داعش : بوادر الخلافة أم إرهاب في العلاقات الدولية

أحمد الدرداري

 

دلالة كلمة داعش وأبعادها

داعش كلمة مركبة من اربع مصطلحات وهي:  دولة....اسلامية ....عراق ....شام. أي الدولة الاسلامية في العراق والشام.

تعني (دا) الدولة الاسلامية وهي تحاكي بنية دينية جذابة ومشوقة وهي كلمة تجلب الانظار عبر العالم العربي والاسلامي وتمتص عطف وتأييد ومحبي الدين الاسلامي التلقائيين والسذج وهي بذلك معطى جلب المجاهدين الاندفاعيين من مختلف المناطق والدول ونظرا للشعور بالانتماء للإسلام فإن الكثير لا يفكر في بقية الكلمة (عش)، بل يكفي ان يكون المنادي باسم الاسلام فقط  ليسمح لنفسه بالالتحاق بالمنادي.

وتعني (عش) جغرافيا العراق والشام، بمعنى أن الجغرافية الإسلامية  ستساعد منطقة العراق والشام على التخلص من الأزمة التي كرستها حكومة المالكي وفشله في توحيد العراق، بل استهدف السنة والأكراد، وفشل الدول الغربية في إزالة نظام الأسد، ليبقى الحلم بإقامة الدولة الاسلامية السنية رد فعل مضاد لتتوسع بعد النجاح الى بقية الدول، وهذه الفكرة السنية تتوخى تجنب الإجماع في محاربتها لكي تتوازن مع المد الشيعي...

وداعشهو سؤال المرحلة الذي يراوح مكانه، ويتفرع الى أربع فرضيات وهي: بوادر الخلافة التي جاءت في الحديث النبوي الذي يقسم حياة الأمة الى أربع مراحل تاريخية وهي المرحلة النبوية ومرحلة الخلافة الراشدة ومرحلة الحكم العاض ومرحلة الحكم الجبري ثم مرحلة الخلافة الراشدةالتي هي نهاية الظلم غير الممكن الحياة معه في الأمة الإسلامية، وتتوفر روسيا على دراسة أنجزها نائب رئيس الدوما الروسي، وأخرى أنجزها المجلس القومي الأمريكي وكلاهما يتنبآن بظهور هذه الخلافة الراشدة والتي ستمتد جغرافيا من الصين شرقا حتى المحيط غربا، وذلك ما بين سنة 2020 و2025 على أبعد تقدير وتكييف هذه المعطيات يبقى نسبيا لكون المستقبل غير قابل للتجربة والملاحظة وغير خاضع للأحكام الجاهزة وهذا ما يجعل هذه الفرضية مستبعدة فيتم ترجيح الفرضية الثانية وهي العنف والجريمة والإرهاب باسم الدين لكون  الإسلام الحقيقي بعقول علمائه.

فرضية الارهاب الدولي كفرضية ثالثة،والتي تدل بحسب المعطيات المتوفرة، أن الاوضاع السياسية والدينية حاليا بالشرق الاوسط تعرف خلخلة وعنفا وأعمالا إجرامية وأخرى ثأرية وغريبة لكونها غير خاضعة لقانون الحرب كمعاهدات جنيف التي تحمي المدنيين وغير ذات موضوع معلومأوشرعي.... وايضا غير خاضعة لمنطق الدين والضوابط الشرعية التي توصي بها الاديان السماوية.... لكنها فتن متسلسلة وقديمة حديثةمتداخلة لدرجة لا  يعرف القاتل لماذا قتل ولا  المقتول لماذا قتل، وهذه الفتنة ولدت من رحم الأنظمة الديكتاتورية في العراق المباركة من أمريكا وسوريا المباركة من روسيا، وهذه الفرضية الثالثة مبررة لوجود داعش، والفرضية الرابعة مرتبطة بالقانون الدولي بحيث أن الدول الخمس واستعمال حق الفيتو عكر صفوة التطور الدولي وأبان عن فشلهفي حل الأزمات الدولية وهي فرضية رابعة ممكنة،ولهذه الأوضاع المعقدة الاسباب العامة والخاصة والمرجعيات والذرائع والدوافع...والمنطلقات وهي:

