زراعة الاسمنت

زراعة الاسمنت

هشام بنوشن

 

يحز في قلبي أن أرى الحقول التي كنت ألعب فيها مع أصدقائي أيام الصغر تتحول هذه الأيام إلى منابت للاسمنت المسلح دون أدنى احترام لقدسية هذه الأمكنة لذي أنا و أصدقائي , نبت مكان الدرة و القمح و "بلعمان" نباتات إسمنتية تسمى شقق اقتصادية و لا اعرف من سماها اقتصادية ربما يقصد أنها اقتصادية بالنسبة "للمنهشين" العقاريين و ليس للزبون فمن المستحيل في بلدنا السعيد أن تجمع 25 مليون سنتيم "المليون ينطح خوه" الذي تساويه هذه الصناديق "الاقتصادية". كيف أمكن للمسئولين إعطاء كل رخص البناء هاته فوق أراض خصبة لا تصلح إلا للفلاحة و ترك أراض أخرى صخرية و التي يجب البناء فوقها ,ترى من المسئول عن ذلك. كيف يتم تشويه جمالية هذه الأراضي الفلاحية ببنايات بشعة لا تحمل أي لمسة فنية تغري بالسكن فيها أو حتى النظر إليها.ربما يعتقد مسئولونا بان كل هذه النباتات الإسمنتية ستتمر قمحا و لو بعد حين.

سيقول البعض بان الطلب المتزايد عل السكن هو السبب في البناء فوق هذه الأراضي الفلاحية, و إذا اتفقنا مع هؤلاء سنسأل عن شيء أخر و هو المناطق الخضراء و الحدائق التي تشكل رئة هذه المدن التي نحن في طور بنائها أو زراعتها إن صح القول, تكفي مجرد إطلالة على جل الاقامات السكنية المستنبتة ان تلاحظ الغياب التام للفضاءات العامة من ملاعب رياضية و مناطق خضراء و هذا يجرنا إلى سؤال آخر هو هل كل هذه الأمور تحدث بمحض الصدفة أم هي سياسات ممنهجة هدفها القضاء على الدوق العام و تنميطه؟

ألا يرى مسئولونا عند سفرهم إلى مدن أجنبية و ما أكثر هذه السفريات و التي تدفع نفقاتها من أموال دافعي الضرائب, ألا يرون كيف هي أغلب المدن الأجنبية و كيف أنها مبنية على أساس أن تشكل لوحة فنية تغري بالمشاهدة و بأن اللون الأخضر هو الطاغي على هذه المدن عكس "حواضرنا" نحن التي يغلب عليها اللون الإسمنتي.

 

سيأتي يوم و نندم فيه على كل هذه الأراضي التي خربناها بأيدينا و لم نحسن استغلالها و على هذه المدن التي ليست كالمدن , مدن شبيهة بسجون كبيرة لا مجال فيها إلا للغة الاسمنت.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات