هدر التفكير: قراءة في تصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي
لحسن إفركان
لا يجادل أحد في كون التعليم يحتل مكانة مركزية في نهضة الشعوب وتقدمها، وأن محو الأمية بجميع أشكالها ومستوياتها وتطوير البحث العلمي وبناء إنسان مفكر متعلم هو أول الخطوات نحو التقدم. وعليه فلا بد من بناء منظومة متكاملة واستراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار المكانة المركزية للتعليم، ولابد لها من استشراف المستقبل من خلال التموقع في الزمان والمكان ومسايرة إنجازات البحث العلمي المعاصرة سواء من حيث طرق واستراتيجيات التعليم أو من حيث مواضيع المعرفة التي أصبحت اليوم واسعة بما يكفي تحتاج إلى وحدات بحث وفرق عمل.
وسنعمد في هذه المقالة إلى قراءة في تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي المغربي في محاولة لتبين إلى أي حد تساير الوزارة ركب التقدم العلمي وإلى أي مدى تملك استراتيجية واضحة في البحث العلمي، وذلك من خلال تصريحاته الأخيرة التي راجت بين الصحف الالكترونية والورقية. فالتصريحات بوصفها نصا من المتكلم إلى المتعلم تشكل خطابا حاملا لفكر الوزارة وخطتها حول هذا الموضوع.
صرح السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن أصحاب الإجازة الأدبية عالة على الدولة وأن الكليات مستمرة في تخريج المعطلين وان نسبة كبيرى من حاملي الباكالوريا أصحاب شهادة أدبية. مما يستدعي معه تغيير هذا التوجه بالاتجاه نحو الشعب التقنية والعلمية.
تتمثل خطورة تصريح السيد الوزير في مجموعة من النقاط نذكر منها ما يلي:
· وصف المجازين بكونهم عالة على الدولة في الوقت الذي يجب النظر إليهم كقوة منتجة داخل المجتمع، فعوض أن يقوم السيد الوزير باستثمار طاقة هؤلاء الخريجين وتدبير هذه الموارد التي تخرجت من جامعات تحت تصرفه يأتي للقدح فيها مما يبين التناقض الضارخ بين ما يقول وما يفعل.
· من وظائف السيد الوزير تأمين فرص العمل لهؤلاء الخريجين وليس الهروب إلى الأمام واعتبارهم عالة على الدولة.
· والأخطر في التصريح هو القول بعدم قبول الشعب الأدبية بما فيها شعب العلوم الإنسانية، مما ينم عن جهل عميق بكيفية تصريف هذه النسب الكبيرة من الحاصلين على الباكالوريا في الشعب الأدبية، فعوض أن يفكر السيد الوزير في مواكبة التدريس داخل الكليات وفقا للمستجدات المعرفية في مجال العلوم الإنسانية وما وصلت إليه نظريات الأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا وتحليل الخطاب ... يقول إن أصحاب هذه الإجازات عالة على المجتمع.
ولا بد أن نذكر السيد الوزير بمجموعة من الأمور أولها أن النهضة لا تحتاج إلى شعب تقنية وعلمية فقط، وحسب النهضة الأوروبية مثلا: التي تأسست على جانب مهم فني وثقافي ، وحسب عصر الأنوار انه يذكرنا بمجموعة من الفلاسفة أمثال جون جاك روسو ومونتسكيو وغيرهم، وأظن أن هؤلاء لم يكن ينظر إليهم أنهم عالة بقدر كانوا شموسا أضاءت سماء مجتمعاتهم. ثم إن إنجاز أي نقلة معرفية علمية للدخول في مجال التقنية إنتاجا وتطويرا لا يمكن أن تتم دون مناخ ثقافي ملائم لازدهارها، إن التقنية سيدي الوزير ليست مجرد آلات ومعدات للاستهلاك المحض، بقدر ما تحتاج لكي تنمو إلى روحها وفلسفتها، وهي مهام موكولة لخريجي الشعب الأدبية والعلوم الإنسانية.
أختم بالتذكير بان الشعب الأدبية والعلوم الإنسانية هي شعب نابضة بالحياة ، شعب حية متجددة، شعب قائمة على التفكير وأظن أن اجتثاثها من الجامعة هو موت للتفكير وقمقمة للقدرات العقلية بتعبير مصطفى حجازي ونكوص وتقهقر إلى مستويات أدنى من تلك التي نعيشها، ودخول في خانة الشعوب المستغنى عنها. نحن إذن بصدد قضية المصير ذاتها فقتل شعب الأدب هو موت للتفكير وهدر كبير للطاقات وتجريم وتحجير للعقول.