أي دور لجمعية الآباء في الإصلاح؟
اسماعيل الحلوتي
بات من شبه المؤكد أن معظم الأسر المغربية، فقدت معالم الطريق صوب المدرسة العمومية، وأعلنت استسلامها، جراء ما تراكم لديها من صور كئيبة تبعث على الإشفاق، وتعكس واقعا مؤلما لمعلمة تربوية، تنكر لتضحياتها وعطاءاتها الجميع بمن فيهم أبناؤها من ذوي المراكز العليا. ووقفت على حافة الضياع، تندب حظها التعس لما آلت إليه أوضاعها، من تدني خدماتها وتراجع مستويات تلامذتها، بعدما سرقت منها المدرسة الخصوصية الأضواء، وبلغت أصداء اختلالاتها كافة الأرجاء...
وإذا كنا نعلم أن التحدي الأكبر، الذي يواجهنا أمام تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، هو إصلاح منظومة التربية والتكوين، باعتبارها القاطرة الأساسية لكل تقدم منشود، فإن الأمر يستوجب اعتماد مقاربة تشاركية، ينخرط فيها جميع الفاعلين والمتدخلين... ويبقى الرهان قائما أيضا على ما يمكن أن تحدثه جمعيات أمهات وآباء التلاميذ بدورها، بالانتفاض القوي ضد ما تراه تقاعسا وتهاونا في أداء الواجب، إذا ما تم التشديد على اختيار أعضاء مكاتبها بحرية ونزاهة وديمقراطية، من بين الطاقات الفاعلة في المجتمع، تلك التي تتوفر فيها شروط الاستقامة ونكران الذات، ممن يحتل حب الوطن قلوبها، وتلهب المصلحة العليا للبلاد حماسها. لأن المسؤولية تقتضي أن يتحملها الذين يراعون قدرها، ويأنسون من أنفسهم القدرة على حسن التدبير، التفاوض المثمر وقوة الاقتراح والتشارك في اتخاذ القرارات الصائبة، بعيدا عما تزخر به مؤسساتنا التعليمية حاليا من جمعيات، تكاد تكون في مجملها صورية، حيث ليس هناك ما يوحد أعضاء مكاتبها، سوى مصالح أبنائهم وإفراغ جيوب الأسر مع مطلع كل موسم دراسي جديد، لفائدة بعض منعدمي الضمير من رئيسات ورؤساء المؤسسات...
ومما يؤسف له حقا، أن مثل هذه الجمعيات غير المسؤولة، كثيرا ما تتأسس بطرق مشبوهة أمام ممثلي السلطات المحلية، تحت أنظار بعض الأطر التربوية وبمباركة مديرات ومديري المدارس التعليمية، وفق مقاييس أعدت لها سلفا باحترافية، وأن مكاتبها تستمر خارج مدة صلاحيتها في التكسب غير القانوني، لانعدام المراقبة الصارمة والتصدي للعديد من التلاعبات...
وفضلا عما ينص عليه قانون الحريات العامة بكونها جهازا مستقلا بذاته، فقد خصها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ببالغ الأهمية، عندما أفرد لها مكانة خاصة ضمن دعاماته الأساسية، تجعل منها شريكا استراتيجيا في تدبير شؤون المؤسسات التعليمية، من حيث تأهيل فضاءاتها التربوية والثقافية والرياضية، وتحويل جل مرافقها إلى مشاتل لاستنبات زهور بشرية طيبة، يعبق أريجها بالمواطنة الصادقة. لذلك يتعين الانكباب على ما يطمئن الأسرة، بجعل المدرسة مركز إشعاع وجاذبية...
من هنا، يمكن للمدرسة الوطنية استعادة هيبتها المفقودة، وتعود الأسر المغربية إلى سابق عهدها في احترامها، الاهتمام بالشأن التعليمي لأبنائها والتصالح مع الماضي العريق. بيد أن ذلك يتطلب القطع مع سياسات التيئيس والاستكانة إلى الأحوال المتعفنة القائمة، والتأسيس الفعلي لثقافة عصرية، تنبني على فضح الانحرافات، والحرص على أن تلعب جمعيات آباء وأولياء التلاميذ دورها الاجتماعي والتربوي، بكل جدية وفاعلية، وتكون قادرة على مد جسور التواصل بين المدرسة والأسرة في مناخ تربوي سليم.