المنطلق الجغرافي الديني

تبدو منطقة الشرق الاوسط  مفتوحة في وجه المواطن العالمي دون اية تأشيرة كالتي تسري على الاتحاد الاوربي مثلا وهنا يطرح سؤال من يقف وراء تهريب المقاتلين، وهي مهد الديانات السماوية وبعثة الانبياء والرسل وهذا يعلل طبيعة الافكار والطبائع المعادية للحق والعدل والحرية والحياة والمساواة التي جاءت الديانات من أجل تنظيمها... بدليل أن كل أمة بعث فيهانبي أو رسول، وأربع كتب سماوية تأصيلية لمبادئ الحياة وفصل الظلم عن الحق ...لكن الذين ناهضوا الانبياء كل في زمن بعثته، منهم من هلك ومنهم من عذب ومنهم من استمرت سلالته الى اليوم ويبقى عذابهم مؤخر بحسب بعض دعاة دين الاسلام، وعليه فإن هذه المنطقة تعد فوهة بركان المعتقدات والفتاوى دون اللجوء لأهل الفتوى، وكل امتداد ديني عبر العالم يرتبط بالشرق الاوسط، والتاريخ القديم مليء بالحروب الدينية وتقلب الأمم وزوال الحكم بالتداول بين الانبياء التي كانت أممها قليلة الإيمان بالرسالات التي تنزل على نبي منهم. وكل ديانة تحكي هذه القصص على طريقة معتنقيها فتزيد وتنقص في الحقائق ومن الأمم من بقي غارق في تحديد معنى الكلمات والمعاني وتضارب الآراء حول الاتجاهات الصحيحة مما يخلق الفرقة بين الطوائف داخل نفس الديانة سواء الاسلام او اليهودية او المسيحية ... حيث ان الدولة الحديثة  اسرائيل- فلسطين ومصر وسوريا والاردن والعراق واليمن والسعودية هي أماكن بعثة أشهر الانبياء والرسل وهي منطلق الفتن واستيرادها وتصديرها كما هو الشأن في شمال افريقيا، حيث اصبحت أية جماعة تسمي نفسها إسلامية لتقتل وتذبح باسم الإسلامالبريء من هذه الأفعال الإجرامية، والتاريخ يقص ويورث المعلومات ذات الارتباط بالدين كمعتقد وبشكل خاطئ وليس كثقافة فقط ..وهذا يخلق العداء بسبب التضارب بين ما يضر وما ينفع الدول والناس من موجودات وممنوعات وعلاقات .

المنطلق السياسي الديني

يرتبط هذا المعطى بمسألة مذاهبالحكم والقواعد التي تنظم السلطة  وعلاقة الحاكمين بالمحكومين بحيث نجد أنظمة سياسية دينية  وأخرى أنظمة مستبدة وأخرى تروم الطائفية أو المذهبية دون تنزيل أي نموذج لنظام دمقراطي غربي أو نظام إسلامي معاصر منفتح ومعتدل ومتسامح كالنموذج المغربي الذي أبان قدرته عل التوغل في افريقيا والتعايش السلمي مع كل الثقافات والديانات والأنظمة السياسية بفضل التأطير الديني والأمن الديني وتوحيد الخط الديني، والواقع يؤشر على فشل الانظمة الحاكمةالشرق أوسطية في فرض الاحترام بين الحاكمين والمحكومين في كل من العراق وسوريا... وتعتبر العلاقات الدولية مغدي أساسي للمناوشات الداخلية ايديولوجيا ودينيا وسياسيا واقتصاديا بما يؤول ويترجم أحيانا الى أعمال إجرامية وإرهابية، أو ثورية أو معارضة سياسية من خارج البنية... وهذا يمس بهويات وأصل ومعتقدات الشعوب ويسبب أزمات ينتج عنها جرائموفتن وحروب قد تكون عالمية اذا استهدفت الدين أو العرق أحيانا...مما يجعل التكاليف باهضه.

المنطلق الاجتماعي الواقعي

ويروم هذا المعطى تصور الواقع المعيشي الذي تختلط فيه كل العوامل السابقة، حيث الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية في أية دولة شرق أوسطية زمن السلم تعطي الاستقرار، وانقلابها رأسا على عقب في زمن الحرب وحالة اللاأمن كما وقع في العراق وسوريا واليمن يكرس صورة أخرى.أولا بسبب تدخل أمريكا التي ورثت تاريخ بريطانيا في هذه الدول وما نتج عن تدخلها من استياء، وثانيا بسبب سياسة بعض الأنظمة كنظام صدام، وتخلي دول الخليج عن تضامنه معه وما آلت اليه الأوضاع بعد الغزو وبعد وصول المالكي الى الحكم الذي كرس الفرقة بين مكونات الشعب العراقي ...ممافقد معه المواطن الثقة في الحياة والدولة والمؤسسات القائمة وندم على فقدان شخص مستبد وعادل، وفقد السيطرة على نفسه بسبب فقدان أهله وماله في الحروب والتشريد أحيانا وتصدع الواقع بسبب فشلممارسة أنظمة الحكم القائمة للسلطة وتبعيتها لدول أجنبية، وسوء تدبير ثروة هذه الدول، حيث الشركات العملاقة أصبحت هي المتحكمة في اقتصادها وسياستها، وهذا أبعد المواطن عن حقه في الثروة الوطنية وفي التنمية،  وأصبح الفقر والبطالة والهواجس تدفعه الى البحث عن الخلاص من الوضع، وتصل الى الانتحار والبحث عن الثأر بشتى الطرق وبجميع الوسائل...بالإضافة الى تشرذم البنية الاجتماعية التي تتغدى من الانتماء الديني والتاريخي والاثني، وهذا ما يجد في الديننفسه الملجأومنفذ الخروج الوحيد بتفسير وتعليل المبتغيات وفي كل هذه الدول تأويلا وليس معنا صريحا، واعتبار الجهاد هو الحل لكل المآسي التي تصيب الانسانالضعيف والمهزوم  تجاه أي طرف قوي...

