الطيب أدكوي
إن استحضار الحديث عن المواطنة في هذه الظرفية بالضبط في ظل التغيرات الإجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي ، أصبح من الضرورة بمكان على كل الفاعلين و المعنيين بمؤسسات التنشئة الإجتماعية التي تسهر على تربية الناشئة ، نظرا للأهمية التي ينبغي أن تحظى بها سواء من حيث الخطاب و الممارسة . و بالوقوف عند التحولات التي تعرفها الدول المجاورة خاصة في ظل ما يسمى بالربيع الديموقراطي ، و ما واكب ذلك من تحولات شملت عدة مستويات ( سياسية ، اقتصادية، جتماعية إنسانية ...) ، أدت في الكثير من الأحيان إلى شل عصب الدولة ومنها من غرق في حروب أهلية لا يمكن لأحد أن يتكهن بعواقبها الوخيمة على تلك الأوطان وشعوبها.
و بالعودة إلى مجتمعنا المغربي الذي لا يختلف فيه اثنان من كونه اليوم يعيش أزمة مواطنة، إحساسا و ممارسة أكثر من أي وقت مضى ، أي ما يمكن أن نختصره في "أزمة مواطنة " بكل ما يحمله المفهوم من دلالات ، و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ، هو من المسؤول عن هذه الوضعية ؟ و ماهي السبل للخروج منها ؟
قبل الإجابة عن الأسئلة أعلاه و استجابة للضرورة المنهجية ، لابد من القيام بتعريف بسيط للمواطنة ، حيث سنجد أن أغلب الأدبيات التي تناولت إشكالية المواطنة، حددت مفهوم المواطنة في "شعور الفرد بالإرتباط بالوطن و المجتمع" ، من خلال هذا التعريف نلاحظ وجود جدلية الفرد و المجتمع الشيء الذي يبين العلاقة الوثيقة بينهما . في حين نجد لسان العرب يعتبر "الوطن بمثابة المنزل الذي يقيم فيه الإنسان فهو وطنه و محله" .
بالتالي نلاحظ أن الخيط الرابط بين التعريفين السابقين، هو تلك العلاقة الجدلية الرابطة بين الفرد من جهة و الجماعة و الوطن من جهة أخرى . الشيء الذي يبين أن مفهوم المواطنة يستوعب بناء علاقة بين الدولة /الوطن و المواطن ، قائمة على الكفاءة بمفهومها الشامل ، و ذاك يشترط صفات أساسية في المواطن تجعل منه شخصية لها القدرة على التأثير في الحياة العامة ، ثم امتلاك القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات و صناعة التغيير ، بدءا بالذات ثم المحيط لتتسع دائرة التغيير لتشمل المجتمع بأكمله. و يعتمد المفهوم الحديث للمواطنة على اتفاق جماعي يؤسس لتفاهم من أجل ضمان تحقيق حقوق الأفراد و الجماعات، كما أن المواطنة تعبر عن ارتباط وجداني بالأرض و الجماعة.
1-المواطنة و الوطنية ، أية علاقة ؟
الحديث عن المواطنة يقودنا حتما إلى استحضار مفهوم لا يقل أهمية ألا وهو مفهوم الوطنية ، حيث نجد أن هذه الأخيرة أكثر عمقا من صفة المواطنة إن لم نقل أعلى درجات المواطنة . لأن الفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه لجماعة أو لدولة معينة ، في المقابل لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل و الإنخراط الإيجابي في المجتمع و الدولة من خلال تغليب المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة .
إلى جانب مفهومي المواطنة و الوطنية نجد كذلك مفهوما آخر لا يقل أهمية ، و هو مفهوم التربية الوطنية و يعبر عن الجانب التربوي الذي يجعل الفرد يشعر بصفة المواطنة و يحققها من خلال سلسة من القيم و السلوكيات وفق أسس بيداغوجية تربوية، إلى أن تتحول إلى صفة الوطنية ، حيث يمتلك الفرد آليات تمكنه من امتلاك قدرات تساعده على صناعة النجاح و الاندماج في المجتمع ، الشيء الذي يعود بالنفع على المجتمع بالتقدم و الرقي و الإزدهار. بالتالي فإن الالتزام بالانتماء يجسد أهم مظاهر الوطنية في جانبها الحقيقي و الفعلي للمواطنة ، و كل هذه القيم يكتسبها الفرد من محيطه بدءا بالأسرة مرورا بالمدرسة و المجتمع .
2-أهمية المواطنة في المجتمع :
يلعب الإحساس بالمواطنة لدى أفراد المجتمع دورا مهما ، باعتبارها ضرورة مجتمعية لتطوير المعارف و مختلف القدرات التي من شأنها أن تساهم في خدمة المجتمع ، من خلال القدرة على التمييز بين الحقوق و الواجبات ، الشيء الذي يساعد الأفراد على المشاركة و القدرة على الإنخراط الإيجابي في كل التحولات التي قد تطرأ في جميع المناحي و المستويات . و تسعى المواطنة إلى ضبط العلاقة بين المجتمع و الدولة و تأطيرها وفق حقوق و واجبات على كلا الطرفين الالتزام بها ، من خلال قوانين و مؤسسات توفر الشروط المثلى لتحقيق ذالك في إطار من العدالة الإجتماعية و المساواة .
لدى فإذا كانت المواطنة تسعى إلى ضمان حقوق يتمتع بها المواطنين بمختلف انتماءاتهم الدينية و الثقافية و اللغوية و المجالية ، فإن هذه الحقوق في نفس الوقت تشكل واجبات على الدولة و المجتمع الإلتزام بتوفيرها ، من قبيل ( الصحة ، التعليم ، السكن ، الشغل ، حرية التعبير ..إلخ ).
في المقابل فإن للدولة حقوق على المواطنين الإلتزام بها ، تبدأ بالمحافظة على الممتلكات العامة ، ثم الدفاع عن الوطن ضد كل الأخطار التي قد تهدد استقلاله و استقراره و أمنه و سيادته ، كما تشكل المشاركة في العمل السياسي بمثابة واجب على المواطنين القيام به لتوسيع حظوظ مشاركة فئات واسعة في تقدم و ازدهار المجتمع . و كل هذه الواجبات يقوم بها كل من يمتلك حسا مواطنا حسب قدراته و إمكانياته ، و يشكل العمل التطوعي من أبرز مظاهر ثقافة التضامن بين أفراد المجتمع ، من خلال نشر قيم إنسانية نبيلة في نفوس الأفراد داخل المجتمع من قبيل نكران الذات و التضحية من أجل الآخر ، و ذلك من خلال مبادرات ذات طابع اجتماعي أو تربوي .
3-المدرسة و المواطنة أية أدوار؟
مما لا يختلف فيه اثنان هو الدور المهم الذي يمكن للمدرسة أن تلعبه في مجال نشر قيم المواطنة ، و ذلك من خلال تكوين متعلمين يمتلكون قدرات و كفاءات تزرع فيهم الثقة بالنفس ، ترتقي بهم إلى مرتبة فاعلين قادرين على التأثير في أوساطهم الإجتماعية .
و تعتبر المدرسة أداة فعالة قادرة على لعب أدوار رائدة ليس فقط في نشر قيم المواطنة في نفوس الناشئة ، بل أكثر من ذلك كركيزة أساسية في تقدم و رقي المجتمع لمسايرة ركب التقدم الحضاري الذي تعرفه باقي الشعوب ، و كل هذا لا يقتصر فقط في وجود إرادة سياسية ، بل كذلك بمنحها الإمكانيات الكافية لكسب كل تلك الرهانات ، عن طريق توفير أطر تربوية كافية و مؤهلة تأهيلا جيدا و تشتغل في ظروف ملائمة ، و برامج بيداغوجية فعالة و بنيات تحتية في المستوى المطلوب .
و تكمن أهمية المدرسة أيضا كمؤسسة للتنشئة الإجتماعية ، في كونها قادرة على تنمية وعي الناشئة ، من خلال سلوكيات مؤثرة على تكوينهم ، ثم التحلي بحسن الأخلاق و المسؤولية و الإعتزاز بالإنتماء للوطن ، و نبذ كل مظاهر الإنحراف في المجتمع ، و بذلك تساهم المدرسة في زرع قيم المواطنة الحقيقية في نفوس الناشئة ، و مع الأسف الشديد غالبا ما يتم إغفالها في منظومتنا التربوية .
و من خلال مقاربة تربوية أساسها المدرسة يمكن للمواطنة كقيمة أن تجد الفضاء المناسب لها للتفتق ، و تكريسها مفهوما و سلوكا عن طريق ترسيخ قيم التكافل و التضامن و احترام الآخر في الوسط التربوي ، الذي هو المدرسة حيث سرعان ما ستمتد فاعليتها إلى المجتمع ، بالتالي تتحول كل تلك القيم التي يحملها المتعلم إلى أدوات تمكنه من مواجهة التحديات التي تواجهه في مختلف مراحل حياته ، كما يكون على دراية و معرفة بكل الحقوق و الواجبات ، و كذا بشروط تحقيق المواطنة من قبيل الديموقراطية القائمة على الحرية و المساواة أمام القانون و قبول الاختلاف ، بالتالي تتحول المدرسة / المؤسسة التعليمية إلى فضاء لتمرين الناشئة على ممارسة الديموقراطية و حقوق الإنسان الشيء الذي من شأنه أن يمكنها من التعامل إيجابيا مع تحولات و متطلبات الحياة .
و كل هذا لن يتم إلا وفق تبني نظام تربوي حديث يستمد قيمه و مبادئه من منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ، و من قيم المجتمع المغربي في خصوصياته المحلية الذي يختزن الكثيرة من قيم التضامن و التكافل و الإرتباط بالوطن و احترام الآخر و تقبله و التعايش معه ، رغم بروز بعض مظاهر الإنحراف من خلال ممارسات و تأويلات غريبة عن المجتمع المغربي يطغى عليها طابع الإنغلاق و الفهم المغلوط للدين.
4-المواطنة و الأحزاب السياسية العلاقات و الأدوار:
تكمن أهمية العلاقة بين الأحزاب السياسية و المواطنة ، في الأدوار الريادية التي يمكن للأحزاب أن تلعبها في مجال التربية على المواطنة ، و بعد التعريف الذي قدمناه سالفا حول المواطنة ، فإن الحزب السياسي حسب قانون الأحزاب المغربية يعتبر الحزب " تنظيما يتمتع بالشخصية الإعتبارية يؤسس بمقتضى اتفاق بين شخصين ذاتيين يتمتعون بالحقوق المدنية و يسعون إلى تحقيق نفس الأهداف "(أنظر المادة 2 من قانون الأحزاب الجريدة الرسمية عدد 5989 -26 ذو القعدة 1432 الموافق لـ 24 أكتوبر 2011) ، وهو بالتالي: مجموعة من الأشخاص توحدهم نفس المرجعية وتجمع بينهم نفس الرؤى والأفكار وأهداف سياسية واحدة بغاية الاستمرار ، و هو أيضا غير محدود في الزمن ويشارك في تدبير الشؤون العمومية بطرق ديمقراطية وبغاية غير توزيع الأرباح ، ويساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم بالإضافة إلى المساهمة في نشر الشفافية السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي.
و في الفصل السابع من دستور 2011 في إطار حديثه عن الأحزاب السياسية، أشار إلى أن: "الحزب السياسي يعمل على تأطير المواطنات و المواطنين و تكوينهم السياسي و تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية و في تدبير الشأن العام " ، انطلاقا من هذا التعريف المختصر يمكن أن نتساءل حول الدور الذي يمكن للأحزاب السياسية أن تلعبه في نشر و تكريس قيم المواطنة و كذا المساهمة في تخليق الحياة العامة .