إن الحاجة إلى النهوض بالمدرسة، تدعو بإصرار شديد إلى نسج روابط متينة بين الأسرة والمدرسة، والتحلي بروح المبادرة والعمل الجاد والدؤوب، للرفع من منسوب الوعي لدى الأمهات والآباء، وإشعارهم بدورهم التربوي البناء ومسؤوليتهم الأدبية الجسيمة، عن طريق تنظيم لقاءات تحسيسية دورية، والإسراع بتجويد خدمات المدرسة في اتجاه بلورة إشعاعها التربوي والتعليمي والتثقيفي، وإشراك التلميذ في كل العمليات المرتبطة بتكوينه وبناء شخصيته، وبما يرسخ في ذهنه تقدير المسؤوليات واحترام الآخر...
وفي إطار العمل على استنهاض الهم والعزائم، وفق ما نهدف إليه من إعادة الروح والحيوية لمدرستنا الوطنية، نرى من الواجب على أولي الأمر والمهتمين بالشأن التعليمي، إدماج هذه الجمعيات في منظومة التربية والتكوين، لتشكل عنصرا أساسيا في انتقاء البرامج والمناهج الملائمة، وضمان تمثيليتها ليس في الحضور إلى المدرسة وحسب، وإنما في تفعيل مهامها بجميع المجالس التقنية: مجلس التدبير، المجلس التربوي، المجالس التعليمية، مجالس الأقسام الدورية... وأن يسمح لها بعقد شراكات مع جمعيات ومنظمات وطنية وأجنبية، من أجل تبادل الخبرات وإعداد مشاريع تربوية، وأن تتاح لها فرص تنمية معاملاتها، بدل الاكتفاء باعتماد مداخيل واجبات الانخراط وتبرعات بعض المتطوعين من الآباء. ولا يمكن لها القيام بدور طلائعي في حياة التلاميذ، إلا إذا سهرنا على تمهيد السبل لبلوغ أهدافها النبيلة، وبعثنا في أحشائها روح التمرد على ضعاف النفوس من المرتزقة، الذين تسول لهم أنفسهم المعطوبة التلاعب بالمال العام، ومحاولة تحويل الجمعيات إلى مقاولات خاصة، يعيثون فيها فسادا...
ولإسهام هذه الجمعيات بفعالية في إصلاح الحقل التربوي، يلزم المسؤولين السماح لها بالتفاوض المباشر في أعلى المستويات، التخلص من رواسب الماضي المظلم، التحرر من قيود الإذعان لنزوات بعض المرضى، المشرفين ظلما على تسيير مؤسسات تعليمية، الانتقال من الشخصنة إلى المأسسة، إحداث آليات متطورة لمراقبة ماليتها وترشيد نفقاتها، مع ضرورة احترام بنود القانون المنظم. والأهم من ذلك كله، الحرص الشديد على نزاهة وشفافية انتخاب المكاتب المسيرة، وتجديدها عند استيفاء المدد القانونية، للقطع مع الطفيليين الذين تجذبهم فقط رائحة "الولائم" وتوزيع الغنائم...
وإذا كانت الدولة تسعى جاهدة عبر أجهزتها الرسمية، إلى محاربة مجموعة من المظاهر السلبية، التي تسيء إلى وجه المغرب في الداخل والخارج: الهدر المدرسي، العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية... فإنها مطالبة كذلك، بإعادة الثقة لآباء وأولياء التلاميذ في المدرسة العمومية، بإيلاء هذه الجمعيات نفس القدر من الأهمية، حتى تستطيع تجاوز الصعاب وتكسير القيود، للارتقاء بواقع المدرسة التي تعتبر نواة المجتمع. ومن هذا المنطلق، تعد جمعية آباء وأولياء التلاميذ، رافدا مهما في تغذية المدرسة بما يؤمن لها نوعا من التوازن الطبيعي...