المنطلق  الدولي

ترتبط حركة داعش دوليا بواقع السياسة الدولية المتسم بصراع المصالح وإدارة الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط ومد العون الكافي بطرق مباشرة وغير مباشرة لأطراف الصراع وذلك بتقديم  الدعم اللوجيستيكي والمالي  وتيسير التحاق المقاتلين عبر الحدود المفتوحة وغير المراقبة،فبدأتموجات التغيير الفاشلة  بالربيع العربي الذي توقف في سوريا بدعم من روسيا وايران وتحولت الى صيف حارقبعد انقلاب العسكر على الاخوان في مصر وحرب غزة الأخيرة، وهذا يؤشر على عودة الحرب الباردة ودخول مرحلة جديدة من عمر هيئة الأمم المتحدة وإحياء ملفات قديمة كانت مسكوت عنها وأصبحت تراوض مكانها في باحة الجمعية العامة كالملف الذي أشارت إليه رئيسة دولة الأرجنتين كريستينا، والرسالة التي بعث بها ملك المغرب بمناسبة الذكرى 69 للأمم المتحدة، وفشل الغرب في الحوار مع ايران في ملفها النووي بالإضافة الى القضية الفلسطينية التي شاخت بين الدول الكبرى وبقيت بدون حل، وسببت انعراج في التعامل الديبلوماسي الدولي الذي حلت محله معادلة الأمر الواقع الذي فتح الباب للجهاد كمخرج ضامن للحقوق الفلسطينية ضد التوجه التوسعي الاستيطاني لإسرائيل وهو ما أصبح قاعدة راسخة عند المؤمنين بالقضية الفلسطينية وفي صلبها قضية القدس التي تمس بكل المسلمين، زد على ذلكما يجري حاليا في اوكرانيا، وفشل الاتحاد الاوربي في تحقيق الوحدة الاوكرانيةوضمها وانعكاس ذلك على مفاهيم القطبية الواحدة ...

داعش وامتداد مخاطرها

تهددداعش بتنفيذ عملياتها في أية دولة تخالفها أو تشارك في محاربتها وهذا ما ولد التخوف لدى كل الدول العربية والاسلامية والغربية، فكان سببا للتحالف والتدخل لتطويقها وإضعافها والقضاء عليها، ويبقى التأهب قائم في كل الدول المستهدفة سواء لمواجهة عملياتها الإرهابية المباشرة أو عمليات الجماعات الإرهابية الموالية لها في مختلف المناطقوالتي تخضع لتوجيهاتها وأوامرها، حيث يمكن مبايعة داعش من طرف أية جماعة جديدة في ظل عالم سريع التواصل واتخاذ القرار.

ويبقى فشل مشروع داعش الديني والسياسي مرتبط بمراقبة ومنع الحصول على الأسلحة الخطيرة - المسؤول الأول عنها - الدول الصناعية والمتاجرة فيها بشكل مباشر أو عن طريق السوق السوداء التي تستبدل الأسلحة بالبترول المهرب، ثم إصلاح الأنظمة السياسية لدول الشرق الأوسط وتحقيق التنمية وفرض نظام للتعايش وحماية المنشآت البترولية، وأيضا يقظة الأجهزة الأمنية بالمقاربة المتعددة الفرضياتلاسيما في الدول المستهدفة بالاسم تفاديا لأي اختراق،ومراقبة حدود دول العراق وسوريا بشكل دقيق لمنع تسلل المقاتلين أو التمكين من الأسلحة، كما ينبغي مراقبة عالم المال وعمليات التحويل البنكية  المختلفة والمباشرة وغير المباشرة، ثم ينبغي العمل على  داعش والهوامش التي قد تتحول الى قوة تزيد في محنة الدول مثل النقطة السوداء في شمال مالي والتي تمتد الى عمق الجزائر التي قتل فيها مؤخرا سائح فرنسي لم يسيئ لأحد، وإمكانية توظيف البوليساريو لنفس الغرض  وبالتالي اختلاط الأوراق واضطراب المنطقة المغاربية وجنوب الصحراء. 

 

 

 

 


المقالات الأكثر مشاهدة