أنه ليس هنالك فارق بين من يرتكب المعاصي والموبقات وبين من يسكت عنها، لأن من سنن الله الكونية التي أبانها القرآن الكريم أن الذنوب الاجتماعية أي التي لا تكون خاصة بالفرد بل من شأنها أن تعم للمجاهرة بها أو لإذاعتها بالقدوة وربما حتى بالفعل لا يعاقب الله مرتكبيها فقط بل يعاقب معهم من لم يرتكبها، والذي يشرح فكرة الذنوب الاجتماعية هو قوله سبحانه: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
المرجفون
ويوضح المرحوم سبب نزول هذه الآية العظيمة التي تجعل الأمة مسؤولة إذا لم تتصدى للذين يشيعون الفاحشة في الأمة، والذين يختارون المناسبات المؤثرة ليقوموا بهذا الدور كما فعل أولئك الذين سعوا لخلق الشق في الصف الإسلامية باختلاق حدث مكذوب ومفضوح يحاول أصحابه النيل من بيت النبوة بما يروجونه من الأراجيف والأكاذيب يقول المرحوم.
دعاة الإثم
ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الذين تولو كبر القذف للحصان الرزان السيدة عائشة رضي الله عنها، فكان الله يقول لنا ان الذين ينسبون إلى الشخصيات المومنة التقية الزكية ارتكاب الفاحشة يحبون أن يعتقد الناس فيهم ذلك، فيأخذونهم مثلا، يقولون إذا كان فلان وهو من هو علما ودرجة في الدين يرتكب تلك المعاصي فلماذا سأكون أنا غريبا في تصرفي وهكذا تشيع الفاحشة في المؤمنين فلا يعودون يرون في الإيمان عائقا عن العمل الممنوع، مع أن من شأن الإيمان والعبادة أن تنهى المومن المصلي عن أن يرتكب ما يتنافى ومقتضيات إيمانه وصلواته قال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر).
القرآن يكشف
إن هذا الأسلوب الذي ارتكبه هؤلاء والذي فضحه القرآن الكريم في سورة النور والذي يبين علال هنا آثاره السيئة والغاية الخبيثة التي يسعى مروجوا إشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي، ولاشك أن هذا الأسلوب هو ما لا يزال متبعا، بل هو ما قررته دوائر الاستخبارات التي آلت على نفسها تشويه سمعة بعض العناصر من الأمة حيث تتصيد بعض الأخطاء وتكبرها لتصل من خلالها إلى هدم بعض الناس أو النيل من جماعات معينة تسعى إلى الإصلاح حتى تجعل من سعيها أمرا غير ذي موضوع.
ويقول المرحوم علال بعد ذلك، متحدثا عن الوسائل التي نستعمل لإشاعة الفاحشة:
سلاح المقاطعة
«فإشاعة الفاحشة يكون بالقول ويكون كذلك بالسكوت عن فاعلها وعدم نهيه عن ما يفعل ونصحه بالرجوع غلى ما يفرضه عليه إيمانه ودينه، فإن امتنع عن سماع النصح فيجب أن يبتعد عنه فلا يجالسه ولا يكالمه ولا يعامله إلا بما يعامل الفاسقون، يدل على هذا قول الله تعالى: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ومعنى الآية أن السكوت على ظلم الظالم يوقع في الفتنة العامة التي لا تصيب الظالمين وحدهم بل تصيب معهم الذين لم يضربوا على أيديهم وقال الله تعالى عن بني إسرائيل (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبيس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبيس ما قدمت لهم أنفسهم إن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون).
حديث المسخ
وينتقل المرحوم علال بعد ذلك للحديث عن واقع بعض الأمم في الماضي وبالأخص اليهود فيقول:
وقد روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس أن الله تعالى نهى بني إسرائيل أن يصيدوا السمك يوم السبت فاحتالوا على صيدها سرا زمنا طويلا حتى صادوها علانية وصار القوم ثلاثة أصناف، صنف منهم خالف الأمر وانتهك حرمة الله، ومرد على المعصية، وصنف غيروا المنكر فيهم ونهوهم عما كانوا يصنعون، وصنف لم يأكل الحيتان ولم ينه عما صنعوا وقال (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون).
