العقليات الخادعة لحق المغاربة
حمزة بوعياد
مع مرور أكثر من تلاث سنوات على الحراك السياسي في المغرب, تظهر مشكلة تعريف حقيقة الاصلاح السياسي و كأنها المعضلة الأكبر اليوم حيث تظهر محاولات توظيف واضحة من قبل قوى متعددة لهذا المفهوم. فعلى سبيل المثال, لا يمكن ايجاد اي نوع من انواع الالتقاء الفكري بين الاحزاب في كيفية المضي قدماً نحو الاصلاح., تشعر –بلا شك- بحالة من الحنق تجاه الحراك السياسي المغربي, حيث تعمل -في أغلب المناسبات- على تقزيم هذا الحراك و مهاجمته في الدوائر المغلقة الرسمية و الاجنبية, في محاولة لإعادة تصوير المغاربة على انهم اناس بعيدون عن السياسة و باحثون عن الحاجات الاساسية أو "الطعام" فقط وفقاً للترجمة الحرفية للمصطلح المستخدم من قبل هذه النماذج. و يصر نموذج "الزيف الليبرالي" على ربط أسباب التعثر الاقتصادي اليوم بالاقتصاد العالمي بينما يتم التغاضي عن الحديث عن الاسباب الحقيقية للانهيار الحالي و الذي هو نتيجة طبيعية لطريقة ادارة الحكومات السابقة والحالية و التخبط في ادارة المشاريع و التخطيط غير الواقعي و الاغتصاب الفعلي للقرار السياسي من قبل هذه الفئة التي نجحت في سنوات قليلة بصناعة الواقع المؤسف الذي نعيشه اليوم من أزمة اقتصادية معمقة و فجوة بين من يعطي صوته و من يحكم. الملفت للنظر ان هذه الفئات المفروضة على المغاربة مازالت تنكر أي جانب ايجابي للتطور الحاصل على الأرض من اضطرار اللجوء الى التعديلات الدستورية و الشروع البطيء في مكافحة الفساد و اجراء اصلاحات جديدة و الأهم هو انهيار "تابوهات الخوف" في نفوس الشباب.
ان الوقوف على نمطية هذا الفكر من جوانبه المتعددة قد يوضح الكثير من أسباب تعثر المشروع الاصلاحي المغربي. فالقضية في المغرب ليست صراع بين حزب قديم و جديد او معارضة , او استغلاليون او ليبراليون تقدميون, او حالة انتهازية لتيارات دينية. القضية في المغرب قد تكون أبسط من هذا بكثير, فهي اولا و أخيراً صراع على من يقود الحكومة و صراع على الصلاحيات. و الأهم ان دائرة صنع القرار السياسي مازالت مليئة بعقليات رجعية "اقطاعية" تختبأ خلف رداء ليبرالي اصلاحي, فهي في غالبيتها مرتهنة بمشاريع اصلاحية فوقية، قادمة من الخارج و لا تمت الى الواقع المغربي بصلة, و تعتقد ان قمة الليبرالية تتمثل بامتلاك شهادة جامعية غربية و امتلاك لغة فرنسية كعامل أساسي للتسويق السياسي.
فعلى سبيل المثال, تغيب مفاهيم الكرامة و العزة تماماً عن قواميس هذه الفئات الرافضة لتفسير دوافع الحراك المغربي على أنها حالة من رفض استمرارية اغتصاب القرار السياسي أو انها شعور فائض من العزة و الكرامة التي لا يمكن انتهاكها. اما الأدهى فهو انكار هذه العقليات الخادعة لحق المغاربة في صياغة واقعهم السياسي, و الاصرار على توظيف ذريعة غياب الوقت الكافي لخوض التجارب السياسية, و هي بذلك تنكر أبسط حقوق الشعوب المرتبطة بخوض تجاربها السياسية و التفاعل مع عملية النمو الطبيعي للفكر الايديولوجي و صياغاته المستقبلية. على كل الأحوال, لا يمكن انكار ان حالة النزول الى الشارع سنة 2011 و انتهاء حالة العزوف عن العمل السياسي أدت الى انتاج واقع مجتمعي جديد, لا يمكن الانتقاص منه او مهاجمته, فهو حراك يبحث عن بوصلته السياسية التي تم تغييبها عبر السياسات السابقة من اقصاء و تهميش و قمع تم ممارستها مطولاً بحق العمل السياسي و ناشطيه.
اليوم, يبقى التحدي الاساسي يتمحور حول تعريف الاصلاح السياسي و حيثياته ضمن اطر تحديثية جديدة, و رصد حالات التطور الفكري المغربي عبر معايير جديدة بعيدة عن تقليدية الايديولوجيات الصلبة. فالمناخات المجتمعية الجديدة تشير ان الايديولوجيات السياسية تمر بحالة من اعادة الصياغة ضمن أطر مناسبة للواقع الجيوسياسي و التاريخي. و لا يمكن انكار الاشارات التي تشير الى وقائع مجتمعية جديدة توضح حجم الأزمة السياسية في المجتمع المغربي و سرعة اتساع الهوة بين مكونات الشعب والحكومة. ضمن هذا المخاض الشائك, تبقى أكثر النقاط خطورة تتمحور حول تولد قناعة راسخة لدى الأغلبية باستحالة تجسير الرؤية بين ذهنية النظام السياسي و نظيره الشعبي الذي يمر بحالة من التباعد في الرؤى المتعلقة بمفاهيم الاصلاح السياسي.
التجرية المغربية الجديدة لابد ان تؤتي أكلها في نهاية المطاف و لا بد ان ترسم عناوين و شخوص جديدة في المستقبل القريب. فالحراك المغربي الزخم في الغرف المغلقة لابد ان يترجم الى حالات سياسية تعبيرية على الساحة قريباً, خصوصاُ ان محاولات التجاذب السياسي الفعال و اختلاف وجهات النظر في مجمل القضايا الداخلية او الاقليمية يؤكد ان حالات الفرز السياسي ستؤدي الى بناء تحالفات سياسية صلبة كونها مبنية على الالتقاء الفكري و المصالحي, و في هذه الحالة قد تظهر تحالفات سياسية مستقبلية بين تيارات ناشئة و أطراف بيروقراطية او مؤسسات رسمية ناجزة تجد في برامج هذه التيارات الحداثية عوامل توافقية كبيرة و ضرورة تشاركيه للعبور بالبلاد من مأزق حالة التجاذبات السياسية الى حالة استقرار ضرورية ، لضمان مواجهة اي سيناريو قد تجلبه.