في المغرب ارتبط ظهور الأحزاب خاصة الوطنية و الديموقراطية منها بمرحلة الإستعمار ، حيث شكلت مقاومة الإستعمار الفرنسي و الحصول على الإستقلال الهدف الأسمى بالنسبة إليها ، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن أن يختلف فيها اثنان هي قدرة تلك الأحزاب في تعبئة فئات واسعة من الشعب المغربي للنضال من أجل استقلال البلاد ، رغم اختلاف انتماءاتهم المجالية و الإجتماعية و الثقافية و الفكرية. كما لم يبخل مناضلو تلك الأحزاب في بناء مقاربات و تصورات فكرية شكلت بمثابة إجابة حقيقية لكل الصعوبات التي تعاني منها البلاد حينها ، بل من المقاربات و الإنتاجات الفكرية من كانت تحمل طابعا استشرافيا للكثير من القضايا و الأمثلة على ذلك كثيرة .
و لعبت الأحزاب خاصة الوطنية و الديموقراطية دورا مهما في البناء الديموقراطي لمغرب ما بعد الإستقلال ، من خلال نضالها المستمر من أجل مجتمع تسوده العدالة الإجتماعية و المساواة و دولة المؤسسات ، رغم كل الصعوبات التي عرفتها المرحلة ، لكن واكبه كذلك تجاوب إيجابي من طرف السلطات ، إلى أن دخل المغرب مرحلة الإنفتاح الديموقراطي من خلال مجموعة من الإصلاحات الدستورية و السياسية ، الشيء الذي كانت له نتائج إيجابية على المستوى الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي ، رغم بعض الصعوبات التي لازالت تكتنف نموذجه التنموي إلا أن ذلك لا يخفي إرادة جماعية لبناء مجتمع متقدم . و السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ، هل يمكن للأحزاب السياسية أن تلعب دورها الحقيقي في تعبئة المواطنين و تأطيرهم على قيم المواطنة و الوطنية؟
إن الإجابة عن السؤال أعلاه ليس من السهولة بمكان ، خاصة في ظل الوضعية التي يعرفها المشهد السياسي ، و ما يميزه من عزوف المواطنين عن الممارسة الحزبية خاصة فئة الشباب منهم ، بالإضافة تراجع القدرة التنظيمية لغالبية الأحزاب السياسية .
لكن رغم ذلك فإن الأحزاب السياسية بإمكانها أن تلعب أدوارا مهمة في مجال التربية على المواطنة ، عن طريق تأطير المواطنين على قيم المواطنة و الوطنية و إعادة الاعتبار لقيم المجتمع المغربي، بتوفير إطارات تنظيمية و بنيات استقبال لاحتضانهم ، حيث تجعل من السياسة أداة لخدمة و تقدم المجتمع و رقيه، من خلال استثمار الذكاء الجماعي للمواطنين و قدراتهم الفكرية و الإبداعية و توظيفها لمقاربة الصعوبات و الإشكاليات التي يعاني من المجتمع ، ثم إيجاد حلول و إجابات لها و تجسيدها على أرض الواقع من خلال تسهيل ولوجهم إلى تدبير الشأن العام .
الأحزاب المغربية و باقي مكونات النسيج الجمعوي اليوم ، أصبحت مطالبة باستنهاض همم المغاربة ،من خلال إعادة الاعتبار لقيم المواطنة النابعة من المجتمع المغربي بكل مكوناته الحضارية ، بعيدا عن كل أشكال التعصب بمختلف أنواعه ، ثم انتاج نموذج فكري يجعل من خدمة الوطن و تقدمه و الدفاع عن حرمته و استقلاليته أساسا لأي خطاب و ممارسة ، و تفادي كل ما من شأنه أن يرهن الوطن و أبنائه لخدمة أجندة أجنبية كيفما كانت .
5-بعض معيقات تكريس ثقافة المواطنة بالمغرب:
إن محاولة القيام بجرد مجمل المعيقات التي تقف أمام تكريس ثقافة المواطنة في مجتمعنا، يفرض استحضار مدى استعداد المجتمع المغربي للتعاطي بشكل ايجابي مع مفهوم المواطنة كجزء من منظومة قيم و أفكار الحداثة و جعله معطى أصيلا ضمن الأطر المرجعية التي تستند عليها الذات / الفرد "ذات المواطن" المغربي في مختلف مناحي حياته ، بالإضافة إلى مدى توفر بنيات سوسيوثقافية لضمان التأطير الكافي لتحقيق ذلك .
و في هذا الإطار يمكن أن نقول إن بعض المعطيات السوسيوثقافية للمجتمع المغربي تحتضن في طياتها مجموعة من الظواهر التي تقف كعائق أمام انبثاق فرد متشبع بقيم المواطنة له كامل الوعي بحقوقه و واجباته .
و يشكل التأثير الكبير للروابط العائلية و القبلية و بعض مظاهر البيروقراطية الإدارية ، إضافة إلى البنيات الإجتماعية و الثقافية ، رغم بعض التغيرات الإجتماعية العميقة التي عرفها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة ، إلا أن ذلك لا يخفي وجود بعض الظواهر من قبيل غياب عنصر الإستقلالية خاصة لدى الشباب ، في بعدها المادي نظرا للصعوبات التي يعاني منها غالبية الشباب المغربي من قبيل انتشار البطالة و الفقر ، الشيء الذي يجعل الشاب في تبعية دائمة للأسرة ما ينتج عنها من علاقة سلطوية للأب ، الشيء الذي يعرقل كل إمكانيات ظهور علاقة يغلب طابع الإستقلالية.
كما أن طبيعة البنية الإجتماعية تحول دون تكريس مبدأ المواطنة ، خاصة في بعض التشكيلات الإجتماعية التي تخضع لمنطق القبيلة ، حيث نجد الفرد يبدي ولاءه للقبيلة أكثر من الدولة ، و خير دليل على ذلك السلوك الإنتخابي خير مؤشر على ذلك سواء من حيث الترشيح أو التصويت ، بل أكثر من ذلك في الغالب ما يتم الإعتماد على القبيلة كقاعدة خلفية من طرف العديد من الأحزاب ، من خلال ارتباط و ولاء بعض القبائل بأحزاب دون أخرى ، كما لا يتصرف النائب كنائب للأمة بل يكتفي فقط بالدفاع عن الدائرة التي انتخب بها .
و ينتج عن ضعف ولاء المواطن للدولة اختلال في العلاقة بين الدولة و المواطن ، حيث يعتبر المواطن حقوقه على الدولة بمثابة غنيمة أو فرصة بمنطق انتهازي، و ينظر لواجبات الدولة تجاه المواطن اعتداءا و سلبا لحقوقه ، و نجد في تعامل المواطن المغربي مع الضريبة خير مثال على ذلك ، بحيث لا يعتبرها مسألة أداء واجب مقابل خدمات عمومية ، الشيء الذي يفتح الباب أمام مختلف كل وسائل الغش و التحايل و التهرب الضريبي ، بالتالي يمكن أن نقول أن الإلتزام بآداء الواجب الضريبي من أهم مؤشرات المواطنة .
تشكل ضعف ثقافة القانون من أهم معيقات بروز مواطن كذات حقوقية أمام الدولة ، بحيث لا يكفي وجود هياكل مؤسساتية و نصوص قانونية لضمان استفادة المواطنين من حقوقهم و الدفاع عنها ، لكن ذلك رهين بمدى تشبع هذا المواطن بثقافة القانون . أي أن يكون المواطن مقتنعا بأن الوسيلة الوحيدة الكفيلة باسترجاع حقوقه في حالة ضياعها هو الإحتكام لسلطة القانون .
كخلاصة عامة يمكن أن نقول أن المغرب اليوم أصبح مطالب بإعادة الإعتبار إلى كل مقومات المواطنة ، في بناء مشروعه المجتمعي المتكامل القائم على صيانة موروثه الثقافي في بعده التعددي الذي يعبر عن عبقرية الإنسان المغربي ، و جعله محطة لاستنهاض الهمم ، لرسم ملامح مستقبل زاهر يبدأ بحلم و أمل، تنخرط فيه كل مكونات مجتمعنا ، مساهمين بذلك في تقوية موقع المغرب في سكته الصحيحة لتبوأ مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة في أفق بناء دولة متقدمة بمقومات تحفظ للمواطن المغربي شروط السعادة و العيش الكريم .