أيها العالم الكبير.. عربية أنا!!‏

إيمان أحنوش

 

 

أيها العالم الكبير..! 

دميتي الصغيرة لا أرغبها أن تنكسر، لا أريد لثيابها أن تتمزق، أريد أن أرسم طفلة مبتسمة رفقة أبويها، تمسك بزهرة بنفسج في حديقة البيت، و قطتها تلاعب الكرة الصوفية، أريد أن أرى قوس قزح بعد قطرات المطر، لاتحجبه عني براميل و لا أوكسجين كيماوي..، أريد أن أغني في نهاية حفلتي المدرسية نشيدا مرحا، دون مسرحية الشهيد أو المعتقل، أحلم برؤية والدي لا يبصق كل ما رأى التلفاز، و مشاهدة أمي تكف عن السقوط كلما احتلت عاصمة عربية..، طفولتي بين الفرح لا بين بقايا الدماء و أشلاء وطن..

عربية أنا..

أيها العالم الكبير..!

امنح لحبيبي اللاجئ، رفيقي المعتقل، صديق طفولتي المغترب، مسافة ياسمين لا غازات، امنحهم فسحة أمل لنعيش انتظارا و نموت من فرط الأمل، أطلْ عمرَ الحدود و قلّصْ عدد الجرحى، ضاعف عدد الساعات الفوارق و قلّل من هوة الخيبات، أفسح  لسماء رسائلنا متسعا من حب، قليلا من فرح، كثيرا من بسمة حداد، نحن نحيا..أمثالنا قادرون على الحلم و على الإنتظار.

عربية أنا..

أيها العالم الكبير..!

تودع أطفالك إلى مدارسهم و نحن نودعهم إلى نعوشهم ، تقبل أطفالك كل صباح و نحن أيضا نفعل لكن تحت أنقاض سقف الوطن، تهدي لإناثك ورد التوليب كل عيد و نحن نهدي نساءنا حدادا كل يوم.

أيها العالم الكبير..!

خذ ماتبقى من كل شيء، ارتوينا دما..، نستحق الفرح فخذوا كل شيء تملكونه و انصرفوا..، هذه الأرض ارتوت من حزننا، من خيباتنا، من دمعنا، من بؤسنا، من قهرنا، من نحيبنا، من نكبتنا، من نكستنا، من تغريباتنا، من لجوئنا، من نزوحنا.... خذوا كل مايغنيكم و اتركوا بحرنا بزرقته، و سماءنا بصحوها، و صحراءنا برملها، و غاباتنا بجفافها.. و انصرفوا.. 

اتركوا لنا الشمس نكتب بلداننا تحت أشعتها، اتركوا لنا قمر الصيف نتسامر برفقته، خذوا كل ما لكم عندنا، طواغيتكم-حكامنا-، عولمتكم، حضارتكم، و اتركوا لنا وطنا بسيطا بتفاصيله الصغيرة، فقط نحن من يمارسها كل اغتراب، كل لجوء و كل نزوح، تفاصيلنا الصغيرة تسكننا نحن أصحاب هذا التراب العربي -من المحيط الى الخليج-، اتركوا عروبتي دون تهمة أو إدانة، واتركوا وطني دون برميل، دون غازات، دون دماء..

 

خذوا كل ماتبقى و اتركوا وطني عربيا عربيا عربيا... .