سِيزِيفْ
نهاد المهدي
مع هبوب نسمة خريف ليس لها أي طعم يُذْكَر، أخذتني مراسيم دفن بعض الصفحات المبعثرة على أروقة الدهر، تَزُفُّهَا أخاديد السكرات إلى مرقدها الأخير...
تتابعت الأفكار في بركة ذهني العميقة الصدى، وازدحم المكان لتختنق كل أرجاءه وتنطفئ معالم النور.
للحظة توقفت أنفاس الأمل وتمزقت شِقْوَتُهُ، فأصبح كل ما يحيط بمجال الرؤية عَتْمَةً خَاِويَةَ الِوفَاض...
نَظرتُ إلى مكان حملتني إليه متاهات الصمت، فلَمَحْتُ حركة بطيئة تُرَجْرِجُ زفرات الجو، فأمْعَنْتُ النظر للحظات؛ استرْجَعْتُنِي من غياهب التوقف التي كانت تعتقلني لأكتشف ما الأمر!
كان المكان يعُجُّ برايات الكفاح و العزيمة،صورة غريبة الرسم؛ألوانها سُبُحَاتُ استمرار ونضال، تلفها أشباح العلو و الهمة
استمر دبيب الأمل في التساقط في كل الأرجاء،و أخذ صهيل الخيل يقصف مراتع الخمول، تبعثر كل شيء في المكان، أحداث شدَّت فضولي لأطلع على سبب كل هذه الأحداث.
أخذت أبحث عن مصدر رائحة انبعاث الأمل، علني أجد ضالتي وسط زحام الأيام.
حركة المكان في اللازمان أثارت حفيظتي لأقترب أكثر،رمقت نملة تَجُرُ الخطى نحو الأفق، تتسلق الجدار نحو المجهول البعيد...
تحمل شيئا يكْبُرُ حجمها أضعافا مضاعفة،تتحارب مع عدو مجهول و بَرٍّ غَائِر و تناضل لبلوغ حفلة شاي على شرفها في مملكة النمل الدفينة، إنها سَنْدْريلاَ منتصف الليل؛ينتظرها الأمير بفارغ الصبر...
واصلت النظر إلى محاولاتها جر حبة خبز على ما أعتقد أو شيء من بقايا طعام،و كأن قوة خفية تمنحها عصى سحرية لمواصلة المسار...
لا يبدو من صعودها أنها تَتَنَهَد أو تتذمر، كأنها جندي في سَاحِ الوَغَى يُزَمْجِر في وجه العدى...
امتلكتني بعنادها وعزمها على المضي نحو القمة... رغم صغر حجمها و ضعف قوتها إلا أنها كسرت كل المعادلات الفيزيوبيولوجية...
أذهلني أمرها و تذكرت (سيزيف) الرجل الأسطورة الذي يحمل الصخرة فوق ظهره، ليصعد جبلا يطول أمده،و كلما سقطت الصخرة عاد ليحملها و يعيد الكَرَّةَ دون توقف...
المسافة بين الفكرة و التنفيذ لا يتعدى حدود الخطوة الأولى!
قلبت النملة كل مسودات الأفكار عندي، واستعمرت أغوار أعماقي، لتعيدني الى مرحلة ما قبل ولادتي،الى بداياتي، إلى انطلاقتي في هذه الحياة...
علمتني درسا في رؤية الأفق عند رموش الجفن رغم بُعدِه، تحياتي لك أيتها النملة...
و على خطى الأمل لا يسير إلا حاملو الصخرة!!!