وينتقل علال بعد ذلك لاستخراج ما يجب استخراجه من العبر من الحديث بقطع النظر عن مدى درجة الحديث من الناحية الفنية ليتحدث عن واقع الناس تجاه الانحرافات داخل المجتمع فيقول:
التفكير العميق
«ومهما تكن درجة الحديث من الصحة فهو محل للتفكير العميق ولدراسته من ناحية وضعية لإدراك ما يوحي به من حال العصر الذي يتحدث عنه، ومقارنته بالواقع في عصرنا، من افتراق الناس ثلاث فرق، مرتكبون للموبقات، وساكتون عنهم، والفئة القليلة التي تحاول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون محل الاستهزاء من الأولين ومحل غرس اليأس في نفوسهم من الآخرين. وقد أراد الله وأمر المسلمين بأن يقوموا بالواجب المفروض عليهم وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حينما وصفهم بأنهم خير أمة من أجل ذلك، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله). وقال تعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: (و أمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، وقد قرن نصحه له بأن يأمر وينهى لابد أن يلقى نوعا من المضايقة والاضطهاد فيجب أن يصبر ويتجاهل الأذى».
الاستعمار الأجنبي والبلدي
وعلال الفاسي يدرك بخبرته الطويلة في مواجهة الظلم الاستعماري الأجنبي الذي ذاق على يد الإدارة الاستعمارية أنواعا شتى من القمع في قمتها نفيه إلى الكابون لمدة تسع سنين، ومع الاستعمار البلدي كما كان يسميه طيلة مرحلة الاستقلال حيث اللعب بإدارة الشعب وتزوير الانتخابات واعتقال المواطنين وقهرهم وفرض حالة الاستثناء بجانب هذه الخبرة الميدانية هناك خبرة علمية فقهية سياسية اجتماعية من خلال كل ذلك الرصيد يحلل الواقع قائلا في شأن الطريق التي يمكن بها مواجهة المناكر والجرائم الاجتماعية والظلم في المجتمعات الإسلامية.
التعبير المباشر
ومن المعلوم أن التغيير باليد موجه قبل كل شيء لأولي الأمر الذي بيدهم الحل والعقد والأمر باللسان متوجه للجميع للذين يخاطبون أولياء الأمر ويوجهون إليهم النصح والإرشاد. ويذكرونهم بمجريات الوقائع والأشياء، وكذلك الوعاظ والمرشدون الذين تسندهم عادة الدولة في ديار الإسلام، ولئلا يتطور أمر تنفيذ التغيير باليد واللسان إلى نوع من التهافت أو الاضطراب نظم المسلمون ذلك في نظام الحسبة، فأعطى الشارع الحق لكل مومن يتحقق من وجود منكر أن يرفع به دعوى الحسبة للقاضي المسلم الذي ينظر في الدعوى فإن ثبتت لديه حكم بما يقتضيه القانون الشرعي، كما أسس أولياء الأمر وظيفة المحتسب الذي ينظر بنفسه ويبحث عن المخالفات والمنهيات في الأسواق والمعاملات ويقضي فيها باستعجال بوسائل لا تسمح المسطرة بمثلها للقضاة العاديين».
بين الأمس واليوم
ويعرض علال هنا أسلوب التقاضي ودور النيابة العامة أو القضاء الواقف كما يسمى وذلك في مقارنة بين النظام القضائي المتبع ونظام الحسبة الذي كان متبعا في القديم وما يجري حاليا فيقول:
«ونحن اليوم اعتمدنا في النظام القضائي وظيفة القضاء القائم أو وكيل الملك، الذي توجه إليه الشكاوي وإن كان التشريع في هذا الموضوع ما يزال ناقصا في بعض جوانبه ليصبح حالا محل الحسبة الشرعية، ترجع إليه الشكاوي بما لا يتفق مع الشريعة ممن يستطيعون الأمر والنهي باللسان فيقوم بواجبه فيتم بذلك المقصود الشرعي، ويبقى الأمن والنظام محفوظين، مع طمأنة من يشتكي من أن يواخذ بشكواه ولو لم تثبت بوسائل الإثباتات الشرعية».
المجتمع المدني
ويفصح علال رحمه الله مجالا في هذا الدرس للحديث عن دور المنظمات والهيئات الاجتماعية والسياسية والمجتمع المدني بجانب الوعاظ والمرشدين ووسائل الإعلام من صحافة وغيرها مشيرا في نفس الوقت إلى ما يتميز به النظام المغربي من الإمكانية المباشرة لتقديم مذكرة أو رسالة إلى جلالة الملك فيقول:
«ومع هذا فإن وسائل الأمر والنهي عن طريق المنظمات الوطنية المعترف بها كالصحافة في حدود الحرية المعقولة، وكالمجالس النيابية والاتصال المباشر بملك البلاد إذا كان الأمر أهم من أن يرفع في قضية حسبية أو مقالة صحفية.
تقبل النصائح
«ومن شأن خلفاء المسلمين أن يتقبلوا نصائح رعاياهم دون أن يروا فيها غير حب الخير والإرشاد إلى ما فيه الحق، وقد خطب أبو بكر يوم بويع بالخلافة فقال: (إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموه، فقال له بعض الصحابة والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، وقال بعض الحاضرين لأمير المؤمنين فقال لع عمر دعه، فوالله لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها).
المعارضة
ويتحدث المرحوم كذلك عن الدعوة بالإلحاح من الشرع للقيام بهذا الدور الإيجابي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وممارسة المعارضة الضرورية لتصرفات خارجة عن الشرع مهما كان من ارتكب هذه التصرفات وذلك من أجل إصلاح المجتمع.
أنواع الدعوة
«وقال عليه السلام: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم، والدعوة هنا قد تكون بمعنى الرجاء في الله والتعلق به وقد تكون بمعنى الدعوة إلى الخير والتبشير به للناس ولأولياء المر يستجيب أولئك لمن يدعوهم.
مكر الله
ومن مكر الله بالذين لا يستجيبون، ولا يستمعون للذكرى، ويعبثون ما يلقى إليهم، النصائح أن يمهلهم الله سبحانه، ويفتح عليهم أبواب الخيرات حتى إذا فرحوا واطمأنوا على ما هم فيه أصابتهم النقمة الكبرى ذلك قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).
الفئة الثالثة
ويتحدث المرحوم علال الفاسي في الفقرة التالية على فئة ثالثة من الناس تجاه المناكر والخروج عن حدود الله التي تعيشها الأمة الإسلامية وهي الفئة العاجز عن القول و الفعل فيقول: (أن عليها أن لا تبارك للظالمين وأن تسعى بالوسائل الممكنة لإظهار عدم رضاها).
«وأما القسم الثالث وهو الذي لا يستطيع التغيير بيده ولا بلسانه فيجب عليه إنكار الواقع المعاش بقلبه، وليس معنى ذلك أنه يسكت ويمضي لحال سبيله دون مبالاة بل عليه أن يفكر دائما في حال أمته وفي أسباب إزالة ما أصابها من سوء، ويقاطع الظلمة والفجرة وكل ذوي المناكر فلا يداهنهم أي يجاملهم بالقول أو الابتسامة والتعايش السلمي معهم، والحضور في محافلهم والقعود معهم في مجالسهم، وقد قال الله لنبيه (وأما ينسيك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).
الفئة المرجوة
وعلى أي حال فإن المرحوم يرى أن الفئة التي يأتي الفرج على يدها هي التي تقوم بالنهي بإحدى الوسائل الثلاثة المذكورة في الحديث، لأن الأمة من يقوم بدور إنقاذها وهي تلك الفئة ويحلل علال هذا الوجه من المسؤولية الملقاة على الأمة فيقول:
«إن الفئة الثالثة من فرق الأمة أي الأمارة بالمعروف الناهية عن المنكر بواحدة من الوسائل الثلاث المذكورة في الحديث هي الطائفة التي ينجي الله بها الأمم والشعوب، إذا صبرت وعملت بمقضى ما أخذته على نفسها. وهذه الفئة موجودة دائما بين المسلمين وعدا من رسول الله صلعم إذ قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".
معنى الغربة
وقال عليه السلام بدا هذا الدين غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله: قال الذين يحيون ما افسد الناس من سنتي.
ويستخلص علال في هذا ما يتميز به دعم التضامن الاجتماعي في الإسلام عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
النصوص المؤيدة
ومن هذه النصوص الشرعية نفهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داخل في التضامن العام الواجب على المسلمين فيما بينهم، على أساس أنهم إخوة، (إنما المومنون إخوة)، وعلى أساس أنهم مرتبطون فيما بينهم ارتباط الأعضاء بالجسد الواحد. ومن أمثاله ص قوله: مثل المومنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وقال عليه السلام المومن للمومن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك ص بين أصابعهن ولذلك فإن الدعوة إلى التضامن بين المسلمين أصبحت واجبة متحتمة، لاسيما وقد عمل المستعمر الصليبي الصهيوني على تفرقة الأمم الإسلامية وتوزيع الشعب الواحد منها على فرق وأحزاب يشتم بعضه بعضا ويتآمر هذا على ذلك، وما الأحداث التي تصيب المسلمين اليوم في المشرق والمغرب إلا برهان قاطع على تحركه أيدي الاستعمار وعلى ما يوجبه صالح المسلمين من تضامن وتكافل في الدفاع عن النفس وحماية بيضة الإسلام.
لقد بدأ بعض الناس يستنكرون أو على الأقل يستكثرون على الأمة الإسلامية أن تتحدث عن الأمة الإسلامية ووحدتها ورسائلها ولهؤلاء يتصدى علال الفاسي عندما يقول:
اختلاف الأنظمة
«إن المسلمين امة واحدة وإن اختلفت حكومات أقاليمهم، لأن تعدد الحكومات ليس إلا أمرا تنظيميا يجعل كل حاكم لثغر من ثغور الإسلام مسؤولا عنه، ويجعل رعاياه جنودا تحت قيادته حتى لا يدخل على العالم الإسلامي من ذلك الخذلان أو الانحلال، ثم الثغور الإسلامية كلها أمة واحدة وحكامها جميعا جزء من أهل الحل والعقد الذي يجب أن يتشاور ويتضامن. ويسير في خط واحد ويتحرك كله إذا أصيب ثغر من الثغور للتحقق عمليا بأن تلك الثغور أعضاء لجسم واحد هو العالم الإسلامي، أي الأمة الواحدة ذات الدين الواحد كما قال تعالى: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
بداية الطريق
ومن حسن الحظ أن المسلمين أخذوا ينتبهون لهذه الحاجة الملحة فقرروا الأخذ بفكرة التضامن وأدت هذه الدعوة المباركة إلى عقد مؤتمر القمة الإسلامي بهذه الديار تحت رئاسة جلالتكم ومساندة ملوك ورؤساء المسلمين وفي مقدمتهم حامل راية الدعوة التضامنية الملك فيصل رعاه الله، وبفضل الجهود المبذولة تحقق تكوين كتابة عامة ومنظمات موازية والمحاولات الجدية لخلق أنظمة إسلامية لا شرقية ولا غربية، إن يكن ذلك لا زال في بدايته وما زال لم يعط ثماره فإنه لزرع طيب وغرس متين، إذا واصلت الأمم الإسلامية العمل في إطاره أدى إلى النتيجة المطلوبة بإذن الله.
وإذا رأيـــت مـن الــهـلال بـــدوه أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
الصراع
وعلال الفاسي يسجل في هذه الوصية الدرس الدور الذي لعبه صحبة مجموعة الدعاة العاملين من أجل وحدة الأمة الإسلامية والمواجهة التي حصلت بينهم وبين أعداء الوحدة والتضامن الإسلاميين، وهو يذكر الناس ويترك الأمل للمتشوقين لوحدة الأمة الإسلامية وتضامنها وأن المستقبل للوحدة مهما طال الزمان ومهما عبث العابثون فيقول:
تهمة باطلة
ولقد كان رد الفعل للدعوة الأولى في التضامن يوم انعقد مؤتمر العالم الإسلامي سنة 1965 وكان لي شرف نيابة رئيسه بمكة المكرمة، فتحامل المرجفون علينا وزعموا أننا ندعوا لحلف إسلامي بين المسلمين وبين بعض الدول مع أن هذه الدول متحالفة مع غيرنا واقفة في صف إسرائيل وقوف الصامد الذي لا يفكر في أن يرعوي أو يرجع إلى الحق.
حلف مقدس
وعلال لا يغفل عن ربط التحالف القائم بين الصليبية وغيرها من أعداء الإسلام فيما كان انتماؤهم الفكري والمذهبي فلهم حلف مقدس ضد الإسلام.
«والواقع أن العالم الاستعماري الصليبي الصهيوني الماركسي لا يريد أن ينبعث المسلمون من مرقدهم ولا أن يعودوا إلى العمل بما يجب عليهم من الجد والكد في سبيل بعث إسلامي ديني وحضاري وثقافي، لأن الإسلام كلمة تدل على العقيدة والشريعة وعلى الثقافة الملهمة من الإيمان والعمل بالأوامر الإلاهية والحضارة التي قوامها تضامن المسلمين وتماسك أخلاقهم ومجتمعاتهم، وهؤلاء الاستعماريون يخافون من هذا الانبعاث لأنهم يعرفون ما يؤدي إليه من نفخ لروحانية الإسلام في سائر أنحاء العالم المحتاج إليها والذي يتطلبها لا بلسانه ولكن بردود الفعل الدالة عليها أي بتلك الثورات المتناقضة والتظاهرات التي تعبر عن عدم الرضا بأنظمة الشرق أو الغرب واليأس من تحقيق السعادة للإنسانية عن طريق المادية الصرفة التي تبيح كل شيء وتجعل من الإنسان حيوانا إباحيا لا يعرف للحرية معنى.
ولنا عودة للموضوع.