استياء الكازاويين من فرض رسم 70 درهما لدخول ساحة مسجد الحسن الثاني

سلطات شفشاون تعطي الانطلاقة الرسمية لوحدة فندقية جديدة

تحويل شقق وسط حي شعبي بطنجة إلى أوكار للدعارة يخرج الساكنة للاحتجاج

من غلاسكو إلى الرياض.. اعتراف دولي بقوة المؤسسات الأمنية المغربية

شحتان: بطاقة الملاعب ستحد من المتطفلين على الميدان ويوسف مجاهد: مبادرة جيدة من أجل الرقي بالمهنة

جمعية الثقافة الإسلامية ومؤسستها بتطوان يحتفلون بذكرى المسيرة الخضراء المضفرة

اليوسفية: مستشفى إقليمي يتحول إلى محطة لتصدير الموت

اليوسفية: مستشفى إقليمي يتحول إلى محطة لتصدير الموت

أخبارنا المغربية

نورالدين الطويليع ــ يوسف الإدريسي

 أدخل الحمري ابنه المغمى عليه إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي للاحسناء باليوسفية في ساعة متأخرة من الليل، خاطبه ممرض المداومة بنبرة حزينة تنم عن خجل واستحياء: آسف سيدي لا يوجد طبيب المداومة، ولا نتوفر على غرفة العناية المركزة، حالة ابنك حرجة جدا، يجب أن تذهب حالا إلى المستشفى الجهوي بآسفي. 

فكر الأب المسكين الذي يعمل مياوما وقدر، ضرب كفا بكف، عض على أنامله من الغيظ وانفجر باكيا من هول الصدمة، وهو لا يعرف أحدا ولا يعرفه أحد، ولا يمكن أن يضحي أحد بلذة النوم العميق من أجل سواد عيون نكرة غائرة مثله. 

تدخل أحد حراس المستشفى الذي رق لحاله وأثارته دموعه المنهمرة، فضغط على أزرار الهاتف واتصل بمسؤولي الجماعات الترابية للإقليم من أجل مد الرجل بسيارة إسعاف تنقل ابنه إلى المستشفى الجهوي، وجد الهواتف غير مشغلة، إلا واحدا اعتذر صاحبه عن تلبية الطلب لعدم وجود السائق، وطلب منه الانتظار حتى تطلع الشمس، وأوصاه أن يأخذ من أهل المريض مبلغ مئتي درهم ثمن وقود سيارة الإسعاف، ثم قطع الاتصال. أصيب الرجل بصدمة مزدوجة، صدمة سيارة الإسعاف التي يجب عليه انتظار قدومها ساعات طوالا، كل ساعة، بل كل دقيقة كأنها الدهر، وصدمة المبلغ المالي الذي يكد أسبوعا كاملا وبالكاد يحصل على ما يقاربه. 

وهو جالس القرفصاء، واضع رأسه على ركبتيه، محيط به يديه، مستغرق في تفكير عميق، ربت ذات الممرض على كتفه بلطف، رفع بصره واشرأب ناظرا إليه بعينين يبدو واضحا عليهما تعب السنين، هم أن يستفسره عن حالة ابنه، لكن الممرض بادره قبل أن يحرك شفتيه:"أعظم الله أجركم سيدي، لقد التحقت روح ابنكم ببارئها"، وجم الرجل ونزلت عليه الكلمات كالصاعقة، وقبل أن ينصرف الممرض الذي جلس بجانبه بعض الوقت مواسيا، نطق بكلمات هي أشبه ما يكون إلى الثأثأة قائلا: مادام ابني قد فارق الحياة، اتصلوا بالمسؤول عن سيارة الإسعاف وأخبروه بالخبر، فقدومه سيكلفني مئتي درهم لا أتوفر على ربع ربعها. 

رد عليه الممرض قائلا: ستحتاج سيارة الإسعاف سيدي من أجل نقل جثة ابنك إلى آسفي لتشريحها هناك، ستحتاج أضعاف أضعاف هذا المبلغ من أجل أداء ثمن وقود ذهاب وإياب سيارة الإسعاف، وثمن الصندوق الخشبي، وثمن تشميعه، وثمن الوثائق الإدارية، وأجر المغسل. في هذه اللحظة بالذات انقض أقرباء الميت الذين توافدوا على المستشفى بعد سماعهم الخبر على الممرضين سبا وشتما متهمين إياهم بالتسبب في وفاة قريبهم بإهمالهم حالته وتقاعسهم عن أداء واجبهم في إسعافه.

 قصة الحمري وابنه والممرض هذه تلخص مصيبة المواطن اليوسفي والأطر الصحية على السواء في رزء اسمه الصحة، فالمستشفى الإقليمي الذي علقت عليه آمال كبيرة لوقف نزيفها المتدهور صار جزءا من المشكلة، وتحول إلى جحيم لا يطاق تكتوي بناره الأطر الصحية وكل من سولت له نفسه زيارته في ظل افتقاد المستشفى إلى طبيب للمداومة بعدما التحقت ثلاثة من أطره الطبية برحاب الجامعة لاستكمال دراستها ونيل شهادة التخصص، دون أن يعوض أي منها، ليبقى جناح المستعجلات خاويا على عروشه إلا من إعلان يتيم بئيس في مدخل المستشفى مكتوب عليه " لايوجد طبيب المداومة"، ليصبح حظ الشاد الرحال إلى هناك استنشاق هواء هضبة الجبورات ــ التي تحتضن بناية المستشفى ــ  الملطخ برائحة نتنة تصر إصرارا على اقتحام باحاتها قادمة من مطرح نفايات الغشيوة المجاور. اذهب إلى آسفي لمن مازال في عمره بقية عسى أن ينقذ أو يلفظ أنفاسه الأخيرة في الطريق، أو اذهبوا به إلى آسفي لأهل من لفظ أنفاسه بالمستشفى أو في الطريق إليه، هاتان هما العبارتان اللتان صارت تلهب بهما مسامع زائري المستشفى الإقليمي الذي تحول إلى محطة طرقية لتصدير الموت بألوان وأشكال مختلفة إلى مدينة آسفي. "

قد أتقبل على مضض أن يطلب مني أخذ قريبي المريض إلى المستشفى الجهوي بآسفي"، يقول أحد المواطنين، مردفا بأن الأمل في تماثله للشفاء يخفف من ألم ومرارة وعذاب السفر والخيبة الكبيرة في عدم توفر المدينة على مستشفى يحفظ كرامة أبنائها المرضى، ويرد إليهم بعض الاعتبار الذي سلب منهم وهم أصحاء، لكن ـ يضيف ذات المتحدث ـ أن يطلب مني الذهاب  بقريبي الميت إلى آسفي للتشريح، فهذا يجعل من مصيبة الموت مصيبتين، ففي قمة الألم الذي تسببه لوعة الفراق، والتي من المفروض أن يخلد فيها أهل الميت للراحة وتلقي واجب العزاء، يستوجب عليهم الانتقال إلى آسفي وقضاء نهار يوم كامل في الانتقال بين الإدارات لإنجاز الوثائق التي تسمح باستعادة الجثمان إلى مثواه الأخير. يختم ذات المتدخل. 

لقد آن الأوان لكي يفكر القائمون على تدبير الشأن المحلي في إحداث مشرحة طبية باليوسفية، واستقدام طبيب مختص في التشريح الطبي، أو تمكين طبيب الأموات الحالي من دورة تكوينية بهذا الصدد من أجل تأهيله للقيام بمهمة التشريح لتخفيف العبء عن المواطنين وإكراما لأمواتهم بتعجيل دفنهم، بعدما خاب الأمل في إكرام الأحياء بقطاع صحي يستجيب لانتظاراتهم.

 أم أن الرحلة إلى مدينة آسفي فرض من فروض الانتماء إلى تراب إقليم اليوسفية لا تسقطه الوفاة، بل يلزم أهل الميت بترحيله إلى هناك وأداء مناسك الطواف بين الإدارات نيابة عنه، كل ذلك لكي يسمح له في الأخير بشبر أرض يحتضن رفاثه بعدما لفظه حيا.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات