التعليم بين سندان الواقع ومطرقة بن لمختار
مراد الصغراوي
لن أبالغ لو قلت أن مستقبل المنظومة التعليمية في بلدنا مجهول، كثيرة هي العلامات التي تشير إلى وضع الخطر في حقل التربية وقليل من يذرك أننا على حافة جرف هاو، كثرت التشخيصات لمكمن داء المنظومة وقلت العلاجات وترك في آخر المطاف الحبل على الغارب وتغنى المتضررون من مرض عضال المنظومة بكلمات المرحوم العربي باطمة"فين غادي بيا خويا فين غادي بيا..."
لست هنا لأشخص بدوري مكمن الداء ولا لأصف العلاج الفعال لكن سأجنح إلى تعرية ما يمكن تعريته وسأكشف المستور ما استطعت إلى ذلك سبيلا سأنغص نوم جمل موروتنا الشعبي "خلي داك جمل راقد" سأنشر غسيل المنظومة في قارعة الطريق ليراه الخاص والعام، واقع منظومتنا التعليمية مر مرارة الصبار مهما أضفت له من سكر لن تنخفض مرارته، المتعاقبون على هذا القطاع هم من عمق جراح المنظومة إنهم يعرفون مكمن الداء إنهم-مع حذف حرف العطف- يملكون العلاج ولكن لسبب من الأسباب فشلوا جميعا في تحقيق نصر يذكر على أرض الميدان وفي أخر الشوط الملعوب ينسحبون ويصرحون لوسائل الأعلام المبحوحة "المهم هو المشاركة" كلكم تذكرون الوزير المخلوع عفوا المستبدل في التعديل الحكومي الماضي في عهد الحكومة- الحائط القصير- السيد الوفا القادم من أرض العم شاروخان قدم أشياء تحسب له لصالح التعليم من بينها إقراره بالواقع المرير للتربية في بلدنا الحبيب وأيضا حربه الهوجاء التي خاضها ضد الغشاشين في الامتحانات الاشهادية ولعل أبرز ما جاء به –الوفا- تقنينه وترشيده للتراخيص التي تسمح لمدرسي القطاع العام الممارسة في القطاع الخاص، خطوة ما أجملها من خطوة، سيراها هكذا كل من كان يحلم بشفاء منظومتنا، زد على ذلك بوحه علنا بموت المخطط الاستعجالي الذي كلف البلد ميزانية طائلة دون أن يقدم شيئا يذكر للمنظومة بل على العكس من ذلك عمق جراحها وملأ جيوب جزافي رودجرس الأب الروحي لبيداغوجيا الاذماج. صيت وزير التربية حينها بلغ الجميع حتى الأطفال والشيوخ عرفوا أن هناك وزيرا أسمه الوفا على رأس التعليم طبعا لأنه رجل كان يحاول جاهدا إصلاح ما يمكن إصلاحه وتدارك ما يمكن تداركه في منظومة كانت على حافة الانهيار لكنه لم يستمر شأنه شأن كل من تعاقب على هذا القطاع الحيوي، من خلال إلمامي بالموضوع وبحثي في سيرة الوزراء الذين تعاقبوا على التعليم لم أجد إلا القليل منهم من أكمل ولايته الحكومية ،وأنا أعتقد جازما أن الإصلاح يحتاج إلى نفس طويل و إلى استقرار وتبات، تغيير المسؤولين في علم التسيير والإدارة يعني تعطيل عجلة الإصلاح، لهذا كلما جاء وزير إلا وعاد بنا إلى نقطة الانطلاق.
إن أزمة المدرسة العمومية والتي هي بوجه عام أزمة المنظومة التعليمية في المغرب إنما كانت دائما نابعة من غياب سياسة تعليمية ورؤية واضحة لما نريد وبالتالي فالتخبط هو تحصيل حاصل لفشل في التخطيط وقصر في النظر وغياب التفكير الاستراتيجي ،فميثاق التربية والتكوين في أبرز خطوطه العريضة يتحدث لا عن المدرسة العمومية والتي يفترض أن تكون موضوع هذا التنظير، فلقد جاء متعالي عن واقعها ولعل أبرز ما يؤكد ذلك هو ما تشهده المدرسة العمومية من هشاشة في بنيتها البشرية وكذلك بنيتها التحتية إذ لا يعقل أن نتحدث عن عمق في التنظير المستورد من بيئة ليست هي بيئة الأصل، هذا الاختلاف في آلية التنظير لغويا وفكريا ومرجعيا هو الذي أصاب المنظومة التعليمية للمغرب في مقتل .
لا يخفى على أحد أن المدرسة العمومية ضلت ولا زالت عند البعض تمثل خزانا للتماسك الاجتماعي وتكافئ الفرص التعليمية التي تعلق عليها الفئات المحرومة أمالها العريضة في واقع يهددها بالإقصاء، لكن هذه الصورة النمطية عن المدرسة العمومية استحالة هيكلا فارغا مع تعمد بعض الجهات إفراغها من هذا البعد القيمي لصالح تنامي وزحف التعليم الطبقي الذي يقصي ضمنيا الفئات الاجتماعية المتوسطة، إن استهداف المدرسة العمومية قديم قدم وجودها لهذا فلم تستطع وعلى مرور أزمنة أن تنتج لنا طاقات بشرية عالية المستوى وهذا يضعنا أمام البون الشاسع المتجسد في الفجوة بين المدخلات والمخرجات. لقد ضلت المدرسة العمومية مصدر تكلفة للدولة حتى أن البعض يصنفها ضمن القطاعات غير المنتجة التي لطالما اشتكت منها الحكومات واعتبرتها استهلاك للاستثمارات الممكنة.
صوت أنين المنظومة في تصاعد والأذان بها صمم، ولا حياة لمن تنادي عديمو الضمير كثر، هواة مشاهدة الخراب في كل مكان، حال منظومتنا التربوية كحال المغتصبة في عقر دارها ما الذي قدمه بن المختار؟ وما الذي يعتزم تقديمه؟ منذ أن ولي على رأس القطاع سمعنا أنه أحدث بكالوريات متخصصة و أنه حرم فئة عديدة من رجال التعليم من متابعة دراستها... وماذا بعد؟ أهذه هي الإصلاحات الزمن يمر ومطرقة بن المختار تدق على السندان لعل الجمل يستيقظ وتسير القافلة إلى الأمام نحو الخلاص في اتجاه بر الأمان.
أكون حالما لو قلت أن المستقبل وردي في ظل الأزمة المخيمة على المشهد التربوي الآن ،كل التكهنات تقودنا إلى أن الدولة ستكون قد وعت مزالق اللعبة وأنها اقتنعت أن المشكل في التعليم لا يكمن في الخصاص المادي أو المقارباتي بقدر ما هو خصاص في دقة التنظير من خلال ربط السياسات بالواقع المعاش منطلقين من الواقع الملموس الجلي رابطين الإصلاح باللغة والفكر والعقلية، وبالموازاة مع ذلك لابد من إشراك المدرس الفاعل هذا إن وجد سيما وأننا أمام وضع مستجد وهو أمية المدرس الغارق في مشاغل الحياة البعيد كل البعد عن ما يجري حوله لا يوقظه من سباته العميق إلا جلبة الأزمات المتفرقعة حوله.